تضمن هذا الأسبوع انطلاق فعاليات أيام المعرض الموريتاني في ميلانو الإيطالية وقد حضر الرئيس لتدشين اليوم الوطني لموريتانيا بالمعرض، والذي شاركت فيه الحكومة إلا قليلا، حيث حضره وزراء الطاقة و المعادن والنفط، التجارة و الصناعة و السياحة، الصيد والاقتصاد البحري،
الزراعة والبيطرة، ووفود من عدد من القطاعات الحكومية، ووفد من منطقة انواذيبو الحرة.
والمتابع للشأن الاقتصادي الوطني، وسياسة الدولة في البحث عن الاستثمارات، يخيّل إليه أن بلدنا أصبح قبلة للعالم، وأنه يتوفر على بنى تحتية قوية، وبيئة نظيفة، واقتصاد وسوق حر، وعدالة اجتماعية وديمقراطية، وأن الإدارة أصبحت تقرب الخدمات من المواطن، وأن الخدمات الصحية والمصرفية موفورة، وأن الكهرباء لم يعد ينقطع عن العاصمة.
والمتابع لهذا الأسبوع المنصرم كذلك مشروع تعديل الميزانية وما واكبه من مشاريع قوانين مهمة، ستعرض في الدورة البرلمانية التي حرمت النواب من العطلة الصيفية، وإضافة هبة السعودية ومداخيل صفقة الاتحاد الأوربي في الصيد إلى الميزانية، يدرك تحرك الدولة وعملها المتواصل من أجل الدفع بعجلة التنمية والاقتصاد، لكنه على الدولة أن لا تنظر بعين واحدة، وتترك بقية المشهد، لأن ذلك يكون بمثابة صيحة في واد، أو الضرب في الحديد الذي أصبح ثمنه باردا.
إن عدم التركيز على بنية تحتية قوية، من شبكة طرق، وماء وكهرباء بدون انقطاع، والسعي في إيجادها في أسرع وقت، وإيجاد سوق حر، وإيجاد قانون بنكي، وإعادة هيكلة أكثر من 20 بنكا في البلد، بتوجيه الاقتصاد، وجعل كل بنك يهدف لتنمية قطاع ما، وزيادة فروع هذه المؤسسات البنكية داخل الوطن، لتقريب الخدمات المصرفية، وإعطاء محفزات لرجال الأعمال في البلد بدل تهجيرهم، لن يؤتى أكله، وإن العالم اليوم أصبح نظرا للتعاملات البنكية السريعة يخرج النقود من أيدي الناس ويجعلهم يتعاملون بالتحويلات النقدية لتظل الدورة الاقتصادية في تحرك، وليوفر تلك الأموال من أجل تحريكها في كل العالم، وما دام المجتمع يجهل هذه الآليات نظرا لغياب التوعية، وعدم وجود خدمات مصرفية فلن نلحق بالركب، وإن البنك المركزي يدرك يقينا كم طبع من الأوراق، ويدرك ظنيا كم هو في البنوك منها، فعليه أن يدرك كذلك ما هو مخزن منها في الأرياف وفي الصناديق نتيجة لنقص الأخير من الأول، ويقوم بضخ ما هو مخزن في السوق ريثما يحس بالوفرة ليسحبه من جديد، ويجرم بل ويحرم إرسال الأموال للخارج بدون إثبات صفقات تجارية تدر على البلد سلعا، وتزيد السوق إنتاجا وحيوية.
إن رفع الضرائب عن المنطقة الحرة، لا يكفي وحده لوجود مستثمرين خارجيين، لأنهم حينما يهبطوا من المطار ستعترضهم كومات من الأزبال والقمامة التي تحيط بالمطار، فعلى بلدية انواذيبو اتخاذ الإجراءات لتحسين واجهة المدينة على الأقل مراعاة لصحة المواطن أولا، ثم من أجل خلق مناخ بيئي يشجع على الاستثمار.
إن أي مستثمر أجنبي ينظر في الحالة السياسية للبلد أولا، ومدى الاستقرار والأمن العاميين، ونحن لا يجب أن نغالط أنفسنا، فالعالم يدرك أن البلد يعيش أزمة سياسية خانقة، بين النظام والمعارضة، وأن الانتخابات الماضية انتخابات صورية، لأنها لا تتوفر على أبسط معاير الشفافية، وأن السلطة العسكرية ما لم ترفع يديها عن السياسة، فإن الإستقرار لن يكون! نظرا للامتيازات التي يتميز بها أبسط ضابط على حساب المواطن العادي والجندي البسيط، ولذلك فإنه لن يخاطر أي مستثمر وطني أحرى أجنبي برأس ماله الذي يعتبر جبانا، بدون وجود ضمانات استقرار، وإصلاح إدارة، التي تعوزها في القانون المدني والتجاري المساطر والاجراءات القانونية الطويلة، ما أفشى الرشوة واللعب بالمال العام، وأوجد تراكمات من الفساد الإداري والمالي يجب تجفيف منابعه بالرقابة والعقوبة، وإن عدم تشجيع رجال الأعمال الوطنين في الاستثمار المحلي، وفتح الباب لهم بدون مضايقات على حساب التوجهات، لن يسرع من دخول رجال أعمال أجنبيين، وإن على رجال الأعمال كذلك أن ينتهوا عن التهرب الضريبي، وأن يعرفوا أن عليهم دفع هذه الضرائب للدولة لأنها بحاجة هذه الأيام إلى موارد جديدة خاصة بعد عرضها لبعض المدارس في المزاد العلني!
وأخيرا إن مشاريع الإعمار والسكن من أكبر المشاريع التي على الدولة أن تدعمها في التنمية حتى يستطيع المواطن أن يجد سكنا، ولو بدفع ثمنه عبر الأقساط، لأنه لا توجد في موريتانيا حتى الآن طبقة متوسطة، وهو ما يجعل الفجوة كبيرة بين الفقراء والأغنياء، ففريق في الجنة وفريق في السعير، فعلى الدولة ترميم هذه الطبقة لأنها الجسر الذي يربط بين الطبقتين، وذلك بدعم المشاريع المتوسطة والصغيرة، ومما لا يمكنني أن أفهمه هو هبوط أسعار المواد الأولية في العالم وارتفاعها في موريتانيا، وإنني متفائل وصدقت كلام الرئيس في ميلانو أن البلد أصبح له اكتفاء ذاتي في صناعة وزراعة المواد الأولية وخاصة الأرز والقمح، وإني أنتظر السنة المقبلة بفارغ الصبر لأعرف هل فعلا استطاعت الحكومة أن تجلب مستثمرين جدد تساعد استثماراتهم في خلق فرص عمل، رغم ما للاستثمارات الخارجية من سلبيات عند علماء الاقتصاد تتمثل في ضرب القوة الشرائية للمواطن، وللمؤسسات الخاصة الوطنية.