في وقت ما من تاريخ هذا البلد حل طاعون أتى على الأخضر واليابس وشوّه الحياة السياسية والإجتماعية والإقتصادية لهذا المجتمع فاستشرى الفساد وانحلت القيم وتنافس المسؤولون على نهب المال العام وبيعت الضمائر الحية والميتة على حدٍّ سواء وأصبح الشعب عبارة عن قطيع من الماشية
يتقاسمه بعض المسؤولين وفق منطق القبيلة والجهة ، وانتهج هؤلاء سلوكا يعتمد على استخدام سيّءٍ للسلطة تحقيقا لمصالحهم الشخصية على حساب المصلحة العامة وأصبح المواطن لا ينظر إلى وطنه كوطن وإنما ينساق وفق هوى ذلك المسؤول حيث ساقه ولو أدى ذلك إلى الدخول في صراع وهمي (سياسي) عصف بالمنظومة الأخلاقية للمجتمع فتغيرت المفاهيم ليصبح الكذب حنكة سياسية والخداع حكمة ونهب المال العام رجولة....الخ
وقد ساعد الجهل والتخلف على استفحال هذه الوضعية فانشغل الناس دون وعي بما لهم وما عليهم بالخلاف بينهم على أمور تافهة وتخلى المثقفون عن دورهم
ولن أطيل هنا لأنكم مازلتم تتذكرون ما حدث.
ولأن ذلك النهج استمر لفترة كانت كافية لإصابة سلوك كل من شهدها ممن هم أهل من الناحية الثقافية لتولي المسؤوليات العامة إصابة يصعب التخلص من آثارها النفسية الخطيرة تلك الحالة النفسية التي ستظل المعضلة أمام أي إصلاح لعدم قدرة أصحابها على التخلص منها ولو أرادوا ذلك بل ستظل سببا لانتقال المرض من جيل إلى جيل مالم يتم تنظيف مركز القرار من هؤلاء والإستغناء عن استشاراتهم التي التي يصدق فيها قول المثل الحساني ‘‘ ألي أتريّالك خرّص ركبت أمراحُ ‘‘ استشارات أقل ما يقال عنها أنها وعاء حاضن للفساد لوجود انحراف سلوكي طغى وسيطغى لا محالة على أصحابها مستقبلا...
إن هذه الحالة المَرَضية معدية ويمكن لأصحابها التعايش مع أسوء نظام سياسي كما يمكنهم التعايش مع أحسن نظام كما أن بإمكانهم لا قدر الله التأثير باستشاراتهم تلك شيئا فشيئا بغية العودة إلى زمان يخفون حنينهم إليه.
وهنا تكمن المشكلة حيث الدواء بالتي كانت هي الداء ، فمتى يستقيم الظل والعود أعوج ؟ ومتي يستشير المصلح الفاسد؟
وكيف نطمئن إلى استشارة من كان بالأمس نهجه الابتزاز، واستغلال النفوذ، والمحسوبية، والاحتيال والاختلاس؟
كيف لنا أن نطمئن إلى استشارة من هو سبب في أزمة الأخلاق التي نعيشها؟
لذلك فإنني أنصح بالقطيعة التامة مع كل من ساهم فيما صرنا إليه وتكوين جيل جديد قادر على النهوض بموريتانيا وذلك وفق إجراءات الإستعجال وتطهير مراكز القرار من كل من أتيحت له فرصة خدمة هذا الوطن يوما فبخل عليه لأنه سيظل لا محالة عقبة كأداء أمام أي تقدم وأي إصلاح بل أخشى أن يؤثر سلبا على الجيل الجد