لن تخطئ عين الزائر لمستشفى الأم والطفل بالعاصمة نواكشوط ما يتمتع به هذا المستشفى ويتميز عن بقية المستشفيات من حداثة عمران ونظافة أسرة ووفرة في المعدات وجودة في التصميم ؛وإن كان الأخير عن غير قصد فالبناية لم تكن موجهة أصلا إلى متعلق بالصحة أحرى مستشفى للأم والطفل ،
ومن المعروف أن هذه البناية كانت تهيأ لإيواء الوزير الأول في حقبة زمنية ماضية؛ قبل أن تتخذ السلطات العليا للبلد الحالية القرار الصائب فيها وتحولها إلى هذا المستشفى المذكور؛وليتها أعادت الكرة وفعلتها بمرافق ومنشئات أخرى سبيلا إلى خدمة المواطن أكثر فأكثر،لقد ظهرلي من خلال جولة قصيرة داخل هذا المستشفى على هامش زيارة مريض يتعالج فيه: أن الدولة لم تبخل علية بصنوف المعدات واللوازم وأنها وفرت له كادرا بشريا يختلف في التخصص ويتبائن في التكوين و الوظائف .
إن هذا الطاقم الموجود في مستشفى الأم والطفل يظهر لأي مواطن مهما ضعفت عنده قوة الملاحظة أنه يختلف كثيرا من حيث أداء المهام والجاهزية لذلك ومن حيث الاستعداد النفسي والأخلاقي والإنساني ومن حيث تقدير ظرفية زائر المريض ذاك الزائر الذي تتعقد ظرفيته وتدعو للشفقة بتعقد حالة مريضه الذي هو سبب وجوده في هذا المرفق ولولاه لما مر بالقرب من بنايته أحرى الولوج إلى الداخل.
لقد حضرت إلى هذا المستشفى يوم 27/07/2015 في زيارة لمريض (4سنوات ) تقريبا ؛ وأولى الملاحظات التي اعترضتني دون بذل لأبسط جهد في البحث عنها؛أن المريض الذي قصدت المستشفى لأجله مرت عليه قرابة 24ساعة وهو يتعاطى دواء ليس دواء لدائه ، فقد ظل المسعفون يقدمون له الدواء الخاص بحمى الأمعاء كما يسمونها والتي تبين لهم لاحقا بعد إجراء كشف خارجي وفقا لطلب الدكتور المشرف على حالته،والذي اشترط إجراء الفحص خارج المستشفى ..! وأجري الكشف في المختبر الواقع قبالة "دوار ولد اماه" وبين أن المريض لايعاني من "حمى الأمعاء" وأنه يعاني من "حمى الملاريا" الطبيعية؛وتبين لهم أنهم وقعوا ضحية لنتائج كشفية غير دقيقة ؛بل مغالطة تماما؛ مقدمة من المختبر الموجود داخل المستشفى وأن هذه النتائج كانت هي سبب اللخبطة والإرباك..! وطبعا تختلف الأعراض المصاحبة لحمى الأمعاء وحمى الملاريا ؛فعن الأولى "حمى الأمعاء" كما يسمونها يصاب المريض برعاف وآلام في البطن والرأس ويصاب أيضا بالإسهال، أما حمى الملاريا فمعروفة عند الجميع وغنية عن التعريف ..
وفي صباح نفس اليوم 27/07/2015 قدمت أسرة فقيرة جدا من "لمغيطي" تحمل طفلها الذي لم يبلغ بعد خمس سنوات في غيبوبة تامة وقالوا أنهم استيقظوا عليه يصدر حركات تشنجية -مثل تلك التي تصدرها الشاة الذبيحة- فهرعوا للحالة هذه وتوجهوا به إلى مستشفى الأم والطفل الذي وصلوا إليه قبل الساعة الخامسة صباحا بقليل ؛وبعد معاينة الطبيب المداوم له طلب منهم كشفا مخبريا وتوجهوا إلى المختبر الموجود داخل المستشفى ووجدوا المخبري نائما ولما أيقظوه وطلبوا منه الكشف رد عليهم بما لا يدع مجالا للنقاش أن الكشف لن يحدث أبدا قبل الساعة الثامنة صباحا ..! ؛والتي تفصلهم عنها ثلاث ساعات والطفل بين يديهم مغمى عليه ، عادوا أدراجهم إلى الطبيب الذي طلب منهم إجراء الكشف وأبلغوه بما جرى بينهم وصاحب المختبر .. فرد عليهم بهدوء ؛ "هذه حالته" (ذاك واحد فم ألا ذ كيفتو)..! وأخذ الطفل ونزع كامل ثيابه ووضعه تحت المكيف الهوائي عل وعسى ..!
وبخصوص التعامل الخارجي وأزمة البواب وطالبي الدخول في غير الوقت المسموح به لم تغب عن المشهد استثناءات انتقائية ومحسوبية تعاني منها إداراتنا ومرافقنا العمومية بصورة عامة ؛مما يستدعي منا جميعا محاربتها والقضاء عليها ؛فالمواطنون سواسية بحكم القانون وأقوياء بقوة القانون ومصان حقهم بالتساوي وبنص القانون.. ومن اللافت للانتباه وجود مراهق يتولى حراسة الباب الأمامي قد يكون أحدهم استعان به في ذلك .. (مابين الساعة الرابعة والسادسة) يبدو أنه ليس من الحراس الثابتين عند الباب وعند السؤال عنه تبين أنه من عمال الحراسة الداخلية (حراسة الأجنحة) أو( النظافة) ؛ هذا البواب المراهق تميز بالبذاءة والإساءة وكيل الشتائم وقذر الكلام للرجل والمرأة والشيخ والعجوز وبعد كل بذاءاته يخرج عصاه (أتاش) ويهدد ويرتعد ويزبد ..! ؛مع أن أغلب خصومه من طالبي الدخول لم يدفعوه إلى ذلك إنما يريدون الدخول إذا سمح لهم بذلك؛ بعضهم يحمل دواء والبعض يحمل طعاما أو يريد أن يبادل أحدهم في الداخل ومنهم من يجهل الوقت الحقيقي للسماح بالدخول ويتلهف شوقا إلى معاينة مريضه والاطمئنان على سلامته ليس إلا ، وكانت الكلمة الطيبة أولى بصدهم وتهدئتهم ؛الشيء الذي افتقده هذا المراهق المتهور الذي لا ينبغي أبدا لإدارة المستشفى السماح لأمثاله بالعمل في واجهة ذوي المرضى الذين يحتاجون من يراعي خصوصيتهم النفسية ويحترمهم إن لم يسعى في تطييب خواطرهم وطبعا يتطلب ذلك عمالا من أصحاب الرزانة والهدوء الشيء المفقود في الشباب المراهق والمتوفر غالبا في الشيوخ أصحاب الخبرة والتجربة وهم كثر ..
وفي ضحى اليوم الموالي 28/07/2015 حضر الدكتور المعاين لحالة المريض الذي ذكرنا بداية والذي يعاني من حمى الملاريا التي أظهرها المخبري في مستشفى الأم والطفل على أنها حمى أمعاء ..! واطلع على حالة الصبي وطلب إجراء فحوص للبطن عن طريق التلفزة واشترط ثانية عدم إجراءها في التلفزة الموجودة داخل المستشفى بل طلب إجراءها خارج المستشفى ..! والحمد لله بعد إجراء الفحوص في عيادة خارجية أكدت أن الصبي لا يعاني إلا من حمى الملاريا وأن لا شيء يدعو إلى القلق الزائد وهدر الأموال في الفحوصات المتكررة التي هو في غنى عنها ..
ترى إلى متي نتهاون بصحة المواطن ؟
لماذا توفر الحكومة طاقات هائلة ثم لا تغني المواطن عن صرف أمواله التي يحتاجها في قوت يومه أي ما احتياج ..سواء في استجلاب دواء مفقود أو في كشوف جارجية أكثر ثقة ؟
إلى متي تموت الإنسائية في بعض موظفينا أطباء كانوا أو مخبريين أو آخرين؟
لماذا نتساهل في عقوبة المهمل ومن دأب على الرعونة؟
لماذا لا نتكفل بمن لا حول لهم ولا قوة كحال الأسرة التي قدمت من لمغيطي وبدأت في الاتصالات الهاتفية على آخرين بحثا عن دين يعالجون به طفلهم المغمى عليه؟
إلى متى يظل الموظف الأجير يمن بخدماته الواجبة عليه على المواطن دافع الضرائب وصاحب الحق القانوني في الرعاية؟