الملاحدة الجدد بين الجهل والضياع الحلقة (17) / المرابط ولد محمد لخديم

  نقرأ في قوله تعالي: ﴿ قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين﴾(50) وقوله جل وعلا﴿ قل هذه سيبلى أدعوا إلى الله على بصيرة ﴾ (51) . وهذا الخطاب القرآني يبين أن عقائده مبرهنة فهو يخاطب القلب والوجدان والاعتماد عليهما أساسا للاعتقاد, وهذا ما لا نجده فى بعض العقائد الأخرى التي تقول

:( آمن ثم أعلم) أو (أغمض عينيك ثم اتبعني).  وأكثر من هذا أنه يتبع مسائله بالحجة المقنعة الدامغة, والبرهان الواضح, الذي يملك أزمة العقول ويأخذ الطريق إلى القلوب. فالقرآن الكريم يقيم الأدلة في مسألة الألوهية من الكون, ومن النفس, والحياة, وفطرتهم, فلا مناقضة بينه وبين فطرة الإنسان..

  يقول تعالي ﴿ فلينظر الإنسان مم خلق﴾ (52) ﴿ أفلا ينظرون إلي الإبل كيف خلقت﴾ (53)
﴿ ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من آلهة إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض﴾ (54) ﴿إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وان يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذونه منه ضعف الطالب والمطلوب﴾ (55)  إلى غير ذلك من الآيات فهي تأمر باستعمال الحس لنقل الواقع حتى تصل إلى النتيجة الصحيحة.
          وفي الأحكام نجد: ﴿حرمت عليكم أمهاتكم﴾ (56) ﴿ فمن شهد منكم الشهر فليصمه﴾ (57) ﴿أوفوا بالعقود﴾ (58)  ﴿وأحل الله البيع وحرم الربا﴾ (59)  .
﴿ فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع..﴾ (60), إلى غيرها من الآيات وكلها تعطي أحكاما محسوسة لوقائع محسوسة وسواء كان للحكم أو للواقعة التي جاء بها الحكم، فهو إنما يأتي بالطريقة العقلية وبهذا نجد أن القرآن سلك الطريقة العقلية، وبتطبيقنا لهذه الطريقة العقلية ننتقل إلى الطريقة العلمية؛
         لقد تقدم برهاننا بالطريقة العلمية(61) لكن هذه القاعدة ليست أساسا لتفكير، فهي ليست أصلا يبنى عليها وإنما هي فرع بني على أصل, كما أن جعلها أساسا للتفكير يخرج أكثر المعارف والحقائق والبحث(62), ويؤدي إلى عدم وجود كثير من المعارف الموجودة بالفعل(*)، فالطريقة العلمية لا يمكن السير بها إلا بوجود معلومات سابقة ولو معلومات أولية، والمعلومات الأولية, لأول بحث علمي لا يمكن أن تكون معلومات تجريبية، لأن ذلك لم يحصل بعد، فلا بد أن تكون المعلومات قد جاءت عن طريق نقل الواقع بواسطة الحس إلى الدماغ أو جاء عن طريق الطريقة العقلية, ولذلك لا تكون الطريقة العلمية أساسا للتفكير بل الطريقة العقلية هي الأساس, والطريقة العلمية مبنية على هذا الأساس وفرع من فروعه.
      أما (طريقة البحث المنطقي) فإنه ليس طريقة في التفكير وإنما هو أسلوب من أساليب البحث المبنية على الطريقة العقلية, فهو بناء فكر على فكر بحيث ينتهي إلى الحس والوصول عن طريق هذا البناء إلى نتيجة معنية كأن تقول: لوح الكتابة خشب، وكل خشب يحترق, فتكون النتيجه أن لوح الكتابة يحترق، وتكون النتيجة صادقة, اذا كانت قضايا البحث المنطقي التي جرى اقترانها صادقة وإذا كانت إحداها أو أكثرها كاذبة تكون النتيجة كاذبة، ففيها قابلية الكذب والمغالطة، فمثلا: أحمد أخ لمحمد وأحمد بن علي، فالنتيجة محمد بن علي قد تكون صوابا وقد تكون خطأ، وشرط المقدمات في البحث المنطقي أن تنتهي كل قضية منها إلى الحس، ولذلك نرجع إلى الطريقة العقلية ويحكم فيها الحس حتى يفهم صدقها, وليس من السهل إدراك كذب المقدمات أو صدقها في جميع الأحوال, كما قد يكون الصدق فيها مبنيا على المعلومات الخاطئة, ولذلك كانت الأبحاث المنطقية أكثر ما يضر في التشريع والسياسة, وقد تؤدي أخطارالمنطق إلى الضلال, فأسلوبه المنطقي مضر لقابليته للخداع والتضليل مما قد يؤدي إلى التوصل إلى حقائق عكس التي يراد إدراكها لاعتماده على: عدم اجتماع النقيضين, وثبات الهوية, والثابت المرفوع(63).
          وبهذا المنطق نكون قد استعملنا جميع الطرق الفكرية, التي اعتمدها لإنسان واستخدمها  قديما وحديثا, والتي تؤدي كلها إلى الطريقة العقلية طريقة القرآن كما أسلفنا (64).
    وعلى ذلك فإن هذه الطريقة وحدها هي التي يجب أن يسير عليها الناس. وأن الأسلوب المباشر هو الأسلم لتسير عليه. وذلك حتى يكون التفكير صحيحا، وتكون نتيجة التفكير أقرب إلى الصواب فيما هو ظني، وقاطعة بشكل جازم فما هو قطعي.
    لأن المسألة كلها متعلقة بالتفكير. وهو أثمن ما لدى الإنسان، وأثمن شيء في الحياة.
    أما البحث فيما يصح أن يجرى فيه التفكير وما لا يصح أن يجرى فيه فإنه عقدة العقد، ومنزلق الكثير من الناس حتى المفكرين، فإن تعريف العقل يقضي بداهة بأن التفكير إنما يجرى فيما هو واقع محسوس أوله واقع محسوس, ولا يصح أن يجرى في غير ذلك, فإذا غاب الواقع المحسوس فلن تحصل العملية الفكرية، وقد جرى بحث كثير من المفكرين  في غير الواقع المحسوس(65)، فكانت الفلسفة اليونانية كلها بحثا في غير الواقع، وكذلك أبحاث علماء التربية في تقسيم الدماغ، وأبحاث علماء المسلمين في صفات الله وأوصاف الجنة والنار والملائكة، فمثلا القول بالعقل الأول والعقل الثاني..الخ  هو مجرد تخيلات وفروض نظرية ليس لها أي أساس من واقع يقع عليه الحس، فهي ليست عملية عقلية، فالتخيل ليس تفكيرا ولا عملية عقلية حتى يقال: إنها من نتائج الفكر، وكذلك إقامة البراهين العقلية على صفات الله سبحانه وتعالى، ولو وضعت عليه مسحت البحث العقلي والبرهان العقلي، فإنه ليس فكرا ولا نتيجة تفكير، إذا لم تجر فيه العملية العقلية، ليس مما يقع عليه حس الإنسان. غير أن هناك أمور أو أشياء لها واقع لا يمكن أن يحسه الإنسان ولكن أثره يقع عليه حس الإنسان, فماهو ؟!!
المغيبات:

29. يوليو 2015 - 12:01

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا