كل شيء ساكن تقريبا.
فبعد شهر صيام مبارك مشحون بالمصاريف والتكلف غالبا، خرج الموريتانيون إلى نهاية صيف قائظ مع أمطار محدودة في بعض المناطق الشرقية وبقية البلد المنهك بالجفاف منذ سنتين تقريبا، تنتظر الغيث، حتى أن البعض رجع إلى سنة الإستسقاء
الجماعي عسى أن يأتي الله بفرج قريب بإذنه ومن منه وفضله، إلا أن موريتانيا في الوقت الراهن تعتبر منطقة منكوبة بسبب تأخر الأمطار، وتعاني مدن عدة من العطش، هذا مع انتشار وتوسع قطر دائرة الفقر المدقع، والذي لا يغطيه إلا بعض كرامة وكتمان عند بعض الأوساط التقليدية، لا يكاد يفلح في إخفاء آثار الحاجة الملحة، لأبسط حاجيات الحياة اليومية أحيانا.
ورغم وجود نشاط نسبي في العاصمتين، السياسية والاقتصادية، إلا أن بقية الوطن يتراوح بين الركود التام وضعف النشاط الإجتماعي والإقتصادي.
وتكاد الدولة بنظامها السياسي القائم، تقول: "خذوني".
فبعدما أعلن رأس النظام، ولد عبد العزيز عن 2015 "سنة تعليم"، لم يبلغ التجاوز في امتحانات الباكالوريا 8%، وضغط الانخفاض الدولي لسعر الحديد والذهب على القطاع المعدني، بامتياز، هذا إلى جانب سوء التسيير، الذي جعل من اسنيم ساحة لاستغلال مواردها بصورة كبيرة على حساب مصلحة الشركة وعمالها والصالح الوطني العام، وتحولت إلى مسرح للعمل السياسي بدل العمل الفني الخالص من الشوائب، كما كان في وقت سابق.
وقد مثلت "خيرية سنيم" على رأي البعض، حديقة خلفية للعمل السياسي وعبث المدير العام لسنيم والمشرفين على الخيرية بممتلكاتها على حساب ما رسم لها من أهداف، مما تسبب في تعثر وتأخر أكبر مشاريعها مستشفى "الخيرية" بنواذيبو.
وعجزت المعارضة عن تحريك الشارع في صورة احتجاج سلمي حضاري إيجابي، وظل خطابها مكررا دون إبداع، وانطلت عليها خديعة الحوار، التي تحولت إلى إفطار جماعي في ظل الحزب الحاكم وأحزاب التصفيق والتزمير الجماعي المخل.
لتكون المحصلة استسلام شبه تام للواقع الفاشل، لصالح أقلية من حاشية النظام العائلي أساسا والسياسي أحيانا، والعسكرية في حدود من يخافهم من "اصنادره الكبار" على حكمه المهزوز المترنح باستمرار.
ولعل الأزمة في السيولة والمعيشة، أبرز عناوينها في هذا الصيف الحار الصعب بحق.
ومن المشين أن بعض رجال أعمالنا وبعض الأطر يهرولون للصرف الباهظ لصالح حشود الاستقبالات، بمناسبة كل زيارة يقوم بها هذا العسكري المتغلب، خوفا وطمعا!.
فعلا أشفقوا على أنفسهم وكرامتهم وضعفاء شعبهم، وهم السواد الأعظم، بدل هذا الإستغراق المتعاظم في ساحة التنافس على المولاة والتقرب الأجوف.
إنه واقع آسن، يتحداه بعض الكتاب الأحرار القلة، ببعض المداد الثائر رفضا للانهيار والخنوع، دون أن يكون هذا الجهد المحدود كافيا، غالبا، لرد الأمور إلى نصاب الصواب والإصلاح المنشود المفقود.
إن هذه الأحوال المعيشية والسياسية والاقتصادية السلبية، جديرة، بدفع الجميع للتلاحم –سلميا- ورفض الاستسلام العجز والتفكير والتوجه للسبل المنقذة، من أجل أن لا يتحول هذا المستوى من التردي إلى أزمة خانقة يوما ما.
كما أن ذوي الدثور والوسائل المالية، مهما كان مقدارها، أولى بالتفكير في مد يد العون للمعوزين في ظل هذه الأزمة المعيشية الحادة، بدل التركيز فحسب على مواسم النفاق والتمصلح، فتلك أمارة خيانة الحق وتسليط المال على غير هلكته في الحق.
لكن أكثرهم لا ينفقون إلا خوفا وطمعا، تاركين المجال الصحيح للإنفاق النافع للمجتمع والآخرة.
اللهم قد بلغت ونصحت، ما استطعت، فهل مجيب.
وكثير منهم، لا يسأل عن واجبه الحقيقي، وإنما يسأل عن زيارة الرئيس للولاية كذا أو كذا، بعدما أدمنوا على ترصد مساقط لافتات الترحيب المصطنع المغرض، لكل رئيس أقبل والتحامل على كل مدبر.
يا سبحان الله، لقد ضاعت القيم وجاعت بطون المساكين ونضبت عيون الماء وجفت منابع المروءة والأنفة، وساد الأرذال وزوحم الكرام وأصبح "فلان بطرون" و"فلان راجل"، لمن إمتلأ من المال من مصدر مجهول وصرفه في وجه حرام أو مشبوه على الأقل، وهجر أداء الواجب العيني أحيانا، فمن باب أولى الكفائي.
إنها حقبة مرة صعبة تحتاج للحذر الشديد، على عاقبة السمعة والمآل.
قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم".
وقال الله عز وجل: "والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر".
وقال الإمام الشافعي، في هذه السورة، سورة العصر، والله لو لم ينزل من القرآن إلا هي لكفت الناس.
إنها أركان الخلاص من الخسران والبوار، الإيمان والعمل الصالح، الذي لا يتأتي إلا بموافقة الشرع والإخلاص، وملازمة الحق والصبر، على وجه جماعي يعصم بإذن الله من الضياع مع تيار الفتنة الجارف، خصوصا في آخر الزمان.
فلا تنسوا الإنفاق في مرحلة العسرة هذه، ولا تنسوا الصبر على الحق، وعدم الخنوع للباطل.
فكلمة حق عند سلطان جائر، من أفضل أنواع الجهاد، مع الحكمة والإبتعاد عن العنف والتصعيد الممزق.