تثار هذه الأيام مسألة تغيير النشيد الوطني , وككل مسألة تثار سوف ينقسم الناس بين :من يريد تغيير هذا النشيد باعتباره إما غير مستحضر للعبارات والقيم الوطنية الملهبة للمشاعر والباعثة على الحماس وإما أنه لا يشابه النشيد الوطني في دول بعينها وإما أنه تغيب
فيه أهم القيم الوطنية الحداثية التي ترمز للحمة الوطنية بدل العاطفة الدينية....
وبين من يريد الاحتفاظ بهذا النشيد لأنه يرمز للانتماء الروحي التقليدي والارتباط بأجيال التأسيس وحتى أن البعض يتعاطف مع هذا النشيد بسبب عاطفته نحو صاحب كلماته وكذلك حفظ الأجيال له وتغنيها به وبما تدعو له كلماته من توحيد للخالق وطلب الحق واتباع لتعاليم الإسلام....
لكن المسألة أعمق من هكذا مسائل يثيرها هذا النشيد أو ذاك ..إذ التبسيط والتسطيح لمثل هذه الأمور يستهدف الوطن وأجياله اللاحقة,
أعتقد أن هذه المسألة لا تبتعد عن عقلية تغيير النظام وأخواتها حيث نلجأ دائما إلى استحضار الأعراض والقشور والانشغال بها كلما جد الجد لننهك طاقاتنا وقدراتنا على طريقة " بصاق الأعمى " لنجد أنفسنا بعد حين نراوح مكاننا لأننا وبكل بساطة لم نأخذ بأسباب التحرك والتغير ..فما هو النشيد الذي سيعوض هذا النشيد وما الذي سيضيفه وهل سنطالب بتغيير النشيد الجديد؟ وقل مثل ذلك عن النظام وتغييره والعاصمة وتغييرها والولاة وتغييرهم.. وهلم جرا.
الذي يحتاج التغيير هو عقولنا ذهنياتنا فهمنا للأشياء واستيعابنا لحركة الزمن الهائلة وقياس ذلك على مستوى تطور ذهنيتنا مجتمعين وذهنية كل واحد منا لوحده ..
نغير القبلية وطقوسها, وأنماط التدين والمتاجرة بالدين, ونتجاوز العنف المعشعش في كثير من الأنفس والثاوي وراء الكثير من التصرفات التي تبدو للبسطاء مسالمة, نغير نظرتنا للأخر مهما يكن بحيث نستفيد من العالم ونفيده, نتلمس المعاني الوجدانية التي تحيل إليها :الأمة, الشعب, عامة الناس.. لنكتشف الجمال الذي تغطيه غشاوة الفردانية والعشائرية والجهوية و...التي ترسم هذه الأيام خريطة الشقاء والاقتتال والهرج والمرج على هذا الكوكب.