صحيح أنني من الذين ينادون بالحرية طول حياتهم وصحيح أن فتاة أحلامي هي تلك اليمامة البيضاء التي تطلق في بعض الكرنفالات وبالرغم من نزعتي الشرقية وبالرغم من عشقي للحرية الحمراء, والساحة الحمراء ,والجيش الأحمر, والمنجل, والمعول, وشيجفارا , وكاسترو ,
ولومومبا, وبدر الدين .
إلا أنني اعشق تلك الشعلة التي يحملها تمثال في عقر دار الإمبريالية لكن ما تعيشه بلادي التي نيطت بها علي تمائمي قد أملي علي رؤية مغايرة لفتاة أحلامي فوجهها الأبيض تحول إلي كاسيتنائي ورفرفتها في الجو تحولت إلي خنوع داخل نفق مظلم تفوح منه رائحة الدبابير والخشب الصنوبري .
فأن ادخل في معمعان الأحسن أو الأسوأ أو القواعد الأصولية وان المشقة تجلب التيسير ودرع المفاسد أولى من جلب المصالح أو ادخل إلي الفقه السلطاني الأندلسي الذي يقول من ضمن غرائبه أنه يجوز قتل ثلثي الشعب لإصلاح الثلث أجدني في هذه النقطة أقرب إلي الإصلاح مني إلي الراديكالية.
فليس غريبا هذه الأيام أن تجد صاحب نزعة شرائحية في الركن القصي إذا أوقفه شرطي ادخلها إلي خانة الاضطهاد ومعمعان التهميش وليس غريبا أن تجد زميله يغلق شارعا وعندما يعترض صاحب امن الطرق ينظر إليه التافه في تبجح ووقاحة ويشتمه ’ ليس بالأب والأم فحسب بل بشريحة كاملة ٍ {{يحرك بي ..... لول والتالي}} وليس غريبا أن تجد صاحب دكان قد وضع احد الشرائحيين طاولة علي بابه لتسده وحينما يشكو منه لدي الشرطة تعتذر بأن هذا سيدخل في تهميش بعض الشرائح وان عليه أن يصبر لأن الوضعية الآن لا تحتمل الكثير من القيل والقال .
وليس غريبا لعمري أن تجده يمارس جريمته في واحدة النهار فإن أنكرت عليه كان نصيبك من الويل والثبور وافرا’ وإن استنجدت بأي سلطة كان لها دور خجول لا يتعدي بضعة أسئلة علي المُبَلّغ بدلا من المجرم ومدي صدقية ما يقول دون أن تحرك إي ساكن خوف الوقوع في شراك الانتقاد وتهم الفساد .
لقد بلغ السيل الزبي وصار تبادل الشتائم علنا وعلي صفحات الصحف الرصينة ,فضلا عن المواقع الالكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي أمر غير ملفت للانتباه لكثرة انتشاره.
لقد تحولت كلمة "الشوارعيّ" من مدلولها اللغوي حتى صار من السهل إسقاطها علي مبدأ {{الحوار المتمدن}} في بلادنا..
{{وبدءا من الرئيس الحالي وانتهاء بأكثر الشعب هامشية أصبحت للكل سمته الشتائمية ’ فمثلا حينما نتذكر خطابات الرئيس الحالي نجدها تعج بعبارات الفاسد والمفسد والعاجز والعجزة في سنفونية جزافية مجانية لنجد مع إمعان النظر والتحليل إن الرئيس قد جاء من قاع الشعب وطبعا لن تكون له ميزة ثقافية تميزه عن باقي أفراد شعبه ، فلا يمكننا مثلا أن نحمله مسئولية النزول بالخطاب السياسي إلى قاع الركاكة الشتائمية لأن الرئيس من الشعب وجاء من القاعدة لكن الأجدر بنا أن نحاول تغيير القاعدة الكبيرة من الشعب حتى نتمكن من إصلاح رأس الهرم }}
لكن هذا لا يهمنا بقدر ما يهمنا جوهر القضية التي نعالج وهي غياب هيبة السلطة والتي أصبحت تؤرق كل الساكنة وتضعهم في كابوس مخيف .
ولو أرجعنا النظر قليلا إلي الفترة التي نري بأنها قمة في الشمولية خلال العشريات الماضية لوجدنا أن البلد ينعم بالأمن والسلم والألفة أكثر منه هذه الأيام التي يصدق قولي حينما أطلق عليها "غـــــــــــابية" و لتعذرني الغابة في التشبيه .
إنني لأقولها صراحة إن العصر البوليسي كان أكثر رفاهية وأمنا وطمأنينة للشعب من هذا العصر الذي نري فيه أن الحريات شبه مصانة مع علمنا بتحفظ البعض علي هذه الحيثية .
فعن أي حرية نتحدث إذا عدمنا الطمأنينة علي أنفسنا ودمائنا فما بالكم بأموالنا ؟
صحيح أنني أحب الحرية وأتشوق لها وأموت من اجلها وأموت من اجل حرية الآخرين وشوقي لها موجود حتى وهي حاضرة لكنني وبعد ما خبرت وضعية بلادي أصبحت أفضل العصر البوليسي وعصر تكميم الأفواه مع العلم بأني لن أجد الفرصة لكتابة مثل هذه الأحرف فيه لكن الضرر سيحصل علي شخص فقط أو دعني أقول ألف شخص هم أصحاب القلم في هذا البلد لكن أن يقع الضرر علي شعب كامل فهذا يدعوني للتساؤل لم لا نجعلها بوليسية ؟
رفاقي الأعزاء اعذروني فلقد "سبق السيف العذل" و"حال الغريض دون القريض" إنها الفوضى ...
صبرت وسطحت قفاي وتعاميت وتصاممت ولزمت ناصية الطريق لكن ما أعيشه الآن قد أنفد صبري وانأ أري دولتي تفد آخر صك من صكوك هيبتها علي مذبح الحريات المزيفة ولقد صبرت كثيرا إنما للصبر حدود .