تعتبر التنمية عنصرا أساسيا للاستقرار والتطور الإنساني والاجتماعي ، فهي عملية تطور مستمر سواء كان ذلك شاملا أم جزئيا ،وتتخذ أشكالا مختلفة تهدف في مجملها إلى تحقيق الرقي بالوضع الإنساني وصولا إلى الرفاه والاستقرار والتطور تمشيا مع الاحتياجات والإمكانيات الاقتصادية والاجتماعية
والفكرية ، ومهما كانت طبيعة تركيز النشاط التنموي تستهدف بالأساس شق التنمية المتعلق بالتنمية الطبيعية التي ترتكز على التجديد في الموارد الاقتصادية الطبيعية من زراعة وتنمية و معادن و بترول وإنشاء بنية تحتية تكون أرضية مناسبة لمباشرة هذا التجديد والإنشاء والتعمير، أوكانت تستهدف التنمية البشرية التي تعتمد على تنمية عقل الإنسان بالعلوم والمعارف وتوعيته بما هو جديد في مجال العلوم والتكنلوجيا وإبداعات العقل البشري -تنظيرا وتطبيقا-وإن اختلفت المجالات والحضارات، أو كانت تستهدف الإثنين معا وتركز على حصولهما ؛فإن الغاية الأولى والأساسية من وراء ذلك كله هو خدمة المواطن وتخليق الظروف الحسنة لحياة جيدة ؛سعيا إلى بلوغ الازدهار الاجتماعي بتوفير الأمن والأمان وحصول الرفاه الاجتماعي في أبهى تجلياته ، ومهما انحنى المنحنى الناظم لذلك أو ارتفع ومهما تم بلوغ نفطة النهاية أو تعثر الابتعاد عن نقطة الصفر فإن تحقيق أهداف التنمية الشاملة يظل غاية ومطلبا تسعى الحكومات إلى توفيره لشعوبها التي تتطلع إليه بمنتهي الشوق وتطلبه بفارغ الصبر..
لقد تضمنت كلمة الوزير الأول "المهندس يحى ولد حدمين" على هامش لقاءاته بالفاعلين السياسيين والاجتماعيين في الأعماق الوطنية للمناطق الشرقية (الحوضين ولعصابة)خلال تواجده هناك في عطلته السنوية التي آثر قضاءها في الداخل من أجل التواصل مع المواطنين في أماكن تواجدهم الأصلية وفتح النقاش عن قرب حول القضايا الوطنية الهامة ؛لقد تضمنت هذه الكلمة بشكل مفصل الحديث عن التنمية وخاصة تنمية المناطق الداخلية التي تعد من أولويات حكومته التي تنفذ حسب الوزير الأول سياسة رئيس الجمهورية القاضية إلى تقريب الإدارة من المواطن ووضع بنى تحتية بمدن الداخل خاصة الهشة منها ،كما أوضح الوزير أن حكومته لا تميز بين المناطق -وهذه حسنة تحسب لها-لكنها قادرة على خلق تنمية حقيقية تغطي حاجيات المواطن في مختلف ولايات الداخل مؤكدا أنها نفذت عشرات المشاريع الهامة في الولايات الشرقية وغيرها، وحق لهم ذكر المشاريع التي تم إنجازها وحق لمعارضيهم طلب المزيد فسقف التطلعات أكبر لكن دون نكران ولا جحود .. أحيانا لا تكون السلطات العليا سيئة كما يصفها معارضوها؛ بل أحيانا تكون إرادتها جادة ونياتها صادقة لكنها تخذل من طرف المباشرين الميدانيين لتنفيذ المشاريع التي ينصب إليها اهتمام السلطة ؛ وغالبا ما يتسم بعض هؤلاء المشرفين بالرعونة والإهمال وحتى الفساد ؛مما يستدعي الحزم في الرقابة وتكثيف التفتيش والاتصال المباشر بالمواطنين على اختلاف مشاربهم ؛كي تنجلي حقائق التلاعب والمحسوبية التي عادة ما تولد السخط لدي المواطن البسيط الذي يتصور الدولة وسلطتها في هذا النوع من الأشخاص الذين يعملون دوما على محو هيبتها في نفسيته وحق له الامتعاض..
لقد دعا رئيس الجمهورية "السيد محمد ولد عبد العزيز" خلال زيارته التفقدية الأخيرة لوزارة الخارجية إلى تقريب الإدارة من المواطن والابتعاد عن البيروقراطية بمفهومها السلبي ؛فالبيروقراطية أو الدواوينية هي مفهوم يستخدم في علم الاجتماع والعلوم السياسية ؛يشير إلى تطبيق القوانين بالقوة في المجتمعات المنظمة وتعتمد هذه الأنظمة على الإجراءات الموحدة وتوزيع المسؤوليات بطريقة هرمية أوبالعلاقات الشخصية و البيروقراطية تعني باختصار قوة المكتب أو سلطة المكتب والمعنى الحرفي لها هو حكم المكاتب ..
ومن المعروف أن البيروقراطية ليست دائما كما يدعي البعض نظاما فاسدا متلازما مع التعقيدات المكتبية وكثرة الأوراق العالقة؛ إلا أنها في نفس الوقت سلاح ذو حدين ؛ فهي تنظيم نموذجي من المفروض أن يؤدي إلى إنجاح العمل على أفضل وجه فالبيروقراطية ليست مرضا من أمراض الإدارة إلا إذا أساء الإداريون والموظفون استخدام أركانها ،فهي لا تتعارض مع مفاهيم الشورى والديمقراطية والمشاركة الجماعية في صنع القرار..
إن طبيعة الإدارة وأهدافها وبنياتها المختلفة تتطلب نوعا من البيروقراطية .. لكن الإفراط في ذلك هو الأمر الذي ينبغي الحذر منه لأنه حتما يأتي بنتائج عكسية ويجعل دلالة اللفظة سلبية ؛ولا غرو في ذلك لأن مازاد عن حده انقلب إلى ضده ..
إن علينا معشر المواطنين جميعا أن ندرك أن ما تحقق من إنجازات في مجالات مختلفة تنبغي الإشادة به دون الإفراط في ذلك ودون نسيان ماهو أكبر وأهم من مشاريع قيد الإنشاء أو الدراسة ،وعلينا أن لا نهمل المطالبة بالمشاريع التي تخدم المواطن وتلامس حاجاته الضرورية ، وعلينا أن نعي أن حجم تطلعاتنا كبير فبلادنا تتوفر على مقدرات كثيرة ومتنوعة بإمكانها إذا استغلت بالشكل الأمثل أن تجعلنا في مصاف الدول المزدهرة .