مسابقة محكمة الحسابات: مساءلة المنهج / دداه محمد الأمين الهادي

منذ أن أعلنت اللجنة الوطنية للمسابقات عن مسابقة اكتتاب 5 قضاة، منتدبين لدى محكمة الحسابات، والتجاوزات في حقوق المترشحين تتوالى، شاهدة على كثير من عدم الدقة، كي لا أقول عدم النزاهة، والاستقامة، وغياب الشفافية، وفي آخر المحطات جلجلت فضيحة من نوع خاص،

طبعتها التصفية بشكل لا مثيل له، ولا نظير في أدبيات المسابقات وإجراءاتها.
تعود البداية إلى تاريخ إعلان المسابقة، حيث تم وضعها في موقع لجنة المسابقات، متضمنة اللغة الثانية، ومعلنة أن النجاح سيكون انطلاقا من الحصول على معدل 10/20، وأن الإقصاء محله من الإعراب نتيجة صفر في إحدى المواد، وبدا الأمر في الحقيقة مقبولا ومنصفا ومعقولا، لا سيما مع فتح الباب أمام العموم المتوافرة فيهم الشروط، ما يعني أن اللجنة إلى جانب الشفافية تريد البرهنة على أن نمط عملها من الناحية الإدارية واضح وبسيط، وقريب من المواطن، أضف أن اللجنة حددت حدا أدنى في السن للمشاركين، وفتحت السقف الأعلى.
لكن الأيام حبلى بكل جديد، وفجأة عادت اللجنة بقرار تعديلي، جعل الإقصاء في ما لا يصل 5، كما رفعت سقف المعدل المقبول للتجاوز صوب المقابلة، أو التقييم الشفوي، فصار معدل 12 المطلوب الاول للجنة المنظمة، وبقيت السن دون أدنى إشارة للسقف الأعلى.
هنا بدأ التنظير لإمكانية أن لا تكون المسابقة شفافة ونزيهة، وأن اللجنة بدأت تخيطها على المقاس، وأن الموريتانيين مهما كانوا هم هم، لا يخيفهم الوعد ولا الوعيد، ولا يتراجعون أبدا عن نهج الفساد، والحكم الرشيد ليس في قواميسهم، وما العزيزية إلا وليدة الطائعية مع فرق في توافر السيولة، وإن كان الأمر لا يعدو كونه تخمينات، وأفكار ممجوجة، لا يمكن أن تطعن في مصداقية لجنة مشهود لها ب/ .....، لكل شهادته.
وقبل 15/08/2015  بأربعة أيام، وعلى مقربة من الحدث التاريخي المهم في بلادنا، ودون سابق إنذار فجع بعض المشاركين باللجنة تقصيه بسبب العمر، لأن قانون الوظيفة العمومية لا يتساهل مع الأربعين، لكن اللجنة لم تفصح عن الامر من البداية، فتداعى الأمل، وتساءل المتسائلون لماذا لم تقل اللجنة منذ البداية أن المادة كذا من قانون كذا تمنع قبول ملفات الأربعينيين؟ ألا تقرأ اللجنة تلك القوانين باستمرار؟ ... ألا يهمها وقت المواطن؟ ألا تعرف أن الملفات عمل مضني وشاق؟ ... لماذا لماذا لماذا؟؟؟؟
ماذا لو كان على اللجنة أن تقرأ ككل أولئك البائسين القانون كله، والتسيير كله، وفي لحظة الامتحان تتفاجأ بمادة الاختصاص لا هذا ولا ذاك ؟ ....
دخل المتبقون إلى الحجرات على قلتهم، وفجأة في شعبة الدكتوراه تفاجأ المتسابقون بمادة الاختصاص، التي هي "المحاسبة-محاسبة الشركات" بأرقامها قبل نظرياتها، وهنا بدأ القانونيون وبعض الاقتصاديين يعيدون حساب الزمن، فهموا اللعبة تماما، فانسحبوا متسائلين عن القضية من أساسها، هل من الممكن أن تكون اللجنة غاب عنها من البداية الضارب، وغاب عن علمها تحديد السن الأعلى، وغاب عنها أن القانونيين ليسوا محاسبي شركات؟؟؟
إن لجنة كهذه يمكن أن تشع دراجا في قمرة قيادة طائرة ابوينغ، وطبعا لن تتراجع عن قرارها، ففي مسابقة القضاء منذ ثلاثة أعوام وضعت التنمية البشرية في مادة التنظيم القضائي، ووضعت التنظيم القضائي في مادة التنمية البشرية، والأمر استتب ولله الحمد، ففي إفريقيا لا معنى للشفافية والوضوح، والسماء الزرقاء أرض "دخناء".
كل شيء ممكن في أفريقيا، وفي العالم العربي، ونحن قمته في جعل المستحيل ممكنا، رأيتم في العالم العربي دكتاتوريات تسقط وهي تدافع عن ديموقراطيتها، ورأيتم دولا تمشي فترات بلا رئيس كلبنان حالا، ورأيتم رئيسا تؤمنه دولة ويمسكه قضاؤها، وتحدث مشكلة صغيرة كما حدث مع عمر البشير في جنوب أفريقيا، وتلك أهم محاولات الديموقراطية.
تقول الفقرة الأولى من المادة 20 من القانون رقم 20-93 المتعلق بالنظام الأساسي لقضاة محكمة الحسابات: " يكتتب القضاة المنتدبون في محكمة الحسابات عن طريق مسابقة مفتوحة أمام  :

1- الحاصلين على دكتوراه، او شهادة السلك الثالث من التعليم العالي، تم الحصول عليها في اختصاص يهم المحكمة، لا سيما القانون، او المحاسبة، او المالية العامة، او التسيير، او الاقتصاد مع اثبات خبرة مهنية لا تقل عن سنتين تم اكتسابها بصفة موظف او وكيل مساعد او متعاقد في خدمة الدولة او في اية هيئة اخرى عمومية او شبه عمومية".
وحددت اللجنة مادتين هما القانون والتسيير لإجراء المسابقة فيهما، ووردت مادة الاختصاص في السياق، فماذا يضيرها لو قالت: ومادة الاختصاص هي المحاسبة-محاسبة الشركات التجارية خاصة جانبها التطبيقي ؟
لو قالتها لوفرت على القانونيين كلهم، والاقتصاديين بعضهم، ولا احترمت مبادئ الأنتوساي والعربأوساي  وأفريكوساي، ولما ثارت ضجة، خاصة أن القانون المذكور أعلاه لم يقل أن مادة الاختصاص هي محاسبة الشركات، والمحاسبة في النص تقدمها القانون فلم لا يكون هو مادة التخصص، أو تكون المالية العامة، أو الاقتصاد؟
والسؤال المطروح هو: إلى أي حد يمكن اعتبار اللجنة الوطنية للمسابقات دليلا على الحكامة الرشيدة في البلد؟ وما مدى المواءمة بينها وبين حقوق الإنسان وحرياته العامة؟ وما مدى تطبيقها لمبادئ الشفافية والوضوح؟ وهل يمكن القول بأنها  راعت الظروف الموضوعية للمثقف الموريتاني، الراغب ف الولوج إلى وظيفة ما ؟وهل هذه اللجنة هي جزء لا يتجزأ من غطرسة وطنية لا حدود لها تضع الديك على الحمار وتفرض على ناظره أنه سيارة v8 متوقفة على جسر من أقوى وأجمل جسور ألمانيا النازية؟
ومن هذا المنبر نطالب جميع الأحزاب السياسية، والجمعيات الوطنية، والصحافة الحرة بالوقوف على ما حدث لمترشحي المسابقة المذكورة، والعمل كل من مكانه على تصحيح المسار المنحرف.
 

15. أغسطس 2015 - 16:20

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا