الحوار ليس ابتكار أو اختراع غربي علي مقاييس ومعايير الدول المتقدمة ( NF ou NE). فالدين الإسلامي حث علي الشوري الذي هو عنصر من العناصر التي يجب أن تقوم عليها الدولة لإسلامية . وقد أوجب الله سبحانه وتعالي الشوري علي الامة حيث يقول جل من قائل
[فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ] .
ويقول جل سبحانه وتعالي في صورة الشوري [ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ وجوبا في علي التشاور].
ونحن والحمد لله جمهورية إسلامية لها تقاليد وأعراف عريقة في الحوار (coutumes ancestrales ) كسنة حسنة لنا أجرها وأجر من عمل بها.
ففي ما قبل الدولة الحديثة كان الحوار من شأن العقلاء يقوم به في الغالب رجال من أهل الخبرة ممن تقدموا في السن نظرا للتجربة ولاحترام الذي يحظون به. ومن هنا يمكن لاستدلال بالمثل الشعبي الشهير " يري العجوز المضجع ما لا يري الشاب الواقف" للتعبير عن فطنة وحيطة وحكمة مجتمعنا في التصدي للمشاكل وفك النزاعات عن طريق الحوار.
والأمثلة في هذا الشأن كثيرة أذكر منها علي سبيل الحصر : " الشورى ومجلس حكماء القرية " هذا فضلا عن الدور الذي تلعبه الزعامات التقليدية ( les chefs de village ) في الحفاظ علي السلم العام من خلال تنظيم حوار كلما استدعت الضرورة لذالك لتسوية النزاعات العالقة بوجه عام وهي في ترتيب الاولويات سياسية اجتماعية عقارية وجنائية إلي آخر القائمة.
ففي المجتمعات البلارية مثلا آلية الحوار المعتمدة لديهم تسمي "المصلحة" وهي كلمة عربية تعني المنفعة "ما فيه صلاح شئ أو حال".
وفيما بعد تأسست الدولة الموريتانية ومنذ استقلالها علي ثقافة الحوار والدليل علي ذالك حجم الإصلاحات السياسية والاجتماعية التي لم تكن لتر النور لولا إرادة الحوار وروح المسؤولية التي تشبث بها الفرقاء السياسيون في محطات دقيقة وحرجة من تاريخ البلد.
صحيح أننا نعيش اليوم بوادر أزمة سياسية ولا كننا أيضا في المقابل نعيش إرهاصات الحوار و الشئ بالشئ يذكر وهذا إيجابي ومطمأن.
قد يكون الحوار في نظر البعض بعيد جدا لكنه أيضا قريب جدا " أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ " .
أوافق البعض علي أن الحوار مع السلطة حول السلطة سيكون صعبا أو يكاد يكون مستحيلا وغير مرغوب فيه أصلا لأنه وفاق مؤقت جدا علي تقاسم الكعكة ومحاصصة علي حساب الشعب ومصالحه العلي ويصدق فيه قل الشاعر:
ولا نريد ابتسامــــات مؤقتة **** تغشى الوجوه وتغدو بعدُ نكرانــــا.
المراد بالحوار السياسي أن يتشكل فضاء مفتوح للاتصال و للتعاون والعمل المشترك بين الأحزاب من أجل تسريع وترة الإصلاحات السياسية الضرورية وموائمة المنظومة الانتخابية ونقاش القضايا الخاصة بتطوير المناخ السياسي ودور الأحزاب في ذالك. لكل حوار سياقه وإطاره ومسطرة إجرائية الخاصة التي يجب أن تحترم قواعد الشفافية والموضوعية وعدم التمييز. وهذا من حيث المبدأ لا يتنافى في أي من الأحوال مع حرية الرأي والتجمع والاختلاف والتنافس التي هي من القيم الديمقراطية الحميدة.
وفي هذا المضمار يجب التنبيه علي أن للأحزاب السياسية وظيفتين أساسيتين هما:
التنافس
والتعاون ولا أقول التكامل.
فلأحزاب تتنافس من اجل النفوذ والحصول علي السلطة وهم بذالك يلعبون دورهم ويشاركون في إثراء الحياة السياسية بطريقة ديناميكية وفعالة.
لكن التجاذب أو التنافس وحده قد لا يكفي من اجل خلق مناخ سياسي متزن يسمح للأحزاب بالعمل المشترك بدون عنف ولا تعصب لضمان تنمية اقتصادية واجتماعية مستديمة للشعب الذي هم جزء منه ويمثلونه.
فطبيعة البنية السياسية قد تستدعي أحيانا التعاون بين الأحزاب السياسية بدلا من التجاذب والتنافس للوصول إلي غايات وأهداف وطنية مشتركة.
ففي حالة التنافس بين القوي السياسية يكون الحسم بمرجعية القانون الانتخابي و في حالة التعاون فإن الحل يأتي عن طريق الحوار السياسي البناء.
ومن هنا فإن ديالكتيكية التجاذب والتعاون لا غني عنها لتنظيم العمل السياسي المشترك وتدعيم الديمقراطية وفرض التنمية.
فمتى سنتعاون حتي لا نضيع ويضيع حلم الدولة الوطنية ؟