قبل أيام قتل شاب يبلغ من العمر ستة عشر سنة في مقاطعة عرفات، فيما قام مقرب من النظام بإطلاق الرصاص على بائع "مانداريم" في لكصر.
وتعرضت سيدة أربعينية لمحاولة إغتيال قرب مستشفى الشيخ زايد وأخرى لمحاولة إغتصاب في مقاطعة تيارت، هذا عدى عن عشرات محاولات
السرقة والسرقة الفعلية للبيوت والمتاجر، التي تعود عليها الجميع، وما عادت موضوع نشر إعلامي غالبا!.
هذا التفلت الأمني، أصبح شبه ظاهرة معتادة، لكثرته وتواصله دون رادع، للأسف البالغ.
أسباب كثيرة تساهم في بروز هذه الظاهرة، خصوصا لدى المراهقين المهوسين، الخارجين على المألوف من القيم التقليدية.
ولعل من بين هذه الأسباب، الفقر والتسرب المدرسي وضعف مستوى الرعاية والتربية في البيوت، وهشاشة الأداء الأمني، وانتشار الانحلال الأخلاقي وشرب الخمر واستهلاك المخدرات والحبوب الطبية المخدرة، وآثار الدعوات ذات النعرات العرقية المفرقة المحرضة، وفشل السلطة في خلق التوازن في تسيير الدولة بعدالة.
هذا بعض هذه الخلفيات الكامنة وراء واقع التلفت الأمني المتزايد، لا كل الخلفيات والأسباب طبعا.
مما يعني بإختصار أن هذه الظاهرة، قد تتطلب بصراحة خطة بعيدة المدى، وهو ما لا يمنع وجود خطط أخرى علاجية وإنقاذية متوسطة وقصيرة المدى، ذات طابع استعجالي.
ولعله من الجدير بالسلطات أن تعترف بفشلها الخطير في هذا الجانب الأمني، لأن انتشار الجرائم وخصوصا القتل، لأي سبب أحيانا، والتعامل معها على أساس أنها مسائل عادية، في سياق روتيني، أمر خطير، ينذر بتغييب الإستقلال وحلول الخوف والرعب والانهيار الاجتماعي الكامل، لا قدر الله.
وفي انتظار التغلب على أسباب ذات صفة عميقة، تحتاج لوقت أكبر، فإن السلطة القائمة مدعوة، إلى إعداد خطة فعالة، -قدر المستطاع-، لإيقاف هذا النزيف الخطير المتفاقم.
عسى أن لا نصل إلى حد لا رجعة معه إلى الإستقرار النسبي.
إن ساكنة نواكشوط تحت طائلة الخوف، من عصابات المراهقين والشباب الفاسدين، الذين يظلون نهارا في سبات تام، وفي الليل يتحولون إلى الإجرام والقتل، دون رقيب أو مانع.
هذا في قلب العاصمة وضواحيها فمن باب أولى الشواطئ، التي تحولت إلى كابوس، من النادر تجرئ البعض على زيارته للتنزه، والتفريج عن النفس، لأنها ببساطة غير آمنة.
ومن الجدير بالذكر أن ما يشاع من غبن البعض، وتحريض بعض الشرائح على بعضها على لسان بعض أدعياء التوجه الحقوقي، قد يكون وراء بعض الحوادث، وهو احتمال خطير، إن ثبت لأنه يعني تحول الخطاب الحقوقي في بعض جوانبه، من خطاب علاجي إصلاحي، إلى مسار تحريضي، يؤلب بعض السكان على البعض الآخر.
وهذا إن إستمر على هذا المنحى قد يفضي يوما ما إلى حرب أهلية مدمرة ومعقدة، قد يخسر فيها الغابن والمغبون.
ولعل الدولة بما تمارس من غبن صريح لصالح بعض المقربين من النظام -عائليا وسياسيا- على حساب الأغلبية الساحقة من السكان، قد يكون سببا رئيسيا للفقر في هذا الوطن.
هذا الفقر الذي يعتبر من أهم أسباب التفلت الأمني المتزايد.
وهذا وجه رئيسي من إسهامات النظام الحالي، في هذا التفلت الأمني المهدد لوجود المجتمع والدولة على السواء.
حالة فناء وإفناء قصدي عمدي أحيانا، تحول الحياة الإجتماعية إلى مجزرة مفتوحة وعزاء دائم متواصل.
وقد أضحت –للأسف البالغ- مقاطعة عرفات بنواكشوط، من أكثر المقاطعات إنهيارا أمنيا، لعدد وكثرة حالات القتل والإغتصاب مع القتل الشنيع أحيانا، دون أن يقلل ذلك من خطورة ما يحدث من حين لآخر، في المقاطعات الأخرى.
سجل مفزع يستحق البحث والطرق الموضوعي المنصف، من أجل أن نعثر على حلول -ولو جزئية- لظاهرة أصبحت مقلقة لكل عاقل حازم.
خرق بين للإستقرار الهش، هذا التفلت الأمني، وسط حياتنا اليومية، ومؤشر للخطر الحقيقي المحدق، قد لا يعتد به إلا ذو بصيرة.
وأخاف أن يتجاهل المعنيون من قريب أو بعيد هذا الإنذار، ليتزايد هذا الخرق المخيف لسفينة المجتمع إلى حالة غرق مباشر، ولات حين مناص.
لقد أضحى التسيب الأمني بارزا متواترا، فهل نعترف بالفشل لتجاوزه جزئيا على الأقل؟.
إن كل الأوضاع المحيطة بالمجتمع والدولة، قد لا تشجع على التفاؤل الواسع، لأن أسباب هذا التفكك الأمني متعددة ومتجذرة أحيانا.
ومن واجب أصحاب المنابر في هذا الصدد، سواء كانت تربوية أو دينية أو إعلامية أو غيرها، أن تدرك جسامة هذا الخطر الأمني وتسعى للإسهام للحد منه، ومحاصرته بسرعة قبل فوات الأوان.
فإن كانت السلطة بالدرجة الأولى هي المسؤولة عن هذا المسلسل المفزع، إلا أن الموجهين، داخل البيت وخارجه، مسؤولون أيضا، وينبغي أن يتحركوا من وأد هذه الظاهرة المنذرة بالمزيد من المخاطر والتحديات، إن لم يبذل الجميع دون استثناء سعيه لحسرها فوريا، دون تأخير بإذن الله.