تَلَقَّيْتُ دعوة كريمة مقدرة من حكومتي للمشاركة في أعمال مؤتمر نواكشوط الدولي حول "ثقافة السلم والاعتدال في مواجهة التطرف العنيف"، الهادف إلى تقييم وتقديم المقاربة الموريتانية في مجال التصدي للتطرف..
وكنت سأتشرف بالمشاركة المباشرة بالمؤتمر لولا تزامنه مع اجتماعات أخرى،
تستضيفها دولة عربية شقيقة يتوجب علي حضورها، فقد كان في المشاركة "حَجٌّ وزيارة" كما نقول في موريتانيا..
مع عدم المشاركة الجرمانية المباشرة يمكنني الإدلاء بأفكار أراها تساهم في مواجهة ظاهرة التطرف العنيف، كنوع من المشاركة من بعيد، على أنها موجزة ومتواضعة، ذلك أني على سفر، ومشاركة في أعمال اجتماعات مكثفة..
ستجد الجوانب القانونية والأمنية، وحتى الفكرية من يتحدث فيها بشكل أفضل مني، لذلك سأقتصر على تقديم أفكار تندرج ضمن ما كنت أُنَظِّرُ له، تحت مسمى "المواجهة المدنية للعنف"، وهي أفكار أصنفها ضمن "الإجراءات الداعمة" للتوجه المدني لمواجهة التطرف..
إن أية مقاربة لمواجهة التطرف العنيف يجب أن تقترن بإجراءات إضافية داعمة، تتكفل بمواجهة (التطرف الناعم) في الاتجاه المعاكس، تقوم على:
ـ وضع استراتيجية موازية لمحاربة ظواهر التفريط في الواجبات الشرعية لدى المفرطين المتطرفين في الاتجاه الآخر، المغالين في البعد عن الإسلام..
ـ إضفاء مسحة أخلاقية على الحياة العامة..
ـ نشر قيم الوسطية والاعتدال، ومنهج السلف الصالح..
ـ الابتعاد عن الحملات غير العلمية وغير الموجهة بدقة والتي يُستخدم فيها قاموس ألفاظ مستفز، وإطلاقات تعميمية..
ـ عدم معالجة الخطأ بالخطأ، والحذر من محاربة التطرف بالتعصب المذهبي والعَقَدي..
ـ وضع سياسة رسمية في مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..
ـ تعزيز مرجعية الإسلام، وحاكميته في جميع المناحي..
ـ ضمان استقلال المقاربة الوطنية لمكافحة التطرف العنيف، عن ما يسمى (الحرب على الإرهاب) التي تتبناها بعض الدول الكبرى، لأن سياسات تلك الدول تجاه المسلمين كانت دائما سببا من أسباب التطرف العنيف..
ـ فتح طريق رجعة دائم يضمن عدم متابعة من ذهب في مسار التطرف، ثم تبين له خطأ خط سيره، وأراد الرجوع إلى الحياة العادية بمحض إرادته..
ـ تكرار تجربة الحوار، فقد كان الحوار السابق فعالا، ومهما، ونتج عنه على مرحلتين عفو عن مجموعات من المشاركين فيه، شمل على ما أذكر أكثر من 45 شخصا، وهو عدد يقارب 50% من عدد من تمت متابعتهم في قضايا متصلة بالتطرف العنيف، إلى ذلك الوقت، وكانت الانتكاسات في حدود حالتين أوثلاث، وهو عدد ضئيل، يثبت أن المعنيين كانوا صادقين فيما عبروا عنه.
ساهم الحوار أيضا في كشف حقيقة بعض المستهدفين به، فقد كان بعضهم في الواقع يعبر عن رفضه للعنف، ويتبرأ من أطروحات التكفير، كما أدى إلى تصحيح المفاهيم لدى البعض الآخر..
ومن الضروري استمرار هذا المنهج، وإعادة الكرَّة به، وتعزيزه بإنشاء لجنة حوار دائمة، وتوسيع مجال نشاطها ليشمل مراحل ما قبل المتابعة، بحيث يمكن أن يعرض عليها وفق إجراءات محددة أشخاص ظهر عليهم التطرف، ولم يصلوا بعد مرحلة الفعل المادي..
من المهم الإشارة إلى أنه ليس كل أهل العلم ـ على فضلهم جميعا ـ تناسبه المشاركة في حوار كالذي جرى سابقا، فمع أنه تمت تسمية عدد كبير من العلماء الأجلاء للمشاركة في ذلك الحوار، إلا أن مراحله الحاسمة والفعالة اقتصرت على ثلاثة علماء فقط، وذلك لأسباب متعددة، لا داعي لذكرها..
تنسجم هذه الأفكار مع الأساس الذي أرست عليه موريتانيا مقاربتها لمواجهة التطرف العنيف، والذي عبر عنه رئيس الجمهورية في خطابه بمناسبة افتتاح ندوة "الفكر الاصلاحي وسقوط خطاب العنف" المنعقدة في نواكشوط يناير 2012، حيث قال إن موريتانيا ، كما تنسجم أيضا مع إعلانه الشهير بأن موريتانيا دولة إسلامية وليست عَلمانية..
إن القطع بإيمان الدولة، وتعزيز مرجعية الإسلام، يسحب ذريعة أساسية من ذرائع التطرف العنيف..