ما كادت تغيب شمس يوم 20/08/2015 حتى حان موعد حدث اجتماعي هام عند "بعضهم" ..انتظره ذووا شريكي المستقبل ؛بفارغ الصبر، وخططوا له أيما تخطيط ونظموا له جهدهم ، وهم الذين سبق وأن حددوا موعده المشهود هذا قبل عدة شهور.. حضر العريس إلى بيت أهله بعد
غياب طويل وسفر بعيد ؛اضطره إلى التأخر حتى هذا اليوم ؛ بعد أن استبطأه جل القوم ، وصار انتظارهم لوصوله على أحر من الجمر ،وصل ،وبعد ساعتين من وصوله تحديدا عند صلاة العصر ؛ بدأ ذووا العريس بالتجمهر والاستعداد للانطلاق صوب منزل أهل العروس ؛من أجل إبرام العقد .. لم تكن ساعة من المسير بالسيارات تكفي للوصول إلى الوجهة المقصودة -منزل أهل العروس- المحاذية للبحر وهي الجهة العكسية لمنزل أهل العريس ،الواقع في أقصى الشمال من العاصمة، حضرت الجماعة قبيل المغرب بأقل من نصف ساعة تقريبا ،تبادل الوافدون ومستقبلوهم أحر أنواع التحايا والترحاب ؛وأتبع ذلك بتقديم متنوع الشراب بسرعة وسخاء .. ولأن في الجماعة الوافدة شيخ وقور متمرس ؛له من التجربة في الشؤون الاجتماعية ما جعله لا يضيع الوقت الذي اعتبره أكثر من مناسب في لحظة مباركة.. بدؤوا بالأهم آثروا الشروع في إبرام العقد ثم العودة إلى تناول الشراب والطعام الذي أحضر لاحقا .
أبرم العقد على سنة الله ورسوله ،وحاول الكل -من الطرفين- في مداخلاته عدم الرضوخ المألوف والانصياع لعبارات العادات والتقاليد ؛ بل آثروا الثبات والتمسك بالسنة المحمدية فقط ، واقتصرت شروطهم على "إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان" ومن الغريب اللافت اختفاء العبارة التي طالما احتلت مكانها في هكذا لحظات "لا سابقة ولا لاحقة ".
بعد إجراء العقد ؛قدم وكيل الزوج الصداق متبوعا بمبلغ آخر مقدار الربع مخصص لثياب العروس ؛هذا الصداق هو بمثابة راتب سنوي كامل لنظراء هذا الزوج ولغيرهم ممن هم في مستوى الطبقة الوسطى..!.
كتب العقاد كتاب القوم وتناولوا طعامهم بعد صلاتهم لمغربهم وتوادعوا في عناق وتبادل حار للتحايا وتوزيع سخي للابتسامات؛ طغي عليه جود وكرم أم الزوجة التي كانت تبحث جادة عمن لم يطعموا لترغمهم كرما لا قوة على تناول الطعام والشراب وهذه لعمري شنشنة مغروزة في ضئضئ الكرماء.
عاد الوافدون ادراجهم بعد الظفر والغنيمة وتنفيذ المهمة في صورتها المكتملة السليمة .
وتبادل معهم نسوتهم استغلال السيارات التي أقلت الرجال آنفا ؛لتقل النساء إلى مكان السهر ؛سهرة أهل العروس التي يبدو أن حضورها إلزامي على نساء الفريقين..! ،وبعد سهر طويل عاد الجميع في جو طبعه غضب بعض المستقبلين ؛ ممتعضين من إطالة السهر؛لكن الكل مكره فعادات المجتمع أقوى من توجهات الأفراد.. حل صباح الخير على الجميع بحمد الله، بدأت أم العريس مهمومة وهي المسكينة الكادحة التي دأبت على تحصيل قوتها اليومي من عرق جبينها وهي تكرر (لا بد من انحيرة) وعند الوصول إلى مكان المواشي "تنويش" وبعد تجوال طويل بين الباعة بمساعدة أحدهم تم الإتفاق على شراء "بكرة" ب 240 ألف أوقية بالاضافة إلى ثمن النحر والتقطيع 12ألف أوقية، أي ما يعني حسب حسابنا المتقدم راتب خمسة أشهر بالتمام والكمال ، تولي عملية النحر هذه اربعة نفر إيجارهم مضمون لكن تحايلهم عل قطع اللحم ترتب عنه إخفاء سدس الناقة تقريبا؛الشيء الذي لم يسلم من عين الرقيب الذي انهال عليهم عتابا وحقه له ذلك ؛لأنهم مستأجرون وثمن إيجارهم مصان .. وبعد هذا كله حان وقت الأشربة وما أدريك ما الأشربة 140 ألف أوقية على الأقل؛ أي ما يعني راتب ثلاثة أشهر .. لم تبدأ أم السهرات عند القوم لأن الوقت مازال زوالا، ودار الحفلات التي سبق حجزها ب 60000 أوقية متبوعا بإذن النشاط الذي تأخذ عليه الشرطة 20000 ألف أوقية بتفويض من "الحاكم"والذي أرجو أن يكون طريقه إلى الخزينة سالكا؛لكن هيهات فتغريم المواطن البسيط تسمين للموظف الكبير ؛الذي يلعب معه دور القط السمين مع الفار الطريد ..!
حان وقت صلاة المغرب ..بدأ الكل في التجمهر والاتجاه نحو قاعة الحفلات حضرت صاحبة الانعاش الموسيقي ؛وكانت إحدى مؤديات "بنجة" وما تعلق بها ،وبعد هنيهة حضر فنان شعبي آخر وللأمانة لم يكن مدعوا بشكل رسمي لكنه حضر بمحض إرادته لخبرته في نفسيات القوم ..! تبادل الاثنان الأدوار الغنائية بمساعدة زوائدهم من "المخنثين" المسلطين على كل من بقيت لديه ذرة حياء ؛سلط الله عليهم كلابه .. تتالت الأغنيات والأنشودات والصيحات ؛كل هذه التعريفات المجازية لها حظ من المسمى.. وكان كلما ذكر أحدهم تصريحا أو تلميحا ؛قام مجبرا ونفض غلته التي غالبا ما يكون قد جمعها من خلال تخصيص راتب أو اثنين لهذه اللحظة التي يربطها بالشرف وشراء العرض وهي أبعد ما تكون من ذلك إذ هي فقط إذعان جنوني لأخبث منتدبين للشيطان .. سألت إحداهم هل سلمت من رمي المال على هذا المخنث الخاسر في الحال والمآل ؛قالت بعفوية الصادقة نعم لكن قليل "عشرين" ألف أوقية فقط ..! وطبعا محدثتي هذه هي الصابرة المسكينة الكالة على عيالها ؛ وهي التي تعلم أن جلوسها يوما واحدا عن العمل اليدوي يترتب عليه مبيت نسوة وصبية وشيخ وإخوة على الطوى..!
أما بخصوص أهل العروس فلك أن تسقط عليهم كل ما تقدم بكامل تفاصيله بل بشكل أعمق لأنهم في بعض الأمور تجاوزوا حد الإسراف المنتهج من قبل أهل العريس ومن أمثلة ذلك إيجارهم لمقر الحفلات المعروف ب"لاكاز" ب 240 ألف أوقية واستدعائهم لمنعش سهرات ب 120 ألف أوقية وزادوا على "النحيرة"ب ثلاث شياه وفي المجالات الاستهلاكية الأخرى كانوا حضورا وبقوة تبذير مجردة من أي أنواع التفكير؛ وكان جانب العذر لهم أقرب فبنات الأسرة أولى ..والمزمن مرضه منهن أحق بالاعتناء ..
إن على من أراد الزواج في مجتمع كمجتمعنا أن يلبس ثوب التباهي والتمظهر والتحايل على النفس ..! ، وعليه أن يدرك أن الزواج في مجتمعنا يتطلب تجميع راتبه الشهري لمدة ثلاث سنوات أو توفير ما يعادله من قبل أهله وتحميع مثل ذلك وأكثرمن قبل أهل العروس أيضا؛ إن كان الجميع ممن ينتمون إلى الطبقة الوسطى أما إذا كانوا دون ذلك فالحال أعمق وانعاكساته السلبية أكثر تأثيرا ، وطبعا لن تخطئ عين الملاحظ أن مشكل العنوسة المستشري في هذا المجتمع له علاقة وطيدة بصعوبة الزواج وما يصاحبها من عادات وتقاليد بالية في جوهرها ومبلية للآخر لكونها وبالا على شباب مجتمعنا الذي ورثها عن كبرائه .
فلماذا لا يتحمل كبراء المجتمع الحاليين وعقلاؤه المسؤولية كاملة من أجل محاربة هذه الظواهر المعيقة والمصاحبة لكل زواج يقام والمانعة لكل زواج مازال حبيس ذهن الطامح له..!