لماذا لا نعلنها عاصمة عالمية للقمامة والمستنقعات؟ / محمد الأمين ولد الفاضل

لعلكم ما زلتم تتذكرون أن المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم كانت قد أعلنت منذ سنوات عن اختيار نواكشوط عاصمة للثقافة الإسلامية للعام 2011، وقد تم تأكيد ذلك الاختيار مع بداية المأمورية الأولى للرئيس محمد ولد عبد العزيز، ولكن، وبعد عام من ذلك الاختيار أعلنت الحكومة

الموريتانية عن تأجيلها لإطلاق فعاليات نواكشوط عاصمة للثقافة الإسلامية، وقررت إلغاء مرسوم التظاهرة، وأعلنت بأنها ستتشاور مع المنظمة الإسلامية للثقافة والعلوم حول الإجراءات التي يجب اتخاذها من أجل تحضير جيد لهذه التظاهرة في المستقبل القريب.
مرت أربع سنوات على إلغاء الاحتفالية، ويبدو أن "المستقبل القريب" لم يأت بعد، ونسى الجميع هذه الاحتفالية ولم يعد يذكرها ذاكر.
واليوم وبعد مرور عام من المأمورية الثانية للرئيس محمد ولد عبد العزيز فإني أقترح أن نعلن مدينة نواكشوط عاصمة عالمية للقمامة وللمستنقعات، وذلك بعد أن فشلنا في بداية المأمورية الأولى أن نجعل منها عاصمة للثقافة، وبالتأكيد فإن العاصمة نواكشوط تمتلك كل المقومات والشروط اللازمة للحصول على هذا اللقب، بل وللاحتفاظ به لسنوات قادمة، ودون أن تواجه أية منافسة، ولن تحتاج دبلوماسيتنا الكسولة إلى بذل جهد كبير لإقناع العالم بأن نواكشوط تستحق فعلا أن تمنح لقب عاصمة عالمية للقمامة والمستنقعات، ويكفي لإقناع العالم بذلك، أن تبعث وزارة خارجيتنا بصور من جبال القمامة بالعاصمة نواكشوط إلى كل سفرائنا في دول العالم، وأن تبعث كذلك بصورة مقرها، أي وزارة الخارجية، وهو تحاصره مياه البرك والمستنقعات، على أن يقدم السفراء تلك الصور كهدايا لرؤساء الدول التي يقيمون بها.  
إن هذه الوضعية المأساوية التي تعيشها العاصمة نواكشوط ستستمر لسنوات قادمة، وستتجدد مع كل موسم أمطار، ولعلكم تتذكرون موسم الخريف الماضي وما صاحبه من تجمع للمستنقعات والبرك في شوارع العاصمة، ولعلكم تتذكرون أيضا أن الرئيس كان قد  تجاهل بشكل كامل ما عانته العاصمة نواكشوط في تلك الفترة، وأنه ترك العاصمة ذات يوم وهي غارقة، وذهب لغرس الأشجار، ولما سئل على هامش غرس الأشجار عن الصرف الصحي أجاب: "يتساءل البعض عن عدم وجود صرف صحي خلال السنوات الأربع أو الخمس الأخيرة، وكأن الصرف الصحي كان موجودا خلال العقود الماضية أو مجرد التفكير فيه، فما الذي حال دون وجود هذا الصرف خلال تلك الفترة؟"
وأذكر أن الرئيس تحدث يومها عن التراكمات، وكأننا مازلنا نعيش في العام 2009،  أوَ لا يعلم الرئيس بأنه مرت على حكمه سبع سنوات، وبأنه لم يعد يجوز له أن يتحدث عن التراكمات، وذلك بعد أن أصبح هو ونظامه يشكل جزءا لا يتجزأ من تلك التراكمات؟
الغريب في الأمر هو أن الرئيس الذي ظل ينتقد دائما مشاريع الدراسات التي كانت تهدر من خلالها الأنظمة السابقة الوقت والمال هو نفسه الرئيس الذي اعترف على هامش حفل غرس الأشجار بأن السلطات كانت قد تعاقدت منذ ثلاث سنوات مع شركة صينية لإنشاء صرف صحي، وتبين بعد ذلك أن تكلفة هذا العقد باهظة مما اضطر السلطات العليا إلى توقيف العقد وإحالة الموضوع من جديد إلى الدراسة!!
إن الرئيس الذي ظل بعد انقلابه ينتقد الدراسات هو نفسه الرئيس الذي سيلغي عقدا مع شركة صينية، وسينشغل بعد ذلك هو وحكومته في إعداد دراسات جديدة عن الصرف الصحي، أوَ لا يعلم الرئيس بأن "التكاليف الباهظة" التي قال بأنه كان قد ألغى العقد مع الشركة الصينية بسببها سيدفع هذا الشعب المسكين أضعافها مضاعفة كخسائر بسبب تأخر الصرف الصحي لسنوات أخرى؟ أوَ لا يعلم الرئيس "المحارب للفساد" بأن من الفساد البين أن تُنفق أموال هذا الشعب المغلوب على أمره على شق طريق جديد في العاصمة أو على  تشييد مبنى جديد  بها من قبل البدء الفعلي في إنشاء صرف صحي؟
علينا أن نمتلك قليلا من الشجاعة، وعلينا أن نعترف بحظنا العاثر وبواقعنا بالبائس، وبأن عاصمتنا هي عاصمة عالمية للبرك والمستنقعات والنفايات والأوساخ، ولا يمكن أن تكون إطلاقا عاصمة لغير ذلك.
وعلينا أن نعترف أيضا بأننا كشعب لا نستحق غير عاصمة بائسة كهذه، مليئة بالبرك والمستنقعات والأوساخ، فنحن لا يخجلنا، ولا يستفزنا، ولا يغيظنا، أن عاصمتنا ما تزال في العام 2015 بلا صرف صحي.
من المؤكد بأننا سنتحدث كثيرا خلال موسم الخريف هذا عن غياب الصرف الصحي، وعن الخسائر  الكبيرة التي تسببت فيها الأمطار، ولكن وبعد نهاية موسم الخريف سننسى جميعا بأن عاصمتنا بلا صرف صحي، ستنسى الحكومة مشكلة الصرف الصحي، وستختفي كلمة "صرف صحي" من الصحف ومن المواقع ومن الإذاعات والتلفزات، وستختفي كذلك من صفحات وحسابات نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي.
ستختفي الكلمة تماما، وستختفي مشكلة الصرف الصحي، وكأنها قد حُلت تماما، ولن يذكركم بهذه المشكلة التي تتجدد مع كل عام أي مذكر. لن تذكركم بها إلا الأضرار التي ستتسبب فيها الأمطار التي ستتهاطل خلال موسم الخريف القادم.
تنبيه : هذا مقال تم نشره خلال السنة الماضية، وأعدتُ نشره اليوم مع بعض التعديلات، وربما أعيد نشره في خريف 2020 إن كُتبت لي الحياة إلى ذلك الوقت، فمن شبه المؤكد بأن العاصمة نواكشوط ستكون بلا صرف صحي في العام 2020.
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين ولد الفاضل

25. أغسطس 2015 - 14:32

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا