طار كبش الجيران فرحا عندما علم بأن السنغال بصدد "اكتتاب" عمالة من كباش موريتانيا،
دار حول نفسه، وحمل "دركته" بقرنيه في نوبة فرح غيرمسبوقة ربما فى حياته .
غدا سيذهب لإكمال "الإجراءات" البسيطة، سيقف فى طابور طويل أمام "مراس" سنغالي محترف، يعرف أن السنغاليين لو لم يكونوا مسلمين لعبدوا "كبش العيد"،
فهو بالنسبة لهم شيء كبير "مثل لحم الدجاج" لدى سكان "شمامه".
من حسن حظ كبش الجيران أنه "مدروك" قرب المسجد، يداعب صوت المؤذن ـ غير الجهوري ـ آذانه باستمرار، معنى ذلك أنه سيستيقظ باكرا، إن لم يكن وقت "السدس"، فلن يضيع فرصة الاستيقاظ غبش "الفجر" .
لم ينم، وكيف ينام ورحلة العمر تنتظره..؟!!
سيقطع النهر، ولأول مرة سيأخذ حماما، ويحلق شعره، ويهذب قرنيه، ويمشى بخيلاء، وكأن نعجة تنتظره في "بطن نعمان".!!
السنغاليون كرماء مع كباش العيد، يفضلونها مكتنزة لحما مطبقة شحما، ويحرصون على نظافتها، حتى ليخيل للكبش ـ وهو بين أيديهم ـ أن نعومته محرمة على سكاكينهم.
كان مبتهجا، لم لا وهو يدخل بابا جديدا، حتى الذبح السنغالي أفضل بالنسبة له، فهناك ـ على الأقل ـ سيشبع لأول مرة، ومن أجود الأعلاف، وسيستخدم نفس ماء البشر، وصابون البشر، وحلاقة البشر، وسيزور الطبيب، و"يسمن" بسرعة، ويحس بأنه كبش مهم فعلا.
" سيذبحونني وهل خلقنا نحن الكباش إلا للذبح ولكن أن تذبح شبعانا نظيفا أقرن بهي الطلعة فى السنغال أو حتى في "توفالو" أفضل من أن تذبح هنا في بلدك مقملا مهملا، جائعا بائسا، بارز الأضلاع، منهزم القرنين، لا فرق بينك وبين أسخف نعجة من نعاج قطيعك "
قالها وهو يرفس إناء "الحش" بقدميه مزهوا..
لم يكن كبشا "أمام العين" وكان نحيفا ومنتفش الشعر وكثير"التحكك" ومع ذلك يكذب على نفسه وهو يحلم بالهجرة "الشرعية" إلى السنغال .
كان يستعرض قوته لنفسه، إنه لا يرى أن هناك كبشا سينافسه، درجة أنه واثق كل الثقة أنه سيكون "الأول على الجمهورية" في مسابقة "اكتتاب الكباش" الراغبين في "العمل" خارج الحدود.
يقول لنفسه دائما "نحن أكثر تعقلا وبصيرة من البشر هم يهاجرون على غير هدى هربا من الموت الذي يدركهم فى البحر وبلاد الغربة أما نحن فنهاجر وكلنا ثقة بأن السكين تنتظرنا، لكننا لا نبكى ولا نخاف ولا نجزع وقت الابتلاء ولربما كان إقدام بعض البشر على ذبح بعضهم بنفس الطريقة التى نذبح نحن بها عقابا إلهيا لهؤلاء البشر الذين لا يتحسسون وهم يرون كبشا إلا جيوبهم وسكاكينهم".
يذكرك منظره ـ وهو يستعد للذهاب إلى "التمراس" ـ بمنظر شاب موريتاني يفكر في الالتحاق بالعمل كشرطي أو راع أو(...) في إحدى دول الخليج العربي عقد تسعينيات القرن الماضى، والحقيقة من السخيف الاعتقاد بان ثمة فرقا بين حياة الشباب الموريتاني، وحياة الكباش الموريتانية، فالبطالة تعصف بالجميع ،وحتى فرصة "تحميم القردة" أو "الذبح" في الخارج لا يمكن تفويتها.
ضحك وهو يقول لنفسه "البشر تافهون، فهم بحاجة لأوراق ثبوتية عليها صور ومعطيات وبصمات، والحمد لله نحن لسنا مثلهم، أنا كبش وأفتخر، وكل الكباش يعرفون أنني كبش ، والجميع يعرف اننى كبش،والنعاج تعرفني حق المعرفة، ولست بحاجة لوسم أو تعريف أوصفة أخرى،وكغالبية المواطنين من البشر في بلدي أعانى الجوع والغبن والتهميش وغياب الرعاية الصحية".
كاد أن يذهب في إغفاءة لولا أنه تذكر معركة الغد، لينهض بنشاط وهو يقول لنفسه "لا نوم الليلة "فإنما نحاول ملكا أو نموت فنذبحا" دار من جديد حول نفسه "اليوم حش وغدا ذبح" تلك سنة الحياة، وديدن مسارنا ككباش.
كان يفكر بسعادة ،غدا أركب سيارة وألتقي بكباش من وطني أرغمها الجوع مثلى على الذهاب إلى الخارج.
" أنا لست حقيرا، ولست تافها، من حقي أن أعيش بكرامة ولو لمدة دقيقة واحدة قبل المقصله..!!
أنا كبش موريتاني بائس أهرب مثل كل الذين هربوا، لا مزايدة على وطنيتي وحبي لبلدي فما قدمناه معشر الكباش من "أضحيات" فى سبيل موريتانيا لم يقدمه حيوان ولا بشر ولا حجر على هذه الأرض
بلد فرط في شعراء وإعلاميين ومسرحيين وعلماء ورياضيين وأسلمهم للغربة والضياع هل أنتظر منه أن يهتم بأمري وأنا الكبش التافه لدرجة أننى أولد خائفا وأعيش جائعا وأموت مذبوحا
لم أذهب في حياتي كلها إلى طبيب لم أذق وجبة شهية ولا وجبة غنية إن هي إلا "كراطين" الليل و"بللات القمح" نهارا تماما كهؤلاء الذين ربطوني فلا هم أطعموني ولا هم تركوني أضرب في الأرض هم مثلى لديهم وجبتان منذ أن عرفتهم وساكنتهم "مكرونة" الليل و"خلطات الأرز" نهارا
فى الواقع لا ألومهم فلا شيء لديهم إنهم بؤساء مثلى منسيون وجائعون حتى لحمى لا يستسيغونه لأنهم يعتبرونه رفاهية لا تتاح إلا لأهل الجنة فهم يريدون ثمني فقط وبأي "ثمن"
كان يحدث نفسه بأحلام كبيرة
"غدا أعبر النهر وأصبح مهاجرا كالبشر باحثا عن عمل في الخارج كالبشر وربما أعيش حياة سعيدة مع نعجة سنغالية تؤمن معي بتعدد الزوجات والولادات وأنا الذي سئمت "نعيجة" واحدة لا تضع خروفا إلا بشق الأنفس بسبب الهزال وسوء التغذية وغياب العناية الصحية بالأم والطفل لا أعرف هل أتنازل لها عن طعامي أم اعمل حارسا لحمايتها من اللصوص أم مربيا لأولادها أم امنحها دفئا تفتقده في "مراحنا" الضيق الحرج القذر الذي يجتمع فيه "بعر" أجيال من آبائنا وأمهاتنا مع "بعرنا" اليوم فأبدا لم ينظف ولا أحد يهتم به
إن "مراحنا" مثل "نواكشوط" بلا صرف صحي بلا مرافق عمومية بلا أفق وبلا رؤية وبلا أمان وكثيرا ما قلت لنفسي إننا أفضل من البشر هنا فليس لدينا حكومة تكذب علينا ولا أحد ينقلب على أحد ولا احد يماطل في الحوار مع أحد ولا أحد يزيد السعر على أحد ولا كبش يطلق يد أقاربه فى الحظيرة ولا يمكن لأية نعجة التكسب من أموال بقية الكباش والنعاج
لقد من الله على مجتمع الكباش بان وقاه من السياسة واهلها وصرف عنه عذابات العسكر والنفوذ والصراعات العرقية والقبلية
إننى لم أنطح أي شخص في حياتي فهؤلاء البشر تعساء بائسون وأنا لا أعدم الموتى ولا أجهز على الجرحى إن بعضهم مجروح فى قوته اليومي وحياته وتوجهاته وبعضهم مطعون حتى في كرامته ولذلك لم يبق هنا إلا من عجز عن الهجرة ولو للموت في عرض البحر"
نظر إلى المسجد المجاور، وفكر في أن المؤذن لم يرفع أذانه بعد، هل نام؟ هل مرض؟ هل تكاسل؟هل الوقت هناك يسير بسلحفاتية رهيبة؟!!
فكر أيضا في أنه سيذهب إلى السنغال مرفوع الرأس، لا هاربا، ولا متسللا، فملاكه سيجدون تعويضا مناسبا عنه.
قال في نفسه "لو أعطى السنغاليون لصاحبي هذا الكهل 10 آلاف أوقية لدسها في جيبه قائلا وهو يتصنع عدم الرضي " أخير منو أو منكم".
رفع المؤذن عقيرته بأذان الفجر، استيقظت أنا قبل أن اعرف نهاية حلم الكبش، أما أنا فلم اعد احلم بشيء، بل أخاف أن احلم فترفع الحكومة الضريبة على أحلامي أو يزورني الرئيس ورئيس الوزراء وأعضاء الحكومة في الحلم، على شكل "كوابيس"، لن أستطيع التمييز هل هي من نوع "كابوس الماء" الذي يطلق منه الرئيس الرصاص المائي إيذانا بانطلاق "الماراتون" السنوي، أم من نوع "كابوس" بطل قصة "الماندرينايه" الشهيرة، أما "كوابيس" "بدر" و"أطويله " فيقف شعرى رعبا عندما أتخيل مجرد الحديث عنها.!!
لا أريد أن احلم بأي نوع من "الكوابيس" مرخصة كانت أم محرمة، وفى بلدي ليس هناك أسوا من رؤية الحكومة و"كوابيسها" حتى في أحلام اليقظة.