عُقد الحوار وتآمر النخب / داديوه بوبو

السياسة فن جميل عرفته البشرية منذ فجر التاريخ وكان لهذا الفن رواده وعشاقه وبهذا الفن أذعنت أمم و انتصرت أخر، وبه استطاعت شعوب أن تختزل محطات هامة في مسيرتها نحو التقدم والنماء ويُعرف العديد من المفكرين فن السياسة بأنه علمٌ تُمتحن به العقول في سجالها العميق ليحكم ويسود 

أصحاب الفكر السليم والرأي السديد .
والسياسة القيادة والإقناع ، ساس القوم قادهم وأقنعهم بالانصياع لرأي معين ويذهب بعض المهتمين بالفكر السياسي إلى تعريف أصحاب علم الكلام بالمتسيسين والحكماء دون أن تقترب السياسة عند أي من هؤلاء بالفلسفة التي توغل مفرداتها في شطط الماورئيات و المصطلحات الخفية ، لأن السياسة عندهم علم تدافع العقول حول الواقع.
ويرجع احتفاظ المجتمعات بسير قادتها إلى الارتباط الوثيق بين القادة السياسيين والحياة العامة للشعوب ، فكلنا يعرف أسماء وحياة معظم الرؤساء و قادة الرأي الذين عرفتهم البلاد وؤلئك الذين حكموا في بلدان المنطقة والعالم وقادة الرأي والفكر في العديد من بلدان العالم لكن معظمنا لا يهتم كثيرا بأسماء وسير العظماء ممن اكتشفوا علاجات لأوبئة كادت أن تبيد البشرية  وآخرين نجحوا في اكتشافات علمية مذهلة .
إن ما قدمه هؤلاء العلماء والرواد للبشر يفوق بكثير ما قدمه الساسة عبر التاريخ رغم نجاحات العديد من السياسيين في مواجهة تحديات الإستعمار ،الإستعباد والإضطهاد... ومع ذلك بقيت أسماء وسير الساسة محفورة في ذاكرة الشعوب للارتباط الوثيق بين السياسة والواقع والحياة العامة.
إن القرينة بين إهتمام الشعوب بالساسة وغايات الشعوب يبدو بديهيا .
وفي رحلة التطور الطبيعي استطاعت الشعوب أن تتمكن من اختيار من يحكم لترتقي بنفسها عن أساليب القهر والدكتاتورية والغصب وتوصلت إلى هذه الوسيلة عبر مسيرة شاقة من الحوار والتفكير والسجال المتحضر.
إن مسألة الحوار ظلت النداء الأبلغ دعا إليه الدين ودعت إليه كل القيم الفاضلة والأكيد أنه السبيل الوحيد للخروج من الأزمات.
أعتقد أن المدعي أبلغ حجة من المدعى عليه و مغصوب الحق أسرع للتقاضي من الغاصب .
وأعتقد أن مقاطعة الحوار تعني إحدى الأمور التالية :
غياب العنصر الذي يتطلب الجلوس والحوار وهو تناقض صريح مع خطاب المعارضة التي دعت مرارا إلى ضرورة فتح حوار سياسي شامل يفضي إلى حل المشكل الذي تراه المعارضة قائما.
ضعف حجة العنصر الغائب وعدم وجود خطاب مقنع أمام الخصم ورغبة العنصر الغائب في البقاء على خطابه بعيدا عن ردود الخصم التي قد تكون مقنعة.
تشتت أفكار العنصر الغائب وعدم قدرتها على الانصهار في رأي موحد قادر على جبه حجج الخصم.
لئن كانت هذه أهم النقاط التي يمكن أن تؤسس لمقاطعة أي حوار فإن أسبابا أخرى قد تكون أكثر  وجاهة للدخول في الحوار:
إيجاد حل لمشكل ظلت المعارضة تنعته بالقائم.
طرح مشاكل البلاد أمام الفرقاء وقادة الرأي.
تصويب الثغرات التي لوحظت في البنى السياسية والترسانة القانونية وبلورة مضامين تساهم في رفع التحديات والمؤشرات الجديدة.
صحيح أن المعارضة الموريتانية قد أسست لنمط مخالف واستنسخت اساليب متباينة مع الأنماط الشائعة ، ومن أبرز هذه الإستنساخات فكرة المنتدى الذي يجمع الإسلامي بالعلماني ، اليميني باليساري ، العابد بالعابث ، القومي بالمتطرف والصالح بالطافح .
أعتقد أن المنتدى اجتمع على قلب مائة رجل وأنه حمل جرثوم نهايته يوم تأسس وأنه في طريقه للزوال وأن أهله يلعبون بالأمة .
فماذا يريده أحمد ولد داداه وماذا يرغب فيه محمد ولد مولود وما هي أهداف حزب تواصل؟
هي أسئلة أعتقد أن الإجابة عليها ستكون كفيلة بالإجابة على السر وراء مقاطعة أقطاب المنتدى للحوار الذي دعت إليه الحكومة والتزمت بتطبيق نتائجه.
في الواقع لا أمتلك أجوبة رياضية غير قابلة للطعن والنقاش ولكنني أحمل مجموعة من المعطيات والاستنتاجات التي قد تساهم في الإجابة أو تبعث إلى عملية البحث عن الجواب الفاصل.
يبدو أن الدستور الموريتاني أغلق الباب أمام توصل ولد داداه لسدة الحكم في البلاد فعائق السن يمنع داداه من الترشح ويعتقد العديد من العارفين به أن مسألة الرئاسة هي أهم ما في جعبة الرجل الطامح منذ عقدين ونصف وأنه من يتخذ قرارات الحزب وأن أيًا من أعضاء المكتب التنفيذي فكر في مجالسة الرجل في موضوع لا ينصب في الاتجاه الذي يتبناه الرئيس سيكون مصيره الطرد وكان البيان الأخير للحزب الذي يديره الرجل ويسمى باسمه صريحا في هذا الشأن.
قد يكون الرجل خجولا من اشتراط تغيير سقف العمر المسموح به للدخول في الحوار ولكنه سيكون مستعدا للاعتراف بمخرجات حوار قرر تمديد السن المسموح به بشرط إقصاء أي رجل قوي قد يعيد مشهد هزيمة أحمد ولد داداه.
حزب اتحاد قوى التقدم الذي يرأسه محمد ولد مولود والذي ظل محافظا على الترتيب في كل انتخابات تشهدها البلاد لينال المرتبة الرابعة من بين نتائج الأحزاب المحسوبة على المعارضة بعد أحمد ولد داداه ومسعود ولد بولخير وجميل منصور تدير هذا الحزب مجموعة نشطة تعرف بالكادحين تحسب الأمور بموازين خاصة ويعتقد أصحاب هذا الحزب أن إقصاء داداه ومسعود بعامل السن في أول انتخابات ستشهدها البلاد وانتهاء المأموريات المسموح بها للرئيس محمد ولد عبد العزيز سيمكن ولد مولود من كسب وِد الناخبين الذين ظلوا يصوتون لداداه ومسعود منذ تسعينيات القرن المنصرم فحسابات رجالات إتحاد قوى التقدم تؤكد أنهم الأحق بتركة ولد داداه ومسعود ويلعبون على ورقة انتهاء المأمورية الثانية والأخيرة للرئيس محمد ولد عبد العزيز حتى لا يكون خصما في الإنتخابات المقبلة.
حزب تواصل الذي  يعتبر واجهة حركة الإخوان المسلمين بموريتانيا أكثر الأحزاب رغبة في الوصول لسدة الحكم في البلاد وأنشطهم في العمل السري تتخلل رجلاته كل الأنشطة في البلاد بغية إيصال خطاب الحركة إلى أكبر عدد من الموريتانيين وقد اتسعت في الفترة الأخيرة دائرة تغلغل رجالات الحركة  ليشمل النقل العمومي ، تحويل الأموال عن طريق وسائط غير مرخصة لها ممثليات في جميع مقاطعات الوطن وقدراتها فائقة ، التعليم الحر والمحظري ، العمل الخيري ، الطب و الصيدلة ، العمل النقابي ، التجارة العامة وسوق التموين .....
رغم حضور الحزب في هذه المجالات الحيوية فإنه الحاضر الوحيد من بين أحزاب المنتدى في البرلمان إثر مشاركته في انتخابات قاطعتها أحزاب المعارضة و حصد خلالها أصوات معظم المحسوبين على المعارضة بعد حساب دقيق من مكتب الحزب الذي يحسن عملية المد والجزر على حساب معارضة غارقة في الولع بالرئاسة بسبب رغبة رؤساء الأحزاب ، هذا الواقع الذي مكن تواصل من تمثيل معتبر في البرلمان و معظم المجالس البلدية ورئاسة المعارضة الديمقراطية هو ما يجعل الحزب يقف وجه أي نداء وأي حوار قد يقضي بإعادة صياغة وترتيب البيوت النيابية والمجالس البلدية وهيئة المعارضة الديمقراطية التي دخلها الحزب على حساب الأحزاب المعارضة المقاطعة وهي العملية التي يعتبرها قادة الحزب الأذكى في تاريخ الحركة واعتبرتها أحزاب الجبهة وقتها أكبر خديعة يمارسها الحزب ومع مضي الوقت استطاع الحزب بذكاء أيضا أن يتسلل للعودة للمعارضة التي كانت وقتها في أمس الحاجة في من يقوي فتيلها في مهرجان أمام ساحة ابن عباس فتناست خديعة تواصل مقابل إسهامه في تقوية ذلك الحشد.
صحيح أيضا أن الإخوان يجيدون عملية الدخول في الفوضى التي يعتبرها قادته بالخلاقة تماما كما يفهمها قادة الغرب ومفكريهم وقد استطاع الإخوان أن يطوعوا الفوضى التي عرفتها معظم البلدان العربية لصالحهم وهي الحالة التي عرفتها كل من تونس و مصر وليبيا وتمكنوا بعدها مباشرة من التوصل للحكم وهي الحالة التي لم تعمر طويلا بسبب وعي الشعوب لتتغير الحالة في هذه البلدان.
يعتقد إخوان موريتانيا إن الأزمة التي تعبر عنها المعارضة في ظل الإلحاح الدستوري بتجديد مجلس ثلث مجلس الشيوخ قد يؤدي إلى أزمة سياسية متفاقمة سيستعد الحزب لمحاولة ركوبها على طريقة الإخوان الذين لم تسجل حالة وصولهم مقاليد الحكم إلا على إثر الفوضى التي يصفونها بالخلاقة.
الحوار الجاري يقد يسد الباب أمام أي أفق للأزمات السياسية في ظل اتفاق يقضي بإيجاد مشاكل للمشاكل المطروحة وهو ما يجعل الحركة في حيرة من أمرها.
هي أجوبة سريعة لما أعتقد أنها الأسباب التي تمنع هذه الأحزاب من المشاركة في الحوار ويبقى السؤال الأكثر إلحاحا هو متى تضع المعارضة مصلحة البلد و الحياة العامة للمواطن نصب أعينها ومتى يؤسس قادة هذه الأحزاب لنهج ديمقراطي داخل أحزابهم ومتى يغلبون المصلحة العليا و لمذا يضيعون الفرص الكبرى مقابل مصالح الفرد .
على المجتمع اليوم أن يعي مستوى التحدي ويدرك سذاجة المؤامرة التي يدبرها قادة الرأي في البلاد دون التفكير في إيجاد توافق وطني يقود إلى خلق مناخ سياسي واجتماعي واقتصادي يسع الجميع ويمهد لحراك حضاري يطمح من خلاله الجميع إلى طلبه المشروع في الحكم وغايته الكبيرة في تجسيد أحلامه الوطنية الكبرى .
إن هذه الأهداف السامية لن تتحقق إلا في ظل تغليب مصلحة الوطن ونكران الذات ونهج فلسفة الإيثار

12. سبتمبر 2015 - 10:55

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا