يروى أن أحد الشباب آنس في نفسه الباءة فقرر أن يعصم دينه، وحدد فتاة أحلامه، وأخبر أمه، فابتهجت أساريرها، وأسرت إلى زوجها فأسرع بالموافقة، ثم اتصل بأقرب أصدقائه، فسأله هل أنت جاهز، فأجاب صاحبنا نعم، المهر وحددته، والقاعة وحجزتها، فسأله الصديق ... ومتى الزفاف؟....،
فتنهد صاحبنا وقال هنا المشكلة، أنا وأمي وأبي متفقون على كل شيء، أما العروس وأهله فلا علم لهم بالموضوع بأسره حتى اللحظة!!!
لا أسوق هذه القصة الطريفة إلى درجة ما لأنكت على الحوار، معاذ الله، فالحوار قيمة راسخة في هذا البلد، وإنما أسوقها بغية ترشيد ما تسعى إليه نخب المجتمع السياسي والمدني والمهني المجتمعة هذا الأسبوع في قصر المؤتمرات، والتي تتعاقب على منابر الورشات بمعدل 190 متحدث في اليوم بمختلف اللغات والمشارب والمنطلقات من أجل الإجابة على سؤالين: أيان يوم الحوار، وما موضوع الحوار.
ورغم تنوع الإجابات، فيمكن حصرها حتى الآن في تجاهين: تجاه متريث، وآخر متسرع، يدعو الأول إلى التمهل ومنح فرص للمتخلفين عن الحوار، وتحمل طول الانتظار. ويذهب الآخر إلى الدخول في الحوار، وتحديد رزنامته معتقدا أن لا وقت لانتظار بعد أن استنفذت آجال الإعذار، وتهافتت كل الأعذار. ينطلق الرأي الأول من أن الحوار وسيلة لتجاوز حالة "الجفاء السياسي"، في حين يعتقد أصحاب الرأي الثاني أن الحوار هدف في حد ذاته، وأنه ملف فتح طويلا، وآن له أن يغلق، لتتركز الجهود على تحدي التنمية، ولتعود الحالة السياسية إلى حالتها المعتادة.
لكل من الرأيين جزء من الحقيقة على المستوى النظري، لكن عمليا ما يغيب عن أصحاب الرأي الثاني أنهم متعطشون للحوار ويائسون من إيجاد المحاور، وهم يحددون أجلا لحوار لا محاور فيه، أما أصحاب الرأي الأول فهم طامعون في رجوع المحاور للحوار، لكنهم لا يستطيعون أن يثبوا عمليا الأفق الزمني لذلك الأمل، ومع ذلك يحدون أجلا اعتباطيا دون بيان فرص الرجوع.
ولكي نضفي على الرأيين شيئا من الرشد والعملية، يمكن أن أقترح فكرة مؤداها استغلال هذا الحشد الشعبي حول فكرة الحوار، وبلورته في فكرة تنبع من الشعب وجماعات الضغط والمجتمع المهني وشبكات الثقة الاجتماعية، لتنظم حملة على درجة من التلقائية والعفوية، ويكون شعارها (حاور أخاك)، تتبناها المبادرات والأحزاب والهيئات الإعلامية والجمعيات للمدة أسبوعين، ثم تختتم بمسيرة لاستقبال الحجيج الميامين،... ثم تنتهي بمهرجان خطابي تدبج فيه القصائد والخطب، وتغني فيه المغنيات
نحن يال دارير همنا... وتكول أنك تبغين
نبغو حوار اف بلنا... يجمعنا ويخاوين
ثم يتفرق الناس، وينتظر الساسة ثلاثة أيام، فإن لم تفئ الفئة الممانعة، تنادوا إلى حوارهم، وأقاموا الحجة على من غاب، واتفقوا على ألا يدخلوا معه في حديث بعده. ثم يتحاورون على أمهات المسائل في مدينة ليس فيها أحد من شياطين الجن ولا الأنس، ولا تطالبني بتحديدها، فكل ما أعرفه أنها ليست عاصمتنا، وأن من الناس من لا يرضى أن تخلو مدينته من الشياطين، ولكن ربما يختار المتحاورون مدينة صاحبنا الذي آنس في نفسه ما آنس.
تمثل الهجرة عموما ظاهرة ألفتها البشرية منذ فجر التاريخ، لكنها أصبحت أكثر تعقيدا في عالمنا المعاصر بسبب تعدد أبعادها، وتداخل أسبابها، وتشابك آثارها، كما أنها أصبحت ترتبط بفئة الشباب من جنوب الكرة الأرضية أكثر من غيرهم. لقد أضحت الهجرة حلما يولد مع الشباب، ويكبر معهم، لا يثنيهم عنه بعد الشقة ولا مخاطر الطرق، ويحاولون تحقيقه ولو عبر قوارب الموت.
والهجرة بالنسبة لدول الجنوب (دول المصدر) نزيف للسواعد اللازمة لبناء الوطن، والعقول الضرورية للتنمية البشرية ورفع تحدي التنمية، أما بالنسبة لدول الشمال (دول الوجهة) فقد كانت في الماضي وسيلة لجلب الأيدي العاملة اللازمة لبنائها بعد الحربين، وأصبحت اليوم ظاهرة تهدد الأمن القومي لتلك البلدان، وأصبحت سياساتها في التعامل مع الظاهرة تكشف عن قدر كبير من الانتقائية ومخالفة لقواعد لمبادئ الإنسانية والتعاون الدولي. وتثير الظاهرة هواجس متعددة بالنسبة لدول العبور التي وجدت نفسها مجبرة على التعامل مع الظاهرة رغم ضعف وسائلها. كل ذلك يستلزم من الحكومات اتخاذ سياسيات محكمة للتصدى لهذه بمختلف أبعادها الاستراتيجية والأمنية والسياسية.
ومع ذلك تبقى الهجرة في أذهان شباب الجنوب كنز علي بابا المنشود، وتبقى دول الشمال هي الوجهة الأولى، لا تحول بينهم وبينها المخافر ولا المحيطات ولا الصحارى، وتمثل موريتانيا في هذا الصدد دولة عبور بسبب وقوعها على مشارف أرض "الأحلام الأوروبية" وأفريقيا الغربية، كما أنها دولة مصدر بسبب ما يعاني منه الشباب من بطالة أو ما يتسم به من طموح.
تأتي هذه الندوة لتتناول هذه الظاهرة في أبعادها المختلفة لتلقي الضوء على السياسات المتبعة في معالجة هذه الظاهرة، وذلك من خلال التركيز على المحاور التالية:
هجرة الشباب : حقائق وأرقام، يتناول هذا المحور تقديما للظاهرة من حيث حجمها وأنواعها وأسبابها
الأبعاد الجيوستراتيجية لهجرة الشباب: يتناول هذا المحور تحليل الظاهرة من حيث ما تفضي إليه من آثار جيو ستراتيجية وسياسية في كل الدول المرتبطة بالظاهرة.
الأطار القانون لهجرة الشباب: ويتناول بالتحليل والتقويم والمقارنة التجرية الموريتانية في محاربة الهجرة السرية