الملاحدة الجدد بين الجهل والضياع الحلقة (25) / المرابط ولد محمد لخديم

وبعودة إلى منظار علم الأجنة من جديد فإننا:
          نشاهد الجنين حي بكل ما للحياة من معنى وبكل ما لها من مظاهر وعلامات تدل على وجودها، فها هي الخلايا تنقسم بنشاط وبسرعة كبيرة ، وهاهي العمليات المختلفة مستمرة داخل تلك الخلايا ليل نهار، وهاهي العلقة ثم المضغة المخلقة

 وغير المخلقة تتغذى وتأخذ حاجتها من دم الأم بواسطة تلك البراعم التي تنمو فيما بعد لتكوين ما يعرف بالمشيئة Placenta، وهاهي تتخلص من فضلاتها عن طريق المشيمة كذالك إلى دم الأم أو عن طريق ما يحيط بالجنين من سائل يسمى الأمنيوزي amoniotie fluid، وها هو قلب الجنين ينبض يندفع الدم في أوعية الجنين الدموية، هاهي عجلة الحياة تدور وتنتظم أمور ذالك الجسد المتخلق وتناسق أعضاؤه وتقترب أجهزته ويقترب مظهره من الشكل البشري الذي يستطيع أن يستقبل الروح  فهل من تفسير لهذه الحالة؟!
         نقرأ في القرآن قوله تعالى:
        ﴿ فإذا سوينه ونفخت فيه من روحي﴾ (43) ﴿ثم سواه ونفخ فيه من روحه﴾.(44)
         وعلى ذالك نرى أن الحياة في الجنين سابقة على وجود الروح فيه، كما أن وجود الحياة ابتداء لا يتوقف على وجود الروح, والمشاهد أن الجنين الذي لا يتشكل طبيعيا في رحم أمه لا يستمر نموه في العادة وقد يموت في بطن أمه، أو يولد ميتا، ذالك أنه يفقد مقومات استمرار حياته لعدم وجود الروح أو نفخها فيه.(45)
       ومن هنا يمكننا أن ندرك أن الحياة غير الروح، فالحياة في الإنسان سابقة لنفخ الروح فيه، والحياة تبدأ دون اعتبار لوجود الروح في الجنين، ولكنها ضرورية وأساسية لنفخ الروح فيه بعد تسويته، فالروح لا تحل في جنين ميت ولا في جنين بلغ درجة كبيرة من التشوه وعدم التسوية، كما أن الروح ليست نقيضا للموت ولكنها العامل الأساسي لاستمرار الحياة.
      أما ماهية الروح ؟! فهذا ما يجهله العلم البشري قديما وحديثا كما تقدم آنفا.(46) رغم أنه يؤمن بها حيث يؤدي نفخ الروح في الجسد الحي إلى تغيرات يمكن معرفة بعضها بالمشاهدة والاستطلاع لحالات الجسد الإنساني الحي المختلفة، فإن ما يحدث للجنين داخل الرحم بعد نفخ الروح فيه يمكن إدراكه بدراسة ما يحدث له من تغيرات وظيفية، ومن تغيرات في الخواص والحركات والاستجابة للمؤثرات المختلفة والانفعال ...الخ.
      ويمكن ملاحظة هذا بالمشاهدة بكل سهولة وذالك بمقارنة ما يحدث في المرحلة السابقة, لنفخ الروح بما يحدث في المرحلة ألاحقة لنفخ الروح كما أسلفنا. وهذا من العلوم التي ما زالت في بدايتها والبحوث فيها كثيرة ولم يتم إلى يوم الناس أي بحث بطريقة إيجابية نستطيع منها أن نستخلص نتائج ذات قيمة في هذا الشأن..
     وبوقوف العلم الحديث عاجزا متحيرا أمام هذه الظاهرة فإننا نجد القرءان يتخطاه ليجيب عليها قال تعالى: "ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين، ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين" (47).
      فها هو الإنسان الأول يخلق من طين، ثم يتكرر خلق الإنسان حسب سنة متجددة، فهو نطفة في قرار مكين تتخلق وتتشكل، ثم بعد ذلك تنشأ خلقا آخر، فما هو هذا الخلق الآخر؟.
الروح من وجهة نظر علمية:
      إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا عن ذلك في الحديث الصحيح عن عبد الله بن مسعود مرفوعا: [إن أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما، نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكا فيؤمر بأربع كلمات ويقال له: أكتب عمله، ورزقه، وأجله، وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح] (48).
      وهكذا يكشف لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم سر هذا (الخلق الآخر) ألا وهو نفخ الروح في ذلك الجنين الذي خلقه الله في بطن أمه (وسواه) حتى اكتملت أعضاؤه وأجهزته وأصبح في حالة يستطيع معها أن يستقبل تلك الروح التي ينفخها فيه ملك، وقد حدد الرسول صلى الله عليه وسلم تلك المرحلة بمائة وعشرين يوما من بداية تخلق الجنين في بطن أمه.
لكن كيف عجز العلم الحديث عن فهم سر الروح رغم إيمانه بها؟!!.
       كتب فرانسيس كريك (Francis Crick) الفيزيائي الذي كان له الفضل في اكتشاف الحمض النووي الريبوزي ADN (الذي يعتبر أهم اكتشاف في القرن العشرين) بأن دراسة الدماغ كفيل باكتشاف مصدر اعتقاد الإنسان بوجود الروح.
    ثم بعد ذلك كتب عالم الحشرات والبيئة الأمريكي أدوارد أسبورن Edouard Osborne   Wilson قائلا: إن الجهد في دراسة الروح يجب أن ينصب على دراسة الموروثات التي تجعل الإنسان مؤمنا بفكرة الروح ويقول نفس المصدر أن هناك إجماع على أن المنطقة الجانبية من الدماغ والمسمى الفص الصدقي Temporal lebe من المحتمل جدا أن يكون مسئولا عن تنظيم الجانب الروحي في حياة الإنسان وقد تم التوصل إلى هذا الاستنتاج عن طريق الأشخاص الذين يعانون من صرع المنطقة الصدغية من الدماغ حيث ولأسباب غير معروفة يزداد النشاط الكهربائي لهذه المنطقة بمعزل عن بقية الدماغ وهذا يؤدي إلى ظهور أعراض وعلامات من أهمها أفكار دينية وروحية معقدة وأفكار ميتافيزيقية والتعلق بفكرة دينية معينة إلى حد الهوس.
     هذه الملاحظة البدائية شجعت العلماء إلى إجراء تجارب تتركز على قياس نشاط هذا القسم من الدماغ في أشخاص متدينين غير مصابين بالصرع ومقارنته بأشخاص ملحدين وتم التوصل في جامعة كاليفورنيا عام 1997 إلى ملاحظة أن النشاط الكهربائي الدماغي في الفص الصدقي هو أعلى في المتدين مقارنة بالملحد (49).
      والعلم الحديث لا يدرك هذه الروح رغم إيمانه بها لأن عقله محدود الإمكانات ولا يستطيع أن يدرك ما كان خارجا عن حدود تلك الإمكانات، فالعين والأذن البشرية لهما مجال محدود.
       فقد ثبت علميا... يتواصل...

16. سبتمبر 2015 - 17:48

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا