موريتانيا الحالية: هل كرست ضياع الأمل؟ / عبد الفتاح ولد اعبيدن

كان الموريتانيون أيام ولد داداه، وخصوصا في نهاية حكمه يعانون كل مخاطر وآثار وإنعكاسات الحرب تقريبا، لكنهم كانوا يحسون بأنهم بصدد مشروع دولة، مهما قيل من انتقاد لهذه الدولة.
وفي فترة ولد الطايع، كانت سلبيات، والديمقراطية شكلية، لكن مساحة التفاؤل كانت واسعة، وفرص الغنى كانت تتسع تدريجيا، مهددة خطر الفقر بالغياب كليا يوما ما.

وجاءت أنظمة ما بعد 2005، مكرسة البؤس وخصوصية المنافع وضيق دائرتها.
مع توسع دائرة تصفية الحسابات.
هل مثل نظام ما بعد 3 أغسطس2005 ضياع أمل متنوع؟
الأمل في مشروع الدولة.
الأمل في ديمقراطية جادة
الأمل في تساوي الفرص أو تقاربها على الأقل.
الأمل في التطور والمشي والسير إلى الأمام، وليس إلى الوراء.
الأمل في التعايش الاجتماعي الآمن، رغم الاختلاف العرقي والشرائحي والسياسي والمصلحي.
الأمل في التنمية واستغلال الثروات بصورة إيجابية، يشعر الجميع تقريبا، أو الأغلبية على الأقل، بأنها شريك في فوائدها الجمة.
الأمل في إعلام حر يدعم ولا يتسول ولا يتوسل.
لكن هذا الواقع المؤلم المهدد، لكل أمل تقريبا، ينبغي أن نرفضه بصورة سلمية جذرية، تقتلعه بأمان، حتى لا نستسلم للفشل والعجز إلى الأبد.
الموريتانيون على اختلافهم عندما يخلون إلى مجالسهم الخاصة، يصبون وابل النقد اللاذع على النظام الحالي، ويشيدون ببعض ماضيهم رغم بعض المآخذ، ويرى كثيرون أن المعاناة قد وصلت في الوقت الحاضر إلى مستوى لا صبر عليه تقريبا.
إنما نعيشون من محسوبية وغنى فاحش للأسرة الحاكمة، أحيانا بالمفهوم الواسع، قد لا ينتهي بالهروب بالغنيمة، حسب بعض الإحتمالات، ومن المؤكد أن الجزاء الأخروي عادل دقيق.
وفي الدنيا تتجسد قاعدة "إن الله لا يهدي كيد الخائنين".
فأين المفر؟!
الحوار مجرد وسيلة للتغطية على فشل النظام الحالي، ولم يحظى بمشاركة أهم أطراف المعارضة.
والوضع الإقتصادي يزداد سوءا، خصوصا على مستوى القطاع المعدني، تحت ضغط الأسعار الدولية للحديد والذهب، وسوء التسيير، وتظهر سمات الإنهيار، خصوصا على مستوى شركة "سنيم"، التي لم تتمكن من التفاهم مع عمالها، كما لم تتمكن من مواجهة سعر الحديد دوليا.
الشعوب حين تشعر بأنها تسير لمصالح ضيقة، ومسيرتها تسير القهقرى، قطعا لن تزدهر آمالها، وإنما ستذبل تلك الآمال، متحولة إلى آلام تقرص.
لقد فشل ولد عبد العزيز منذ إنقلابه الأول الأربعاء 3 أغسطس2005 في إقناع الموريتانيين بأنه وزمرته، حملة مشروع وطني، وإنما ظل الهاجس أنهم طلاب نفوذ وسطوة، وظلت الوقائع تؤكد ذلك، ومازال الموريتانيون في أغلبهم غير مرتاحين، وأوضاعهم المعيشية والسياسية تواجه المزيد من التأزم والقلق، ولعل غياب الأمل في الخروج من هذا النفق المظلم، وسوء الوضعية النفسية لأكثر المواطنين، هو أخطر تحدي يواجهه الشعب الموريتاني في هذه الفترة.
شهدت فترة ما بعد 3 أغطسطس2005، المزيد من تصفية الحسابات، حتى بين الصف الأول من الإنقلابيين.
فخرج أعل سريعا  من دائرة التفاهم والود، على الأقل ظاهريا، وتبعه محمد ولد بوعماتو وسجن بعض الإعلاميين ورجال الأعمال، وتركزت الثروة والنفوذ في يد قلة من المقربين.
بعيدا عن تجسيد مفهوم الدولة والمواطنة المتساوية، أو المتقاربة الحقوق على الأقل.
كل المؤشرات تدل على ضياع آمال كبيرة، أولها العدالة وأقلها الاحترام.
فعندما يسمح للبعض بالتحامل على أغلبية المجتمع، ونعت بعض العلماء بأقذع الأوصاف، ويستخف حاكم البلاد برموز معارضته السلمية، قائلا مستهترا بالسنة النبوية على رأي البعض: "أنا بلا لحية، ولا أكذب". وقادة المعارضة عجزة.
هذا المستوى من الإسفاف، يترجم مدى هبوط درجة الأمل والرجاء في هذا الواقع السياسي الراهن المتغلب.
لا غرابة أن يضيع الأمل، لأن الكفاءة أبعدت وأبدل محلها الغلبة وقانون الغابة، وفضلت المعايير الضيقة العائلية والنفعية، بدل المعايير العامة الشاملة,
ووسط هذا الإنحسار للأمل، بل والآمال المتعددة، كثرت هجرات الشباب إلى الخارج، بغية حياة أفضل، وأصبحوا يتفنون في طرق الحصول على التآشير والإقامات، لأن الوطن ما عاد يسعهم، والأمل ما عاد ينعشهم ويحركهم نحو المستقبل.
ويوما بعد يوم تتضاءل فرص العمل والعيش الكريم، وتتسع للأسف البالغ دائرة الجريمة وصعوبة المعيشة، وسط محيط طارد معتم.
كم صغير في مدرسته ملأ رأسه، وقلبه بصنوف الآمال والطموحات، وعندما كبر وصل إلى هذه الأبواب المسدودة.
ليصبح هذا النظام قاتل الأمل، خصوصا في نظر الشباب والأجيال الصاعدة، أفلا يعتبر هذا النظام حقيق بتحمل جزء كبير من ضياع هذه الأجيال وآمالها؟!.
لقد ضاعت فعلا الكثير من الآمال الحلوة، الجميلة الملحة، وضياع الأمل، حصاده الألم والحسرة والاضطرابات في أغلب الأحيان، أفلا يقر الجالسون في صف الصدارة والحكم، أنهم ساعدوا في تضييع الفرص وساهموا في تغليب كفة الفشل في أهم الساحات والمجالات؟!
إن نظاما يجمع حكامه المال، ينافسون التجار، وعلى حساب أغلبية الشعب المحروم، ولا تهمهم أوضاع الوطن البائس المغدور، لا يستبعد أن يكون قاتلا للأمل، أحرى إن وصف، بأنه مضيع ومعوق حقيقي لتطلعات الناس، وآمالهم المشروعة المتنوعة.
وقد تقاس السعادة لدى الفرد بمقدار تحقق طموحه وأمله، وكذلك ربما لدى الشعوب.
فما بالك بشعوب ضاعت آمالها كلها تقريبا، فما عادت تثق في حكامها، ولا تأمن على غذائها.
وكذلك غياب الأمل في العدل، وقت النزاع والخصومة، فهل يستحق نظاما بهذه الأوصاف أن تعلق عليه آمال شعب بأكمله؟.

21. سبتمبر 2015 - 23:24

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا