ليس من بينا من لايدرك أهمية الحوار باعتباره أداة مسهلة وفاعلة فى مجال تقريب وجهات النظر الفكرية الناظمة لأى مجتمع من المجتمعات بكل أبعاد ها و تنوعها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ويتيح الحوار فرصا كثيرة لكبح جماح التوتر والضغط بل يساهم وبشكل أكبر فى ترتيب الأوليات
من إشكالات متعددة وفق ما تستدعيه الظروف وبعيدا عن التقوقع حول الذات وتجاهل تجاذبات الواقع وما قد يفرزه ذلك من انغلاق وانعزالية، وضغط قد يتحول فى مرحلة من مراحل التراكم إلى انفجار سياسى أو اقتصادى أو اجتماعى كان بالإمكان تفاديه بمنطق الحكمة والتعقل والقراءة الجيدة للأحداث.
إن حالة الجمود السياسى وفقدان أى رابط للتواصل مابين القوى السياسية والمجمعية وصناع القرار وغياب طرف ثالث مسهل لذلك ، لن يترتب عنه سوى مزيد من سوء الفهم والتجاذب السلبى الذى يشغل الدولة والمجتمع عن تطوير افكار التنمية فى المجالات المرتبطة بالحياة اليومية للمواطنيين، ويحد من إشباع رغباتهم واهتماما تهم فى إطار بناء دولة تقوم على العدالة وقيم المواطنة.
ومن المعروف أن الحوار يمنح قدرة فائقة فى مجال التفكير الجماعى الذى تشارك فيه كل الجماعات المنتمية فكريا مما يساهم فى تكاثف الأفكار التى تقود محصلتها فى النهاية إلى بلورة وعى جماعى تنتج عنه خلاصة توافقية تقدم حلولا لكل المحاور المطروحة للنقاش الجماعى .
.
و فى مرجعيتنا الإسلامية ما يؤكد على أهمية الحوار والتشاور مابين الشعوب وما بينها وأولى الأمر منها فقد قال سبحانه وتعالى {أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}، وفى الآية توجيه ربانى لأمة الإسلام بقيادته صلى الله عليه وسلم بأهمية إستخدام مفهوم الحوار والإشارة إلى قيمته فى حياة الناس وفى آية أخرى تنبه على أهمية التشاور ما بين مكونات المجتمع ...وأمرهم شورى بينهم .
إن المسؤولية تقع علينا جميعا فى التأكيد على أهمية الحوار ونشر ثقافته داخل مجتمعنا مهما تباينت مواقفنا من هذ الطرف أوذاك ، حوار يشارك فيه الجميع وبدون استثناء وتطرح فيه كل المواضيع التى تهم كل شرائح المجتمع ومؤسساته المدنية للوصول إلى حلول يرضى عنها الجميع.
فأى حوار لاتشارك فيه كل الأطراف السياسية ستبقى نتائجه محدودة الفعالية والتأثير ولن يكون سوى مضعية للجهد المعنوى والمادى، ولعل التجارب الحوارية السابقة أقوى دليل على ذلك ، فهى لم تساهم بما فيه الكفاية فى جمع أكبر قد ر ممكن من الطيف الساسيى المعارض رغم أهمية نتائجها ورغم ما ساهمت به من حلول سياسية ومن تخفيف للضغط الساسيى الذى عاصر أوج وتد اعيات ما يسمى بالربيع العربى .
لاشك أن الإعلان المتكرر لرئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز وفى أكثر من مناسبة عن استعداده لفتح حوار وطنى شامل ، تتاح فرصة المشاركة فيه لجميع القوى الوطنية من معارضة و أغلبية ومن قوى مدنية أخرى ، هو مبادرة هامة واعية وواقعية جاءت فى وقتها ومن أعلى سلطة فى البلاد ، كان من المهم إستثمارها والتعاطى معها بشكل إيجابى وإخضاعها للمحك الميدانى بدل نسج الكثير من الدعاية والشك والريبة حولها، خصوصا أن كل دعوات الحوار السابقة كانت بطلب من القوى الساسية المعارضة نفسها حتى ولو لم يكتب النجاح لبعضها ،لأسباب عديدة يعود بعضها لوجود أطراف سياسية تتخندق فى أكثر من موقع سياسى داخل الاغلبية والمعارضة ،تحاول أن تفرغ مفهوم الحوار من محتواه السياسيى لمصالح ذاتية أو لتصفية تنازع سياسى فى مرحلة ما ..ولسبب ولغيره..وهو ما سيتدعى دعوة جادة لهؤلاء ومن القوى المدنية غير المتخندقة سياسيا، تحثهم فيها على ضرورة إتاحة فرصة التواصل والتلاقى بين كافة القوى الوطنية فى مرحلة هم أحوج ما يكونون فيها لذلك ..فبالحوار وحده ودون إنتقائية نحل مشاكلنا على جميع المستويات ..لكن الضمانة الأكيدة لذلك تكمن فى مشاركة كل القوى الوطنية إلا من أبى ولأسباب غير وجيهة..فعلى الجميع المساهمة بالدفع بمحركات سفينة الحوار إلى الأمام.. و الوقوف أمام كل من يحاول خرقها من أى طرف من الأطراف ... فالمصلحة الوطنية تقتضى نصيحة الجميع وحثهم على المشاركة فى كل ما من شأنه أن يساهم فى تقريب وجهات النظر الوطنية ومن خلال كل الوسائل المتاحة . .
فلايمكن لأى بلد أن ينهض ما لم يخلق أرضية للتفاهم من خلال التشاور و التحاور و نشر ثقافة الحوار الديمقراطى وترسيخ قيم االتبادل والتواصل والتلاقى المجمعى ما بين القمة والقاعدة ،و بذل جهد جماعى فى دمج كل مكونات المجتمع فى مشروع بناء الدولة الوطنية الحديثة، دون تدابر، وتحاسد ،وتباغض.. ودون أى شكل من أشكال تراتبية المجتمع القديم ، و السعى بمنطق الإجماع الوطنى إلى إرساء دولة تقوم على مفهوم المواطنة الصالحة التى تؤسس لمجتمع العدالة والإنصاف
،مجتمع يؤمن بالدولة الحديثة بكل معانيها ، مجتمع يحترم مفهوم التداول السلمى على السلطة، ويؤمن بأبجديات اللعبة السياسية القائمة على نظام حاكم ومعارضة تراقب ، مجتمع تتغير نظرته تجاه الدولة من مجرد بقرة حلوب إلى نظرة أشمل وأوسع وأكثر مردودية،ويكون معيار الإ ستفادة من خيراتها هو معيار الكفاءة والنزاهة والروح الوطنية وتغليب مفهوم المواطنة على مفهوم ومنطق القبلية والجهوية والعشائرية والزبونية والشرائحية المتفشية فينا بشكل يحمل معه الكثير من التحديات.
.
إن كل المجتمعات تقوم على التنوع، لكنها تمتلك مهارات وقدرات على تسيير تنوعها فى ظل احترتم الخصوصيات .. إنه بالوطنية.. بالتعليم ..بالثقافة ..بالاقتصاد.. بالعدالة ..بالإنصاف..بالتشاور ...بالحوار نحل مشاكلنا.. اللهم قد بلغت ..