لا يحتاج قطاع التعليم إلى تعريف أو تقديم لأنه ببساطة -وكما هو معروف- القطاع الأهم من بين كل القطاعات الحكومية ؛ نظرا لعظم المسؤولية المناطة به ونظرا لحساسية تلك المسؤولية ، فقطاع التعليم هو المسؤول عن تكوين النشء الذي هو عماد المجتمع ودعامة الدولة وحامل مشعلها
في المستقبل وهو المعول عليه في بقائها ونمائها وازدهارها .
ولما كان قطاع التعليم بهذه الأهمية كان من اللازم مضاعفة الجهود من أجل إنجاحه وتحقيق أهدافه المنوطة به ، وبذل الغالي والنفيس وتحديث القدرات وتقديم مثالي الأفكار والتنظير ودعم ذلك بخطوات عملية ثابتة على أرض الواقع ؛لأن الكلام يظل كلاما مهما بلغ به الحسن والتناسق إن لم يدعم بفعال تترجمه واقعا محسوسا.
ولن تخطئ عين المتتبع للشأن التربوي مدى التغيرات التي حدثت أخيرا على قطاع التعليم وتحديدا عند مقدم الأمين العام للوزارة الحالي ؛ حيث ظهرت شعارات جيدة وبراقة كان لها صداها الإعلامي المؤثر ؛مما فتح شهية المحبين لإصلاح التعليم وتقدمه وازدهاره وجعلهم يأملون تحقيق الأهداف التي عادة ما ينتظر حدوثها ويتطلع إليه بعد إطلاق تلك الشعارات ؛ التي أتبع بعضها بورشات تكوينية تفضي إلى مزيد من الجدية وحسن النية وسيبقى التطلع إلى التجسيد على أرض الواقع قائما لأن انتظار إنجاز ماتم الإعلان عنه لن يختفي قبل التحقق الفعلي الكلي لما طاله الإعلان وتناوله الإعلام ، وطبعا كان الإعلان سنة -2015 - سنة للتعليم صدى جيدا واعتبر استهلال خير ؛ لكنه يحتاج إلى خطوات عملية لن يتم التمكن من القيام بها على الوجه الأمثل قبل غربلة الوزارة وتنقيتها من الأورام الخبيثة التي تتغلغل في مفاصل الإدارة المركزية في الوزارة وتنتشر ذيولها الخبيثة في إداراتها الجهوية التي تحتاج أكثر من غيرها إلى إبعاد رؤوس يعتمدون المحسوبية منهجا والزبونية دستورا والمتاجرة تنزيلا ..
لقد نجح الأمين العام الجديد نجاحا إعلاميا كبيرا عندما أتى بفكرة*إطلاق قناة تعليمية* غابت عن من سبقوه من الأمناء والوزراء ، وطبعا لاتخفى أهمية القناة التعليمية من خلال نشر المعلومة المفيدة بسلاسة وتمكين بين اللحظة والحين .
كما يحسب للأمين العام الحالي تفعيل شعار المدارس الجمهورية من أمثلة مدرسة الشامي التي تم الحديث عنها وتناولها الإعلام بخصائص ومميزات فريدة ؛وإن كانت هذه الفكرة سبقتها أخريات قبل مجيء الأمين العام ؛كان لها صداها الجيد وتأثيرها الإيجابي ؛من قبيل مدارس الامتياز ومدارس التكوين الفنية .. وطبعا من خلال مدارس التكوين هذه أصبحت مخرجات التعليم في بلادنا تلامس حاجة سوق العمل ومتطلباتها وإن كان الأمر ما زال في طور النشأة ؛لكن المستقبل واعد خاصة بعد تخرج فنيين تكونوا في مدارس وطنية، وما تخرج دفعة الدكاترة العلميين اللذين تخرجوا من كلية الطب لأول مرة في بلادنا إلا ثمرة ونتاج لهذا التوجه .
كما أن تنظيم التعليم الخاص يعد إيجابيا وتعد فكرة تنظيمه في حد ذاتها سابقة تحسب حسنتها للأمين العام الجديد لأنه هو المتغير الوافد على الوزارة أما الهياكل الأخرى والشخوص فكانت هناك وكانت هذه الأفكار غائبة عنها تماما .. فلم نسمع في الماضي عن فكرة تنظيم التعليم الخاص الذي أفضى إلى إغلاق أكثر من ثمانين مدرسة لم تكن تتمتع بالأهلية القانونية المخولة للبقاء .
كما لم نسمع من ذي قبل باعتماد دفاتر التزامات تخص المديرين الجهويين وتلزمهم باحترام مسطرة الأعمال المبرمجة نقطة بنقطة ومجالا بمجال ؛ الشيء الذي سيضبط الإدارة في المستقبل ويبعدها عن نزوات المديرين والإداريين المتهاونين وأولئك المضطربين نفسيا ..!
ثم إن مراجعة المناهج التربوية والتوقيت التي تم الإعلان عنها ونوقشت نقاطها العريضة في ورشة خاصة انعشها الفنيون يتقدمهم الأمين العام حدث لم نسمع عنه من ذي قبل ولم تجد به قريحة من كانوا يسيرون الشأن التربوي منذ مدة ؛ ربما لبعدهم عن المجال وعدم إدراكهم لحيثياته بتفاصيلها ودقائق أمورها .
وأخير ووصولا إلى ترسيم العقدويين المحليين الذي سبق وأعلن عنه رئيس الجمهورية في إحدى زياراته للولايات الداخلية والذي أتبع لاحقا بإعلان من الوزارة تم سحبه أو إعادة النظر فيه لأسباب قد تتعلق حسب أكثر الروايات انتشارا بالصياغة .. المهم هنا ليس الخبر ولا العقدويون أنفسهم بقدر ما تهم كيفية إجراء العملية إن أريد لها الإجراء حقا .. ترى كيف سيتم هذا الإكتتاب ؟ هل سيتم بمسابقة من أجل الترسيم وفقا للنظم المعمول بها في الوظيفة ؟ هل سيختفي أولئك اللذين تعاقد معهم مديرون جهويون دون شهادات أو بالأصح بشهادات لم يتحصلوا عليها أصلا ..!؟
هل سيتم إقصاء من تجاوزوا الأربعين سنة رغم حصولهم على شهادات وتمكنهم من مستوى التدريس والتمكين لغيرهم من فاقديه؟ وهل سيحرم حملة الشهادات من غير العقدويين واللذين يتمتعون بكفاءة أكبر وشهادات أعلى؛ هل سيحرم هؤلاء من المشاركة والاستفادة من الترسيم في اكتتاب وطني بهذا الحجم؟ ، تجاوزا لكل هذه الأسئلة التي تنتظر جوابا من الإدارة المباشرة ؛ هناك نقاط لا يمكن التغاضي عنها إذا تم اكتتاب العقدويين ، أولها : التكوين المستمر الذي يجعل من هؤلاء اللذين يتشكلون أصلا من ثلاثة مستويات متباينة هي : مستوى أول يتمثل في فئة لها شهادات ولها مستويات تخولها اكتساب معلومات جديدة وهذه تستحق الاكتتاب وينفعها التكوين المستمر ، وفئة لها شهادات لكن بدون مستويات وهذه لا ينبغي اكتتابها في الوقت الحالي لأنها تحتاج جهدا جهيدا وإعادة تدريس وليس تكوين سواء كان مستمرا أو منقطعا ، والفئة الثالثة والأخيرة هي التي تم التعاقد معها دون شهادات أو بشهادات لم تحصل عليها ولا تتمتع بأدنى مستويات فهذه كارثة لا يمكن ولاينبغي اكتتابها بل يتوجب مقاضاة الضالعين في استجلابها والتعاقد معها ؛ ومما لا شك فيه أن العاطلين في الشوارع ممن يحملون شهادات أولى بالتعاقد من هذه الفئة وأولى بالاعتماد والاكتتاب .
إن على وزارة التهذيب إن حدث اكتتاب العقدويين أن تركز على التكوين المستمر من أجل نضج الأداء وعليها تفعيل الرقابة من أجل نجاعة العمل وعليها اعتماد مبدأ العقوبة والمكافأة بشفافية ونزاهة وإخلاص سبيلا إلى تفعيل الدور الإيجابي للتعليم وحصول نتائجه المرجوة .