عندما رفع الإمام عبد الله بن بيّه شعار تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة منذ فترة كان يرى من على البعد الزمني للبصيرة من مآلات الأمور ما لا توفق له مدارك القُصَّرِ في حقول مقاصد الشريعة التي تنبني في جوهرها على استيعاب التحولات و مرامي النصوص الجوهرية و فك رموز جوامع الكَلِم
و تبسيطها للناس و تقريب حياتهم من وسائل الادراك العقلية بلغة المنطق و الفطرة بما تقتضيه من رحمة و حرص على مصالحهم و أعراضهم و دمائهم التي حرمها الله تعالى على العبثية و تنازع البقاء ....
إن تصميم الشيخ على المضي في سبيل نجاة الأمة و انتشالها من براثن التحوير و التدوير و التكوير , جعلت من دعوته خطابا يتردد صداه في كل أرجاء المعمورة لما يحمله من صدق و ما يكتسيه من بلاغة في التصوير و رجاحة في الحجة و نبوغ في الفهم و التعليل .....
- نظرة متفوقة :
من الواضح جدا من كلمة الإمام في قمة الأمم المتحدة ( 29 سبتمبر ) أنه استطاع أن يبرز نظرة عالمة , متفوقة من الناحية العلمية و الفلسفية الاجتماعية لما تعيشه الأمة من خلل يستوجب استعادة ألق القرآن حيث التعاون على البر و التقوى من أجل إطفاء الحريق و إنقاذ الغريق , لأن تلك القيم العدلية تندرج في إطار التركبة الأصيلة للبناء الإسلامي الحضاري الذي أخرج الأمم من جور الأديان إلى عدل الإسلام و من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة , حيث حافظ أئمة المسلمين و علماء الإسلام على صفاء نصوص الوحي الرحبة و قدسيتها عبر التاريخ لأنها الكفيلة وحدها بضمان تحقيق العدل و المساواة و إطفاء حرائق القلوب و النفوس , مبينا شروط مزاولة تلك المهنة التي تعتمد على البحث في كيفية تصحيح الخطأ و تضميد الجراح و ترضية النفوس و صقل القلوب من الضغائن .....
- تصحيح المفاهيم
بين الإمام في كلمة العطرة بعض جهوده التي كان لها الأثر البارز في تصحيح مسارات خاطئة و معالجة مسلكيات مهلكة جاوز عمرها المائة سنة , و مساعيه المباركة في مجال تصحيح المفاهيم كمفهوم الجهاد و مفهوم الدار و مفهوم الولاء و البراء لتكون كما كانت سياجاً للسلام وليست دعوة للحرب من خلال معالجة الذاكرة التاريخية المختزلة في الحروب بتقديم نماذج السلام في التاريخ الإسلامي , حيث تم إنشاء جائزة الحسن بن علي سبط النبي صلى الله عليه و سلم الذي كان له الفضل في إيقاف أول حربية أهلية في الاسلام .
- إزالة المظلوميات التاريخية :
جائت دعوته صريحة للمجتمع الدولي و خاصة القوى العظمي للقيام بمسؤولياتهم في إزالة المظلوميات التاريخية التي تفقد شعوبا حقها في العيش الكريم و الحرية و العدالة الاقتصادية و الاجتماعية و التي في مقدمتها الشعب الفلسطيني و ما يتعرض له من ظلم و تنكيل على أيدي اليهود , مبرزا أن الاسلام ليس دين ظلم و لا يقر ممارسة العنف و لا يباركه و لا ينبني على الإقصاء الديني و لا يشجع التطرف و لا الغلو ...
- بذل الجهود :
و هو يضع إشارات المرور الآمنة على جنبات أكبر مفترق طرق لصناعة القرار في العالم جدد الإمام على ضرورة انخراط الجميع في جهود إحلال السلام في أماكن النزاع بوسائل السلام مبرزا دور العلماء في تحديد علاقة البشرية بالدين كطاقة يمكن أن يستخدمها البعض في الخير و البعض الآخر في صناعة الشر .
و في الختام كان قلب الإمام يخاطب في العالم عدم اليأس من تحقيق السلم مستحضرا الآية الكريمة : (يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف و أخيه و لا تيأسوا
من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون).
كانت كلمة الإمام فارعة و غنية بالمضامين التصحيحية الإنقاذية , حفظه الله تعالى و وفقه لإطفاء الحرق و إنقاذ الغريق .