الغُلُوُ في واجبِ التَحَفُظِ "عِقَالُ" للمَوَاهِبِ / المختار ولد داهي

 المُوظفُ العمومي و الموظف العمومي السامي بالأخص هو أحد أهم رموز و عناوين الدولة و يجب عليه أن يكون في حياته العامة تُرْجُمَانًا لهيبتها و كِبْرِيائِهَا و سُلْطَانِها  و يَحْرُمُ عليه في حياته الخاصة  الوُقُوعُ في شُبُهَاتٍ قد تؤدي  إلي المساس و الانتقاص من  سَمْتِهِ و  عِزَتِهِ و وَقَارِهِ و مكانته

 في المجتمع حتي لا يُؤثر ذلك سلبا علي شرف الدولة و "تَفوُقِهَا" و عَلْيَائِهَا...  كما لا يجوز للموظف العمومي السامي مطلقا  استغلالُ مكانته المعنوية الوظيفية  في أي نوع من أنواع التسويق و الدعاية الفكرية أو السياسية مما تفوح منه رائحة صِنْفٍ م من صنوف "جَعْلِ الأغلال" في أعناق حرية التعبير.                                            
و إلي هذه المعاني تتقاطعُ تعريفاتُ واجب التحفظ المطلوب من كبار الموظفين لدي العديد من التشريعات و النظم  حيث تُعَرٍفُ الأعمالُ الإداريةُ الفرنسيةُ واجبَ  التحفظ بأنه " تحريم استخدام الموظف العمومي  لوظيفته كأداة لأية دعاية كانت..." كما يعرف القانون الموريتاني واجب التحفظ "(...)بالحياد و عدم الانحياز و النأي أثناء مزاولة المهام و في الحياة الخاصة عن  مواطن الشبهات التي قد تَخْدِشُ شرف الدولة".                            
و في موريتانيا  تُهْمَلُ و تُغْفَلُ الجوانب المضيئة لواجب التحفظ  le Devoir de Reserve و لا ينظر إليه إلا من زاوية التضييق  و التعسير علي حرية التفكير و التعبير من خلال استخدامه فَزًاعَة و "سَيْفَ داموقليس" Epee de Damocles-Sword Of Damocles مُسلطا علي رقاب كبار الموظفين السامين و  يشكل عِقَالاً لمواهبهم و إبعادا لهم و تَخْوِيفًا من المساهمة في إثراء النقاش العام حول أمهات  مستجدات القضايا الوطنية؛ و من المعروف أن الوظيفة العمومية العليا هي خَزًانُ و مُستودَعَ الكفاءات الوطنية العالية و " إِخْرَاسُهَا" يعني  ترك مهام " توجيه و ترشيد الشأن العام" لغير الموظفين السامين ممن قد لا يحوزون جميع عناصر  الأهلية من كفاءة و قوة و أمانة....  
و المتابِعُ للمشهد  العلمي و الفكري و الثقافي و الفني بالبلد  مُلاَحِظٌ دون كبير إعمال ذكاء و لا جَهْدِ عناء جَفَافًا  و بَوَارًا و غيابا مطلقا لمبادرات و إبداعات و إسهامات جماعات كبيرة من أصحاب المواهب و الكفاءات العلمية و الثقافية و الفنية  النادرة  المعروفة بأسمائها و وُسُومِهَا  الذين أسكتهم  الانتسابُ إلي الوظائف العمومية العليا امتثالا  لغُلُوٍ عقيم  و فهم سقيم لمبدإ " واجب التحفظ" الذي أضحي أشبه "بواجب الصمت" و "الصومِ عن الكلام  المباح" في الشأن العام؛ و من الموظفين السامين  من يجدُ في ذلك مَنادِحَ عن  إنتاج أفكار  علمية و إبداء آراء فنية  قد تكون |"مُعَاكِسَةً للتيار"  و "غيرَ مُنْضَبِطَةٍ" مع "للتعليمات" و "التوجيهات" العامة.
و يُرْجِعُ أَغْلَبُ  المتابعين المُنْشَغِلِينَ بدراسة الغلو في  واجب التحفظ  في التفكير و التعبير المفروض علي كبار الموظفين ببلادنا  تلك الظاهرة إلي جملة عوامل منها:-
أولا:- طُغْيَانُ رواسب الحكم العسكري الاستثنائي":  من المعلوم أن العقيدة العسكرية قائمة علي الانضباط و "التحفظ التام الأصم" الذي منه ما هو منصوصٌ عليه حرفا في القوانين و اللوائح الناظمة للمؤسسة العسكرية و منه ما هو تقاليدٌ و أعرافٌ عسكريةٌ تَحُوزُ نفس قوة القوانين أو هي أَعَزُ و أَعْتَي و بلغ من أمر ذلك أن سُمِيًتْ المؤسسة العسكرية مملكة الصمت أو "الصُمَاتُ الأكبرُ". La Grande Muette
و نتيجة للفترة الطويلة للحكم العسكري الاستثنائئ في بلادنا  و التي فَرَضَ فيها  تطبيقا و عملا  واجبَ "التحفظ المُغَلًظِ "علي كبار الموظفين المدنيين فلا زالت رواسب تلك التجربة حاضرة بشكل قوي في ذهنية و تقاليد الإدارة الموريتانية العليا  و أحيانا لدي  " السلوك اللاإرادي" للموظف العمومي السامي.
ثانيا:- هشاشةُ  و "كِلْيَانِيًةُ"  "بورصة الوظائف السامية ": يري بعضُ المحللين أن الغلو في واجب التحفظ عائد إلي هشاشة و"كَلْيَانِيًةَ" بورصة الوظائف السامية  و تَغَوُلِ جيوش " المُوردين للأخبار" و  خوف الموظفين السامين من إنتاج أفكار أو إبداء أراء  قد يُسارع أعداء الفكر و الرأي من العاجزين عن الأفكار  الممونين بالأخبار إلي تحريفها و  تفسيرها تفسيرا يتناقض مع ا"لتوجهات الكبري" فيؤدي ذلك إلي التنحية من المأموريات السامية و فقدان الامتيازات المادية و المعنوية العالية.
و  من  الشواهد علي هذا  النوع من " التًقِيًةِ السياسية و الإدارية" ما حدثني به من أثق في عقله و نقله من أن أحد أبرز و أكفإ الأطر العاملين الآن  أمضي سنين عددا في الهيئة القيادية لحزبه دون أنُ يَنْبُسَ بِبِنْتِ شَفَةٍ لا أثناء و لا خارج دورات الهيئة القيادية للحزب فلما عاتبه بعض خُلًصِهِ علي ذلك مُسْتَظْهِرِينَ بأن الحزب شركةُ رأي و من لم يُبْدِ آَرَاءَ كمن لم يُحَرِرْ أَسْهُمًا  أجابهم بأنه في هذا البلد لا أحد يُحاسبك أو يُلاحظ عليك  العجز  أو التخاذل عن الرأي بينما رأيُك و موقفُك مُشَوًهَانِ و مُحَرًفانِ لا محالة و أنت مُعَاتَبُ و مُعَاَقٌب عاجلا أو آجلا  و لو اجتهدت و نصحتَ و أخلصتَ و بالتالي فإنه في "موريتانيا السياسية" التقية و  الإفلاس غالبا سلامة و  الرأي الصادق و الكفاءة  أحيانا  ندامة!!!.
و لعلاج ما هو مُلاحظٌ ببلادنا من ظاهرة الغلو في  التطبيق العملي الإرادي و اللاإرادي لواجب التحفظ  المُسلط علي الموظفين السامين ففي تقديري أَبْلَجِ و مَأْلُوفِ التواضع  أنه تتعينُ مراجعةُ مواد القانون المنشئ للنظام الأساسي للموظفين العموميين و وكلاء الدولة  المخصصة لواجب التحفظ علي الموظفين السامين  من أجل مزيد من توضيح  تعريف واجب التحفظ  توضيحا   يُعزز الرمزية الوطنية السامية للموظف العمومي و  يُغلظ واجبات الحفاظ علي هيبة و كبرياء و سلطان الدولة  ويخفف الأغلال  المفروضة علي حرية التعبير لدي الموظفين السامين و يُزيل جميع رواسب الحكم العسكري الاستثنائي في هذا المجال و يُنْشِطُ المواهب المُصَفًدَةَ للعديد من نبهاء الموظفين السامين من عُقُلِهَا...

7. أكتوبر 2015 - 10:43

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا