الملاحدة الجدد بين الجهل والضياع الحلقة(28) / المرابط ولد محمد لخديم

مفهوم الروح في اليهودية.
          لم يرد أي تعريف للروح في التوراة أو الإنجيل وإنما استعملت بأوصاف أخلاقية ومعنوية مثل الروح الشريرة أي: الشيطان والروح الرضية التي تفرق بين الناس والروح الخفية كالملائكة واستعمل الروح القدس عن الله.
        ويتضح هذا المفهوم بمقارنة بسيطة لما كتبوا في العهد القديم والعهد الجديد؛

        فهم يذكرون روح الحق أو الروح القدس، وتقابلها روح الضلال أو الروح النجس، فإذا كان الروح مصدرا للخير فيقال له: روح الحق أو روح الخير ومثال ذلك قوله في الإنجيل: (روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله) [ إنجيل يوحنا: في الإصحاح: 14، عدد 17].
      وإذا كان الروح مصدرا للشر فيقال له: روح الضلال أو الشر، ومثال ذلك قوله:
       [من هذا نعرف روح الحق وروح الضلال] (رسالة يوحنا الأولى في الإصحاح الرابع، عدد: 6).وقوله:[تابعين أرواحا مضلة] [رسالة بولس الأولى إلى تيموثاوس، في الإصحاح الرابع، عدد 1] وفي لوقا: (لأنه كان رجلا صالحا وممتلئا من الروح القدس) (لوقا, ص1 عدد 15) وفي رسالة بولس الأولى إلى تسالوتيكي: (بل الله الذي أعطانا روحه القدس)[بولس، ص 4 عدد 8].
     وفي مقابل تلك الروح نجد في رؤيا يوحنا: (ومحرما لكل روح نجس) [يوحنا، الإصحاح18، عدد3] وورد في إنجيل متى: (إذا خرج الروح النجس من الإنسان)
     [متى: الإصحاح12 عدد 43]. أما في إنجيل مرقص: (وكان في مجمعهم رجل به روح نجس) [مرقص، ص15، عدد 23]. وفي إنجيل لوقا: (فانتهز يسوع الروح النجس) [لوقا في الإصحاح التاسع، عدد 42].
     وهم يذكرون أن هناك أرواحا ربانية وأرواحا شيطانية نجسة، ففي سفر العدد نجد:
     (ياليت كل شعب الرب كانوا أنبياء إذ جعل الرب روحه عليهم) [سفر العدد، ص 11، عدد 29]. وفي سفر أشعيا: (ويحل عليه روح الرب) [سفر أشعيا، ص 11 عدد 1] وفي سفر رؤيا يوحنا: (إن كان روح الله ساكنا فيهم) [ سفر الرؤيا يوحنا ص 8 عدد 9].
     وفي مقابل ذلك نجد في لوقا: (وكان في المجمع رجل به روح شيطان). [لوقا، ص 4 عدد 33] وفي رؤيا زكريا: (والروح النجس من الأرض). [رؤيا زكريا، ص 13 عدد 2]. وورد في رؤيا يوحنا( فانهم أرواح شيطان) [ رؤيا يوحنا, ص 16 عدد 14].
      فهناك روح الله أو روح الرب مصدر الخبر والسعادة والحماية، وهناك أرواح الشياطين الشريرة النجسة سبب الشر والتعاسة في الأرض.
        وبجانب المفهومين السابقين اللذين يدوران حول وجود نوعين من الأرواح احدهما يمثل الخير والاخر يمثل الشر، نجد مفهوما للروح الصالحة المستقيمة الفاضلة يقابله مفهوم روح الكذب والضلال، ففي مزمور (وروحك الصالح يهديني) [مزمور 143 عدد 10] وفي سفر دانيال (من حيث أن روحا فاضلة وجدت في دانيال) [سفر دانيال ص5عدد 12]
        أما سفر القضاة (فنجد: [وأرسل الرب روحا رديئا بين أبيمالك وأهل شكيم]). [سفر القضاة، ص9 عدد 23].
       ويقرر الكاتب اليهودي إبراهيم الحوراني في كتابه (السنن القويم في تفسير أسفار الكليم) أن العبرانيين اعتدوا أن ينسبوا إلى الله ما يريدون تعظيمه، فهم يقولون في سفر التكوين:(وروح الله يرف علي الماء) [سفر التكوين,ص9 عدد2] والمعني أنها ريح عظيمة كانت ترف علي وجه الماء, وورد في سفر حزقيال مخاطبا بني إسرائيل: (واجعل روحي في داخلكم) [حزقيال ص 36 عدد 27] أي أجعلكم في حياة اجتماعية سليمة، وورد في سفر، أشعيا خطابا من الله لمدينة صهيون قوله: (روحي الذي عليك) [أشعيا, ص 59 عدد 21] أي روح عظيم على تلك المدينة، وورد في المزمور قوله: (ترسل روحك فتخلق ونجدد الأرض) [المزمور: 104 عدد 30] أي ترسل روح حياة منعشة عظيمة.
        وهكذا نرى ان اليهود قد استخدموا لفظ الروح للتعبير عن أشياء كثيرة، تعبر عن معاني في الفضيلة والرذيلة والخير والشر والمسكن، ففي يوحنا نجد (المولود من الروح هو روح) [يوحنا، ص2،عدد 6] وفي رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس نجد (شربوا شرابا واحدا روحيا) [بولس,ص10,عدد 4]. أما بطرس فيقول في رسالته الأولى إلى كورنتوس: (بيتا روحيا) [بطرس: ص 2 عدد 5] أما في رسالة يوحنا الأولى فيقول (أيها الأحباء، لا تصدقوا كل روح، بل امتحنوا الأرواح هل هذه من الله؟ لان أنبياء كذبة كبيرة قد خرجوا إلى العالم ). [رسالة يوحنا الأولى، ص 4 عدد 1].
         ورغم استخدام اليهود لكلمة الروح في معان متباينة متعددة واطلاقها على مفاهيم عامة: كالذى ورد في سفر التكوين مثلا أن الخالق الأعظم خلق الإنسان من غبار الأرض ونفخ في انف الإنسان ليصبح مخلوقا حيا، وما ورد عن كل من سعيد ابن يوسف القيومي (وهو فيلسوف يهودي [882-942]) بان الروح يشكل ذلك الجزء من الإنسان المسئول عن التفكير والرغبة والعاطفة.
         وكتاب (كابالاه) Kabbalah (الذي يعتبر الكتاب المركزي في تفسير التوراة ) الذى قسم الروح الى ثلاثة اقسام؛ (نفيش) (Nefesh) وهي: الطبقة السفلى من الروح وتربط بغرائز الإنسان الجسدية وهو موجود من لحظة الولادة
          روخ (Ruach) وهي: الطبقة الوسطى من الروح والمسئولة عن التمييز بين الخير والشر وتنظيم المبادئ الأخلاقية نيشامة (Nushamah) وهي: الطبقة العليا من الروح وهي المسئولة عن تميز الإنسان عن بقية الكائنات الحية(57).
         فإنهم ولا شك كانوا يدركون مفهوما خاصا للروح وإنها سر من الغيبيات.
         بدليل أنه عندما بعث محمد صلى الله عليه وسلم في قومه وأعلن النبوة ذهب بعضهم إلى اليهود يسألونهم في أمر يمتحنون به هذا النبي صلى الله عليه وسلم فطلبوا منهم أن يسألوه في أمر لم يخبرعنه أي نبي من قبله وهو الروح.
        فلما سئل الرسول في ذلك أمهلهم حتى يأتيه الوحي فإذا بالقرآن يرد عليهم ﴿ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي... الآية"﴾. وهذا ماسنعرض له بحول الله بشيء من التفصيل في فقرة الروح في الاسلام..
مفهوم الروح في المسيحية
        حين اجتمع كبار أساقفة النصارى في العالم في مجمع القسطنطينية الأول سنة 381م لمناقشة أسس عقيدتهم، طرح بطريرك الإسكندرية تصوره لروح القدس، ذلك التصور الذي وافق عليه المجتمعون واقروه عقيدة لهم وللنصارى عموما، وهو الآتي:
       (ليس روح القدس عندنا بمعنى غير روح الله، وليس روح الله شيئا غير حياته، فإذا قلنا إن روح القدس مخلوق، فقد قلنا أن روح الله مخلوقة، وإذا قلنا إن روح الله مخلوقة، قلنا إن حياته مخلوقة، وإذا قلنا إن حياته مخلوقة، فقد زعمنا انه غير حي، وإذا قلنا إنه غير حي فقد كفرنا يه ومن كفر يه وجبت عليه اللعنة) وبمقارنة بسيطة بين نصوص التوراة والأناجيل السالفة الذكر المتداولة بين النصارى فإنك تلاحظ أن للروح مفهوم آخر خلاف ما عرضه بطريرك الإسكندرية! . ومما يؤكد هذا الكلام أن لفظ الروح كان دائرا كثيرعلى ألسنة المجتمع الإسرائيلي(اليهود) قبل عصر المسيح عليه السلام وفي عصره وبعده.. حتى أنهم كانوا يطلقونه على الطعام والشراب والزرع ففي العهد القديم:مثل شراب روحي، طعام روحي، زرع روحي..
         واليك عزيزي القارئ الدليل من نصوص الكتاب المقدس.
ففي العهد القديم:…… يتواصل....

8. أكتوبر 2015 - 12:07

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا