منذ القرن الماضي ومع اكتشاف الإذاعة والتلفزيون كانت هناك أسئلة تطرح من قبيل: هل يصمد الكتاب الورقي في ظل انتشار هاتين الوسيلتين الاعلاميتين الجديدتين؟ ثم تطور العلم لاحقا وبلغ أوج ازدهاره مع انتشار الانترنت ليزداد التخوف ويقود الباحثين لإعادة طرح نفس السؤال بصيغة أخرى:
هل تصمد الكتب والجرائد والمجلات الورقية في وجه انتشار مثيلاتها الالكترونية؟ واليوم ونحن في منتصف العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين وفي خضم الطفرة الالكترونية الهائلة والانتشار الواسع للإنترنت ومع سهولة الولوج لمختلف الوسائط الاجتماعية التي تتيحها أصبح من حق كل الشعوب عموما والعربية منها بوجه أخص أن تبدي تخوفها من واقع انحسار مستوى الاقبال على المطالعة في بلدانها حيث تنتشر الأمية في الغالبية العظمى (الدهماء) ويفتك الخمول والكسل وضعف الهمة بالطبقة المثقفة مما يدعم المقولة الساخرة "العرب أمة لا تقرأ وإذا قرأت لا تفهم وإذا فهمت لا تعمل". ومن المؤسف أن تأتي الاحصائيات لتثبت تلك الحقيقة المرة حيث تقول احداها أن الأوروبي يقرأ بمعدل 35 كتابا سنويا في حين يقرأ 80 شخصا عربيا كتابا واحدا سنويا! بل هناك إحصائية أكثر إثارة صدرت عن اليونسكو تقول: إن الدول العربية أنتجت 6.500 كتابا في 1991 بالمقارنة مع 102.000 كتابا في أمريكا الشمالية و 42.000 كتاب في أمريكا اللاتينية و الكاريبي (تقرير التنمية البشرية لعام 2003/ص.77 من النسخة الإنجليزية)
كما يشير نفس التقرير أعلاه إلى أن نسبة الأمية في البلدان العربية تبلغ 60 مليون شخص من أصل 300 مليون أي ما يعني وجود 1 من كل 5 أفراد لا يعرف الكتابة ولا القراءة.
وحتى لا نتيه في أعماق هذا الموضوع المتشعب يكفي أن نأخذ موريتانيا مثلا فسنلاحظ أن انتشار الانترنت وإقبال الشباب بشكل قد يوصف بالجنوني على الوسائط الاجتماعية كالفيس بوك والواتساب وغيرهما قد أدى إلى فتح باب التخوف على مصراعيه بخصوص مستقبل المطالعة في البلد، فالمكتبات لم تكن أصلا منتشرة بالقدر الكافي وإن وجدت فخالية من الرواد خلاء رفوفها من الكتب ذات القيمة!
رحم الله زمانا أنجبت فيه هذه الأرض رجالا عرفوا بقوة الذاكرة وسرعة الحفظ وتقدير الكتاب والسعي لاقتنائه بأي ثمن... مضوا ولم يبق إلا ذكرهم أو التفاخر بمجدهم دون محاولة التشبه بهم أو تقليدهم في حبهم للمطالعة وعشق الحياة بين الكتب وتنسم عبير غبارها.
أين أولئك من شبابنا اليوم الذين أصبح ضعف القريحة وقلة الحفظ محل تفاخر بينهم بل وأصبح من لا زالت في نفسه بقية أثارة من حب للكتب عرضة للسخرية من أقرانه، لقد صار هم الشباب اليوم وهذا ما يؤسف له حقا منحصرا غالبا في تصفح الفيس بوك والإدمان على المحادثات عبر الواتساب دون إعطاء أبسط جزء من أوقاتهم لمعانقة كتاب أو للإبحار ولو على شاطئ المعرفة. تجاهل وابتعاد عن أهم مصادر اكتساب العلوم يتزايد يوميا وبشكل ملفت وفي غفلة من أولي الأمر جعلتني أكاد أجزم أن الواحد لو أخذ عشرة شباب موريتانيين عشوائيا ووجه لكل واحد منهم السؤالين التاليين: ما هو آخر يوم قرأت فيه كتابا؟ وكم كتابا قرأته في هذا الشهر؟ لتفاجأ بردهم على السؤالين بنفس الطريقة: ضحكة ساخرة يليها جواب صادم!
طبعا من نوافل القول أن نذكر أن التعليم هو الركيزة الأولى للبناء والتقدم، فأمة لا تقرأ لا يمكن أن تنتج أو تقدم أي شيء يجعل الآخر يحترمها في عصر العولمة، كما إن من المسلمات التي يدركها الغبي أن المطالعة هي المحور الأهم في العملية التعليمية وبدون انتشار ثقافتها في المجتمع سيكون من السذاجة انتظار الحصول على تعليم ناجح ذي مخرجات منتجة.
أخيرا مخطئ جدا من يعتقد أن بإمكاننا الاستغناء عن الكتاب الورقي في ظل الطفرة الالكترونية رغم ما توفره الانترنت من بدائل, ومخطئ أيضا من يظن أن الوسائط الاجتماعية قد تكون بديلا عن المطالعة أو مصدرا كافيا لاستقاء المعارف, والخطأ الأكبر الذي يشترك فيه الكل سواء الدولة أو النخبة أن ننتظر مواطنا صالحا واعيا في ظل تعليم فاشل بكل المقاييس إلى جانب تحويل دور الكتب إلى مراكز إحصاء بحجة هجر الناس لها وكذا تجاهل السلطات لكل ما له علاقة بالتعليم وعدم تشجيع الشباب على المطالعة, كل ذلك خلق جيلا من نوع خاص ستكون أفكاره وسلوكياته بل وربما
Le Vendredi 9 octobre 2015 0h27, ouldchagrane mohamed ould chagrane a écrit :
في ظل الطفرة الإلكترونية
منذ القرن الماضي ومع اكتشاف الإذاعة والتلفزيون كانت هناك أسئلة تطرح من قبيل: هل يصمد الكتاب الورقي في ظل انتشار هاتين الوسيلتين الاعلاميتين الجديدتين؟ ثم تطور العلم لاحقا وبلغ أوج ازدهاره مع انتشار الانترنت ليزداد التخوف ويقود الباحثين لإعادة طرح نفس السؤال بصيغة أخرى: هل تصمد الكتب والجرائد والمجلات الورقية في وجه انتشار مثيلاتها الالكترونية؟ واليوم ونحن في منتصف العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين وفي خضم الطفرة الالكترونية الهائلة والانتشار الواسع للإنترنت ومع سهولة الولوج لمختلف الوسائط الاجتماعية التي تتيحها أصبح من حق كل الشعوب عموما والعربية منها بوجه أخص أن تبدي تخوفها من واقع انحسار مستوى الاقبال على المطالعة في بلدانها حيث تنتشر الأمية في الغالبية العظمى (الدهماء) ويفتك الخمول والكسل وضعف الهمة بالطبقة المثقفة مما يدعم المقولة الساخرة "العرب أمة لا تقرأ وإذا قرأت لا تفهم وإذا فهمت لا تعمل". ومن المؤسف أن تأتي الاحصائيات لتثبت تلك الحقيقة المرة حيث تقول احداها أن الأوروبي يقرأ بمعدل 35 كتابا سنويا في حين يقرأ 80 شخصا عربيا كتابا واحدا سنويا! بل هناك إحصائية أكثر إثارة صدرت عن اليونسكو تقول: إن الدول العربية أنتجت 6.500 كتابا في 1991 بالمقارنة مع 102.000 كتابا في أمريكا الشمالية و 42.000 كتاب في أمريكا اللاتينية و الكاريبي (تقرير التنمية البشرية لعام 2003/ص.77 من النسخة الإنجليزية)
كما يشير نفس التقرير أعلاه إلى أن نسبة الأمية في البلدان العربية تبلغ 60 مليون شخص من أصل 300 مليون أي ما يعني وجود 1 من كل 5 أفراد لا يعرف الكتابة ولا القراءة.
وحتى لا نتيه في أعماق هذا الموضوع المتشعب يكفي أن نأخذ موريتانيا مثلا فسنلاحظ أن انتشار الانترنت وإقبال الشباب بشكل قد يوصف بالجنوني على الوسائط الاجتماعية كالفيس بوك والواتساب وغيرهما قد أدى إلى فتح باب التخوف على مصراعيه بخصوص مستقبل المطالعة في البلد، فالمكتبات لم تكن أصلا منتشرة بالقدر الكافي وإن وجدت فخالية من الرواد خلاء رفوفها من الكتب ذات القيمة!
رحم الله زمانا أنجبت فيه هذه الأرض رجالا عرفوا بقوة الذاكرة وسرعة الحفظ وتقدير الكتاب والسعي لاقتنائه بأي ثمن... مضوا ولم يبق إلا ذكرهم أو التفاخر بمجدهم دون محاولة التشبه بهم أو تقليدهم في حبهم للمطالعة وعشق الحياة بين الكتب وتنسم عبير غبارها.
أين أولئك من شبابنا اليوم الذين أصبح ضعف القريحة وقلة الحفظ محل تفاخر بينهم بل وأصبح من لا زالت في نفسه بقية أثارة من حب للكتب عرضة للسخرية من أقرانه، لقد صار هم الشباب اليوم وهذا ما يؤسف له حقا منحصرا غالبا في تصفح الفيس بوك والإدمان على المحادثات عبر الواتساب دون إعطاء أبسط جزء من أوقاتهم لمعانقة كتاب أو للإبحار ولو على شاطئ المعرفة. تجاهل وابتعاد عن أهم مصادر اكتساب العلوم يتزايد يوميا وبشكل ملفت وفي غفلة من أولي الأمر جعلتني أكاد أجزم أن الواحد لو أخذ عشرة شباب موريتانيين عشوائيا ووجه لكل واحد منهم السؤالين التاليين: ما هو آخر يوم قرأت فيه كتابا؟ وكم كتابا قرأته في هذا الشهر؟ لتفاجأ بردهم على السؤالين بنفس الطريقة: ضحكة ساخرة يليها جواب صادم!
طبعا من نوافل القول أن نذكر أن التعليم هو الركيزة الأولى للبناء والتقدم، فأمة لا تقرأ لا يمكن أن تنتج أو تقدم أي شيء يجعل الآخر يحترمها في عصر العولمة، كما إن من المسلمات التي يدركها الغبي أن المطالعة هي المحور الأهم في العملية التعليمية وبدون انتشار ثقافتها في المجتمع سيكون من السذاجة انتظار الحصول على تعليم ناجح ذي مخرجات منتجة.
أخيرا مخطئ جدا من يعتقد أن بإمكاننا الاستغناء عن الكتاب الورقي في ظل الطفرة الالكترونية رغم ما توفره الانترنت من بدائل, ومخطئ أيضا من يظن أن الوسائط الاجتماعية قد تكون بديلا عن المطالعة أو مصدرا كافيا لاستقاء المعارف, والخطأ الأكبر الذي يشترك فيه الكل سواء الدولة أو النخبة أن ننتظر مواطنا صالحا واعيا في ظل تعليم فاشل بكل المقاييس إلى جانب تحويل دور الكتب إلى مراكز إحصاء بحجة هجر الناس لها وكذا تجاهل السلطات لكل ما له علاقة بالتعليم وعدم تشجيع الشباب على المطالعة, كل ذلك خلق جيلا من نوع خاص ستكون أفكاره وسلوكياته بل وربما معتقداته على المحك إن لم ننتبه!