وأما (الروح) فلا تطلق على البدن لا بانفراده ولا مع النفس، وتطلق الروح على القرآن لقوله تعالى: ﴿وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا﴾ (71). وعلى الوحي الذي يوحيه الله سبحانه إلى رسله وأنبيائه:
﴿يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق﴾ (72).
﴿وينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن انذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون﴾ (73).
وأطلقت على القوة والثبات والنصرة التي يؤيد الله بها من يشاء من عباده المؤمنين من ذلك قوله سبحانه وتعالى ﴿أولئك كتب الله في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه﴾ (74). وعلى جبريل عليه السلام:
﴿نزل به الروح الأمين على قلبك﴾ (75). ﴿ونزل به روح القدس﴾ (76) وكذلك على الروح الأنفة الذكر التي سأل عنها اليهود فأجيبوا بأنها من أمر الله. والتي قيل إنها المذكورة في الآيات: ﴿يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون﴾ (77). ﴿وتتنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم﴾ (78).
وكذلك أطلق لفظ الروح على المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام: ﴿إنما المسيح ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه﴾ (79).
وقد تعني الفرج والرحمة ﴿ولا تيأسوا من روح الله﴾ (80). وقد تعني السعادة والمغفرة: ﴿فروح وريحان وجنة النعيم﴾ (81). وأما أرواح بني آدم فلم تقع تسميتها في القرآن إلا بالنفس ﴿يأيتها النفس المطمئنة﴾ (82). ﴿ونفس وما سواها﴾ (83).
وأما في السنة فجاءت بلفظ النفس والروح.
الله في عقيدة اليهود والنصارى والاسلام:
من خلال الآيات السابقة فإننا نجد القرآن يقرر بشأن المسيح عليه السلام بأنه (روح منه) فالمراد بذلك أن المسيح روح عالية قدسية خيرية علوية، وليس هو من الأرواح الشيطانية النحسية الأرضية الشريرة أرجع إلى تفاصيل أكثر في عنوان (مفهوم الروح في المسيحية).
{روح منه} تعني أيضا تبرئة المسيح مما ألصق به أعداؤه بأنه روح شيطانية أو شريرة أو مختل العقل بل روح خيرية علوية قدسية (84).
فالإتيان بكلمة (منه) بعد كلمة الروح إنما هو للإلماع بهذا المعنى اللطيف، وردا على اليهود الذين كانوا يلقبونه (بعلزبول)، أي الشيطان.
فقد ورد في إنجيل مرقص في الإصحاح الثالث، عدد 27 عن الكتبة في وصفهم للمسيح: (وأما الكتبة الذين نزلوا من أورشليم فقالوا إن معه بعلزبول، وأنه برئيس الشياطين يخرج الشياطين).وإنجيل مرقص هذا ورد فيه أيضا في الإصحاح الثالث، عدد 30، عن المسيح عليه السلام: ( أجاب الجميع وقالوا بك الشيطان).
ومن ناحية ثالثة: لرد طعن بعض أقرباء السيد المسيح فيه بأنه مختل العقل، فلم يكن اليهود وحدهم، هم الذين رموا المسيح عليه السلام بما رموه به، بل اشترك معهم بعض أقربائه، فقد ورد في إنجيل مرقص، في الإصحاح الثالث، عدد 21، أن أقرباء المسيح (خرجوا ليمسكوه لأنهم قالوا إنه مختل العقل).
واختلال العقل كان معروفا في ذلك العصر وشائعا عند اليهود، وسكان إقليم فلسطين بأنه اثر من آثار الأرواح النجسة، وشاع هذا الطعن وراجت سوقه بين أعداء المسيح، وتلقاه خلفهم عن سلفهم جيل بعد جيل حتى عصر النبي صلى الله عليه وسلم ونزول الآية السابقة "وروح منه" والنص لقرءاني الذي عبر عن المسيح عليه السلام بأنه (روح منه) هو قوله تعالى: ﴿ يأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم، ولا تقولوا على الله إلا الحق، إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، فآمنوا بالله ورسوله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خير لكم، إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا﴾ (85).
ومن هذا يتضح أن ما ذكره القرآن الكريم عن المسيح عليه السلام بتعبير: "وروح منه" تعني أنه روح خيرية مطيعة لله، لا أن تكون جزء منه تعالى، وإلا للزم أن يكون مقتضى ذلك وحسب الكتاب المقدس أن جميع الأنبياء السابقين والمرسلين (الذين هم أرواح من الله) أن يكونوا أرواح من الله بحكم قول يوحنا في رسالته الأولى بالإصحاح الرابع عدد1 وللزم أيضا أن يكون جميع المؤمنين الذي عناهم يوحنا أجزاء من الله بحكم قول يوحنا السابق (86). في رسالته الأولى بالإصحاح الرابع عدد:6.
وكذلك لزم أن يكون إبراهيم جزءا من الله بحكم قول بني حث (87) السابق ذكره في سفر التكوين الإصحاح 23، عدد 6.
والقرءان لم يقتصر على إضافة المسيح عليه السلام إلى الله بل أضاف إضافات إليه تعالى وكلها إضافات تشريف مثل:
1_ روح آدم عليه السلام: وذالك في قوله للملائكة عنه ﴿وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون. فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين﴾ (88).
2_ـ الناقة معجزة صالح عليه السلام إلى قومه ثمود، وذلك في قوله تعالى:
﴿ كذبت ثمود بطغواها إذ انبعث أشقاها، فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها﴾ (89).
3_ بيت الله الحرام: وذلك في قوله تعالى: ﴿وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفيين والعاكفين والركع السجود﴾ (90).
4_ عبد الله وذلك في قوله تعالى: ﴿ وإنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا﴾ (91).
5_ والخطأ يظهر من إضافة كلمة روح القدس وروح منه إلى الله واتحادها به فالإضافة هنا إضافة تشريف وليست تبعيض (أي جزءا منه) كما يقال عند العرب: ناقة الله وبيت الله...الخ.
فمن المعلوم أنه ليس المراد من ناقة الله: الناقة التي يركبها الله، وبيت الله ليس بالبيت بمعنى البيت الذي يسكنه الله، فروح الله إذا: هي روح من الأرواح التي خلقها الله كما أسلفنا، وأضيفت إليه تعالى لقصد التشريف. وبهذا تكون إضافة الروح إلى الله إضافة أعيان منفصلة عن الله، فهي إضافة مخلوق إلى خالقه، ومصنوع إلى صانعه..
هذا وتبقى الروح من الأمور التي اختص الله بمعرفتها ويصعب على البشر أن يفهموه لأنه اكبر من علمهم وعقولهم ومهما أوتي الإنسان من علم لن يفهم حقيقة الروح، هذا هو السر في المعنى المغتضب: ﴿ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي..﴾.الآية".
فقد ذهب المفسرون بعد ذلك إلى شتى التفاسير فمن قائل إن هذا الرد معناه:
نهي المسلمين عن الدراسة والعلم بهذه القضية بينما ذهب الأكثرية أنه لم تنص على القول: "قل الروح من علم ربي" , بل نصت ﴿من أمر ربي﴾ والفرق بينهما كبير ومع هذا فقد الفت عشرات الكتب عبر العصور مثل الروح لابن سيناء وكتاب الروح لابن القيم.. الخ...يتواصل...