نحن و صناعة الرموز / المختار ولد أعبيدى

الرمز هو تلك المرجعية التي تمثل الفئات و الجماعات و تتجسد فيه مبادئها و هو الترجمة الحية للعقل الجمعي لجميع أفرادها فهو كالإطار الجامع لمركب الأفراد و الأفكار و التكوينات

من معالم أزمة الهوية البارزة في واقعنا المعاش ظاهرة الرموز و القدوات الوهمية و التي خدع بها الكثير

 من أبنائنا حيث تم تقديم شخصيات وهمية من أنصاف أو معدومي الكفاآت في تخصصاتهم و تصديرهم للمجتمع على أنهم أصحاب الفكر و الثقافة و الإبداع بواسطة تلميعهم إعلاميا لتحقيق أهادف أولها : التشويش على الكفاآت الحقيقية و إقصائهم من المشهد السياسي و الثقافي لأن الأكفاء سيبحثون عن أمثالهم و يفسدوا سياسات المحسوبية و المصالح التي تتصالح على حساب المصلحة العامة للوطن و أفراده.

ظهرت موجة جديدة من صناعة الأوهام في المجتمع الموريتانى خلال السنوات القليلة الفارطة، و في هذه المرة تم صناعة أوهام متجسدة في شخصيات من داخل هذا الوطن و لأن الأكفاء هم بمثابة رعب لكل بيئة يعشش فيها الفساد في أي زمان و مكان فقد أثبتت التجربة أن الدول التي أرادت التقدم أعتمدت على أكفائها من الوطنيين، فهم الوحيدون القادرون على تغيير القيم المجتمعية من خلال أدائهم المهني، و عِلمهم، و إبداعهم  فكان نتاج هذه الأوهام من أطلقوا عليه المؤلف أو الشاعر أو الناشط السياسي أو المفكر الى آخره، ليكونوا أبواق لتمهيد الأوطان لأفكارهم و مخططاتهم و زرعها في عقول البسطاء.

و أخطر ماتشهده موريتانيا الآن هو وصول بعض هذه الشخصيات الوهمية لتولي مناصب في الدولة لها علاقة بتشكيل الوعي الجمعي للمجتمع الموريتاني أما ما يخص الجانب السلبي و الخطير في هذا المشهد هو إستعانة هؤلاء الأوهام بأنصاف و معدومي الكفاآت و تسكينهم في مؤسسات الدولة كما حدث معهم في ظل أنظمة أخرى.

و اللافت للنظر في هذه القضية هو أن أغلب الرموز الوهمية التي صنعتها الأنظمة السياسية السابقة أنضمت و بشكل مفاجئ مع الرموز الجديدة ذات الأهداف المشبوهة، و ليس هناك دافع لذلك إلا أن الرموز الوهمية القديمة، و التي تجاوزت السبعين من أعمارها الآن تحاول الإستمرار في المشهد الآني تحت مظلة أي تحالف لتحقيق بعض المصالح الشخصية الصغيرة.

إنه لمن المحزن حقاً أن نرى بعض شبابنا و قد ذهبت بهم رياح الوهم ذات اليمين و ذات الشمال فمنهم من تم استئجار عقله ليصبح مجرد سهم في كنانة هؤلاء يرمون به متى شاؤوا، أو يصبح عود ثقاب يشعلونه متى شاؤوا و يطفئونه متى شاؤوا، و في أحيانٍ كثيرة يصبح الشاب مجرد تابع مسلوب الإرادة و الحرية يدافع عن هذه الرموز بكل ما أوتي من قوة سواء كان ما يقولونه صواباً أو خطأً

و مما لا شك فيه أن الفراغ الذي يشعر به الشباب و السلبية التي يضج بها المجتمع و اللامبالاة التي يُقابلون بها من قبل مؤسسات الدولة، كل ذلك يسهم بشكل أو بآخر في أن يكون هؤلاء الشباب لقمة سائغة تتصارع على إلتهامها التيارات المختلفة و المتصارعة، و يصبحوا وقوداً لتصفية الحسابات و يقعوا أسرى تحت سطوة و وهج هذه الرموز المُضللة

و لعلكم تشاركونني الرأي في أن مسؤولية صناعة الرموز الوطنية تقع على كاهل المجتمع بأكمله أبتداء من الأسرة الصغيرة و أنتهاء بمؤسسات المجتمع المختلفة، إلا أن العبء الأكبر من وجهة نظري يقع بالدرجة الأولى على الدولة بكل وزاراتها و مؤسساتها فالإستفادة من قوة التأثير و الجذب الذي تتميز به وسائل الإعلام المختلفة و الإستعانة بالقدرات الفنية و الإبداعية في خلق رموز وطنية مشرفة في جميع المجالات و إبراز هذه الرموز عبر وسائل الإعلام المختلفة بطريقة شيقة و محببة و من خلال حملات إعلامية منظمة و مرتبة سيكون له كبير الأثر على كافة أفراد المجتمع و على فئة الشباب على وجه الخصوص مما يؤدي إلى ملء الفراغ الذي قد يسببه غياب مثل هذه الرموز لدى الشباب كما أن وجود الرمز في حياة كل شاب سيفضي إلى إحتواء هذا الشاب و إبتعاده عن التأثر بأية رموز أخرى

 

17. أكتوبر 2015 - 16:14

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا