هناك قناعة راسخة أنّ صاحب القصر الرمادي يصدر نوعين من القرارات ؛ أحدهما أوامر عسكرية لا تحتمل النقاش ولا التأخير؛ وإنّما الانصياع والتنفيذ؛كالحالة المدنية ؛ومشروع اظهر؛ وتزويد مكطع لحجار بالمياه؛ وإفشال إضراب اسنيم.
وهناك نوع آخر من القرارات يصدرها؛
لا يريد منها إلا الاستهلاك المحلي ؛ والمزايدة السياسية؛ والخوض فيه لا أكثر؛ حتى يشغل الرأي العام ويلهيه في أماني وأحلام؛ لا طائل من ورائها سوى التسويف والتمني؛ وإن شئت مثالا؛ فالحوار السياسي بين يديك ؛ وتزويد ساكنة مدينة كيفه بالمياه؛إنّه وعد ما زال في خبايا الغيب.
يضارع هذا النوع الأخير من القرارات؛ القرار الذي صدر في حق 2015؛ واعتبارها سنة للتعليم ؛فهو قرار لا يراد منه الانجاز ولا التنفيذ؛وإنّما يراد منه الفرقعة والتطبيل.
ولذا تلقفته الوزارة بخفّة ولعب ؛وقذفته بقنابل صوتية ؛ كان أوّلها قرار إعادة المعارين ؛الذي دخل تنفيذه في غيبوبة؛ بعد طبخه في الاعلام واستهلاكه.
واليوم شرعت الوزارة مع افتتاح السنة الدراسية في تفجير قنابل صوتية جديدة؛ كان من بينها تجميع بعض المدارس داخل العاصمة وخارجها ؛ بدعوى الإصلاح ؛ وهذا إجراء أقلّ ما يقال عنه أنّه إجراء تقشفي ؛ سوف يدر فائضا على خزينة الدولة .
وهذا عمل جبار؛ إذا كان هذا الإجراء في محلّه ؛ لكن البعض يستغربه؛ لأنّ خزينة الدولة في غنى عنه؛ حسب البيانات الرسمية؛ بل يزداد البعض حيرة ؛حين يرى ملايين تصرف على مديرين؛في قطاعات أخرى؛ كالتنمية والصحة والمياه والطاقة؛ وهؤلاء غالبا لا يسيّرون أكثر من خمسة أشخاص ؛في حين يزداد الضغط على مديري التعليم ألأساسي بدمج مدارس كبرى.
إنّ إجراء تجميع المدارس في المدن الكبرى إجراء تقشفي صرف؛ ومحلّه من الإعراب في القرى والبوادي؛ لأنّ جلّ مدارسهما سياسية متناثرة؛ فهو حينئذ قرار صائب؛ يستحق شهادة براعة ؛ ويستحق التهليل والترحيب؛ لأنّه فعل صحيح سلم من حروف العلّة؛وذاك هلال ننتظره أن يهلّ؛ ونخشى غمام الوجاهة ؛ونفوذ العائلة ؛الذي يغطي الأفق؛ أن يحجب رؤيته.
مشكل التعليم في بلدنا؛ يكمن في غياب الإرادة السياسية الصادقة؛ لدى القصر الرمادي؛ الذي يخشاه ؛ وإن فتشنا عن هواجس هذه الخشية :
ـ فسوف تجدها في البزّة العسكرية فهي تهوى دائما الاستبداد ؛ وتعليم جيد لا يخدم مقاصد حكمها ؛ وإن كنّا نستبعد هذا الطرح.
ـ وسوف تجدها في القصر الرمادي؛ الذي يخشى التعليم ؛ لأنّه يختزن الطبقة الواعية من المجتمع وهي القوة الوحيدة التي باستطاعتها أن تشعل الشوارع؛ بالمظهرات ؛ في حالة المساس بمصالحها؛ وهي مصالح أغلبها مبني على مفاسد؛ لكنّنا أيضا نستبعد هذا الهاجس.
ـ وقد تجدها في نياشين العسكري الذي يخشى الافركفونيين ؛ فأيّ إصلاح لا بدّ له من المرور بتعريب المواد العلمية ؛ وهذا خط أحمر عندهم؛فآثر السلامة على إصلاح التعليم.