لم يكن الشاطئ الموريتاني الممتد مئات الكيلومترات أكثر من ملعب لا حكم فيه لفرق لا تهتم لقوانين اللعب، تسوده الفوضى العارمة ويخيم عليه التلاعب بالمقدرات، ولا تعني الوطنية والصالح العام فيه شيئا لممتهني الصيد من مواطنين وأجانب.
وضعية بالغة السوء كانت كفيلة بأن يرفض
أي شخص طبيعي أن يزج بنفسه في معترك إصلاحها، إذ يقتضي الأمر عقودا من الزمن بجهد مضاعف وميزانية تربو على ميزانية الدولة الموريتانية، وتعبئة يشارك فيها خبراء اجتماعيون ومختصون في علم النفس.
كان على الرئيس الموريتاني أن يكون دقيقا في اختياره، فالأمر يحتاج إلى خبير فوق العادة، تمتزج فيه الخبرة بالوطنية، وقوة الشخصية بالتواضع، والشدة باللين، والترفع بالبساطة.
نظرة ثاقبة من رئيس يتقن فن اختيار الرجل المناسب في المكان المناسب كانت كفيلة بوضع اليد على رئيس سلطة التنظيم آنذاك السيد الناني ولد اشروقه الذي أخرج لتوه السلطة من أزمات خانقة كادت أن تعصف بكينونتها، ليوليه المهمة شبه المستحيلة، "إصلاح ما تبقى من قطاع الصيد".
كان على الوزير الجديد أن يكون حازما في اختياراته، حاسما في قراراته، بعيد الرؤية، مغمض العينين عن كل ما من شأنه تعكير صفو عمله، مفتوح العينين على كل ما يمكن أن يقف دون نجاح مهمته، وهو بالفعل ما اعتمده السيد الناني ولد اشروقه في إدارته للوزارة.
استلم " ولد اشروقه" مهامه كوزير للصيد وكانت بداياته بالإنصات لكل رواد الميدان دون استثناء وتدوين مقترحاتهم وآرائهم وأخذها بعين الاعتبار، والوقوف الميداني على مجريات العمل، وتكلل ذلك الجهد برسم خارطة عمل من شأنها التخفيف بداية من حدة الفوضى والعشوائية في الصيد.
ولاحقا سنت الوزارة قوانين كفيلة بالقضاء دون أضرار جسيمة على ظواهر عدة من أبرزها الاحتكار الذي كان سائدا آنذاك لكل منافع المحيط من طرف أشخاص يعدون على أصابع اليد وتم تطبيق سياسة المحاصصة ليحصل كل مواطن موريتاني على نصيبه من أسماك بلده دون حيف أو جور.
عدالة التوزيع للثروة السمكية كانت ضمن أولويات سياسة وزير الصيد، وهو مانتج عنه مشروع السمك في كل بيت موريتاني، فأنشئت لذلك الغرض مؤسسة مستقلة " الموريتانية لتوزيع الأسماك" تعنى بتوزيع الأسماك وبيعها بثمن رخيص حتى يكون بإمكان كل موريتاني الحصول على نصيبه من الثروة السمكية لبلده.
وكان قرار إعادة النظر في الاتفاقيات الدولية غير ذات الجدوى على الدولة الموريتانية من بين أبرز الخطوط العريضة التي وضعها وزير الصيد السيد الناني ولد اشروقه نصب عينيه، فتكللت مفاوضاته العصيبة مع الأوروبيين بالنجاح،رغم ما مورس ضد الدولة الموريتانية من ضغوط كانت كفيلة بارتمائها في الحضن الأوروبي بشروط الأوروبيين.
غيض من فيض من إنجازات وزير يستحق جهده الثناء، ليكون مثالا يحتذى به بين رفاقه من وزراء الحكومة الموريتانية.