كان من المفترض أن تسعى الحكومة في تجنبِ هذه الأزمة السياسية بفتحها باب المشاركة التي تمليه قواعد عملية الديمقراطية والتي تعتبر المسعى الأول والأساسي لكلِّ الشعوب حسب ما هو بينٌ وحسب ما فرضه المنتصر والمتقدم الغربي على كافة الشعوب الخاضعة له ، وأن نبني الدولة بجميع
السواعد الوطنية ، كي لا يبقى هناك مجال لقيل وقال ، صحيح أن النظام منتخب بغض النظر عما قبل انتخابه بأيام وصحيح أن نزاهة الانتخابات شاد بها جميع المراقبون واعترف بها جلُّ المشاركين المنافسين ونُصب الرئيس المنتخب ، لكنه نسيّ جميع الأطياف المناوئة والمعاهدة والمؤيدة الأخرى ودخل القصر الرمادي هو و زمرته وسادوا دون الآخرين وسيَّروا الأمور بمفردهم ، وعلى ذلك الأساس تفاقمت الأزمة الساسية وعشناها إلى حد اللحظة ، وهذا شيئ لا يجب السكوت عنه والقبول والتفويض له لأننا لسنا في دولة بولسية ولا في دولة مكيافلية ولا في ظل حكم استبدادي ، نحن نسعى إلى تجسيد حكم الشعب الذي حدده الفلاسة سابقا في إطار من التعاقد الاجتماعي يتنازل الأفراد بموجب ذلك التعاقد عن جزء من حرياتهم لصالح السلطة التي تحفظ الأمن وتضمن الإستقرار والازدهار ولم تبقى هذه السلطة مع تطور الديمقراطية وتطور فكر الشعوب حكرا على المنتصر ، بل أصبحت تشاركية يشارك فيها المنتصر والمهزوم على حد سواء وإن كان المنتصر هو الأعلى فالمهزوم فاعل ومشارك وناقد ومقوم في الوقت ذاته ، وحدد الفلاسة جميع هيئات ذلك الحكم ومؤسساته التنفيذية والتشريعية والقضائية ، ذلك ما تسعى له بغض النظر عن عيوب ذلك النظام والشوائب التي لصقت به من جراء استخدام الغرب له واعتماده بعد عصر التنوير وتراجع الدور الكنسي وإبعاد الدين عن السياسية كوسيلة رئيسة في تحقيق الحرية والمساواة وجميع المعايير التي نادت بها الثورة الفرنسية .
ليس النظام الموريتاني الحاكم الذي أقفل عليه الأبواب وسيطر دون العودة لمُشاركية وليد صدفة بل هو نتيجة لتراكمات متلاحقة ـ خلفها السلف للخلف ـ حفيلة بالأطماع والأوزار والتسلط والتجبر حتى فسدت المؤسسات وفسد الشعب وكادت المعايير الأخلاقية تموت لولا فضل الله علينا ،
نحن شعب اعتاد الزي العسكري وسلم لهم الأمر في الرئاسة والحكم ، كل ما جاءت لجنة أو مجلس كفر ماضيه وكفر أهله ووعد بفتح السماء ذهبا وملإ الأرض وإحكام العدل والحرية والمساواة ، والنتيجة غالبا ما تكون عكسية .
وحتى لا نظلم النظام الحالي فقد أنجز الكثير مما وعد به واستطاع أن يبني جيشا متماسكا قويا ,وإن كان يجب عليه أن يبتعد به عن السياسة وشؤنها وخصوصا أصحاب النياشين الكبرى "الجنرالات" الذين اعتدنا تحركاتهم طلبا للدعم للرئيس وحزبه منذ أيام ولد الطايع إلى حدود الساعة وانتخابات 2013 ، كما استطاع أن يعيد الهيبة للدولة من خلال ضبط مؤسساتها والقضاء على الفساد فيهم وتشيد مشاريع كبرى لم نعتد عليها في السابق .....
لكن المأخذ الرئيس عليه هو إهماله للنخبة الساسية المعارضة والمناوئة على اعتبار أنها أصل الفساد ونسى الرئيس أن الذي لعن وأقرّ عليه بالفساد هو نظام ولد الطايع الذي حكم لأزيد من 20 سنة كما نسى أن زمرة الرئيس السابق المخلوع "ولد الطايع" والتي هي أصل كل شيئ لعنته معه عندما غادر عنها مخلوعا وخلعت جلباب الولاء له ولبست ثوب الطاعة والولاء للمنتصر الجديد " ولد عبد العزيز" الذي رحب بالكثير منهم واعتمد عليهم وعينهم ضمن الكوادر التي اعتمد عليها من أجل محاربة الفساد وبناء الدولة الحقيقية .
كما نسى أن الذي عارض في هذه النخبة أو الطيف أغلبه انضم لحزب تكتل عند انقلاب 2005 ظنا منه أن السلطة ستأول إلى أحمد وأن العسكر المنقلبون سيدعموه ، وتكتل منذ ذلك الحين في صف المعارضة ولم يكن منه ولا من اعضاءه ما يثير الانتباه ويؤكد زعم الرئيس أن الفساد في المعارضة المتشدده .
ولستُ هنا مدافعا عن أي من الطرفين ,إنما الأمر لا يتجاوز كونه مناقشة وسردا لأحداث كان يجب ألا تزور أو ألا يتعاطى معها النظام ولا المعارضة بكشل سلبي .
ما يجب على الدولة فعله هو الاستجابة لحوار وطني شامل يضم كافة الطيف السياسي ، كما يجب عليها إعادة هيكلة المؤسسات الحزبية وتقليصها كي تستطيع المشاركة بشكل فعال ، فمعروف أنه ومن وحي طابعنا الخاص هناك أحزاب وهيئات مدنية مجرد حبرا على ورق لا مسؤولين ولا قمة ولا قاعدة وإنما المستفيد من الترخيص شخص واحد ، وكأن السيبة التي أطلقت وانتشرت قديما في هذه الصحراء مطلوق لها العنان من جديد بثوب آخر ومن مورد واحد هو الدولة بدل الصحراء والمراعي ونهب الحيوان والغزو وغير ذلك ...
وليس من أجل سُمعت النظام التي فسدت ويريد إنقاذها بتنظيم الحوار السياسي " يجب إجراء حوار سياسي " وليس من أجل مصالح المعارضة المشبوهة والمشوهىة في المشاركة والتمثيل يجب إقامة "حوار سياسي شامل "و ليس من أجل هذا ولا ذاك ولكن من أجل الوطن ، ومن أجل الشعب المورياتي ، والتركيز على عجلة التنمية والدفع بالأوضاع الاقتصادية والتروية للبلد.
فيجب على المسؤولين في الطرفين السمع ومد اليد من أجل الوطن إن كانوا يعتبروه وطنا بالفعل وإن كانوا يحبونه كما يزعمون ، لا أن تنجر المعارضة تحت رأي زعيمها المستبد بطبعه عليها وعلى حزبه تكتل "أحمد ولد دداه" فقد تبيّن أنه سبب عرقلة كل نظام وكل أمر في المعارضة ، كما يجب على النظام حفظ ماء وجهه وإعطاء الفرصة لكافة الموريانيين من أجل الحبيبة التي تسمى "موريتانيا" وشعبها الوادع الأمين.