أين هي أحلام الشباب؟ أين تطلعاته المشروعة لغد أفضل؟ أين العالم الوردي الذي لا تخشى فراشاته أن تعانق النسيم دون أن تقتنصها خفافيش الظلام؟ أين حرية العصافير-الشباب في أن يبسطوا أجنحتهم تحت خيوط الشمس بلا قيود؟ أما تزال التعيينات والترقيات محض وساطة؟ ومن من ...؟
من صديق ومن موال ومن حزبي ومن حبيبة أليس كذلك؟ ...
شباب اليوم ليس كشباب السنوات الخوالي، فهو في مصيف العمر، وبلا أمل، يحتاج لكي يساير الركب الجديد إلى ولادة جديدة، تغير من قدره كله، فيصبح قريبا للديكتاتور ابينوتشي، ذلك الجبار المارد، الذي سرق سماوات الأحلام والرؤى، وجنا على ثنائية الحياة، فصار عهده بلا مواربة عهد استرقاق واسع النطاق، عهد بؤس، ودموع، لا فرح فيه ولا مرح.
يقف شبابنا أمام عرش الموت بدموعه الخرساء، وكله أسى، فإشراكه واشتراكه في صناعة القرار، وفي التنمية المستدامة هو كذبة توازي أكبر سماء، إذ بالعكس، ما حصل هو العكس تماما، لقد ضاعت موريتانيا، وخرجت عن السيطرة، بيعت، لعب بها القمار، سقطت في أحضان المومسات، وصارت بمثابة منحة إلهية للرئيس المنقلب، ولطرابلسية حرمه، وما لم ينهب خاما من مقالع الحديد، وما لم ينهب ابتزازا، نهب في طيبة أرومة المحيطين، وفي هدايا وقرابين عشاقهما، والمتصوفين فيهما، لقد أهدى مخذولو موريتانيا -موريتانيا الجديدة والقديمة معا- إما للأمير ولأمراء الظل من أسرته، وإما لحرمه ووالدها وطرابلسيتهما، وتم حفظ الأموال في المغرب والإمارات والسعودية وفرنسا مساعدة للشباب، وتكريسا للشفافية.
لم يبق للشباب من مستقبله وماضيه وحاضره إلا الوجع، الذي لا دواء له، وكل الذين أملوا خيرا في العزيزية والتكبرية تفاجأوا بمحنة الواقع، واكتشفوا أنهم طاروا من البداية من قمم شاهقة بأجنحة متكسرة، وأن ارتطامهم بالأرض سيكون مزلزلا ومدويا، ولا غرابة بزيادة منسوب الانتحار، والاجرام الانتحاري، الذي يرتكبه أصحابه بدون اكتراث بالعواقب، ومن أمثلتها أن ترى سرقات فساد كبيرة، في وقت يعرف فيها السارق أن النظام يتعبد في محراب الدنانير والأواقي، وأنه سيمثل به حيا، ولن ترجع أمواله للخزينة غالبا.
لقد بدأ الشباب يغير أفكاره حول الديكتاتورية الراهنة، الديكتاتورية الجائعة إلى المال والهدايا والسبايا، والخدم والحشم، الديكتاتورية المتعطشة للجبروت و"النهبنوت" و"السلبنوت"، وامتلاك البنكنوت، الديكتاتورية التي جعلت الوطن قبرا لأبنائه، ورسمت على الوجوه خرائط اليأس والأسف اللعين، كما انتشرت في عهدها السخرة أيما انتشار، كما هو حال معظم الشباب العامل في حقل الصحافة، حيث لا حقوق، ولا أجور، ولا حماية من الدولة، وحيث يقتصر دعم الإعلام على أزلام المولاة، وعلى أبواق التطبيل والتزمير، الذين فشلوا في مهمتهم الدنيئة في الذود عن حمى "مملكة تيبه"، وفقدوا ماء وجوههم الناضبة أصلا من أجل فتات، لا يسمن ولا يغني من جوع، وهكذا معظمهم يبدو نحيلا شاحبا مريضا على خديه طوابع اللعنة، وأمارات الخزي والخذلان.
بدل الشباب وغير أفكاره لما تكاثر في البطالة، والفقر، والأمية، والجوع، والحرمان، في دولته المزعومة، في مشاريع صندوق الإيداع والتنمية الوهمية، ووكالة تشغيل الشباب الغائبة، ووزارة الشباب المسلوبة المغلوبة، التي ستتنازع الصلاحيات مع المجلس الأعلى للشباب، الذي يشبهها في كونه مؤسسة يتجلى عجزها قبل بلورتها، ولا شك أن عامل الوساطة في اختياره كان كعامل الوساطة في أزقة وزارة الشبيبة، تلك الوساطة التي تعطل العمل الإداري الموريتاني ككل.
لا غرو يا حبيبنا –آمون العظيم- إن ناح الشباب، وبكى، واشتكى، هذه ليست الحياة التي وعدتنا بها مرتين مما انطبق علينا نحن الشباب، مرة حين صرت رئيس الفقراء، ونحن فقراء كلنا، ولم نجدك، ومرة حين اجتمعت بالشباب، وغنيت لحن الشباب قبل وأثناء وبعد الحملة الرئاسية، والشباب حتى الساعة لم يجدك، ولعلنا نغنيك لحن الماضي، وأغنية كوكب الشرق "إن كنت ناسي أفكرك".
ماذا ستقول يومئذ لمن لم تلده الخالة؟ ماذا ستقول لمن لا يقرب بشيء للحبيبة الزوجة، والحبيبة العشيقة؟ ماذا ستقول للذين لا يمتشقون غير شهاداتهم وكفاءاتهم سيوفا لقتال الزمن؟ ماذا ستقول لمن لا يعرف "الزيدانية"، ولا يتقن نقيق الضفادع في مستنقع الموالاة؟ ماذا ستقول لساكنة آدوابة التي سلبها شقاء زمنك الأمل فيما بعدك؟ نعم ما بعدك ... ستذهب ككل الجبابرة.
إن كنت لا ترى حالة الشباب، فإنه في عهدك الكريم يعيش في تابوت، والأنس الوحيد الذي يأنسه هو أن تكون تلك التابوت متوجهة في عالمها توجه تابوت موسى-عليه السلام-، بحيث يكون فتحها على ضفاف قصرك الناعس بداية ارتحال الظلام، ونهاية فصل من فصول الفرعونية، لقد بدأ جبروتك يترنح، والعواصف عند الله، والمظلومون تتعالى صيحاتهم.
وبين قوسين: لقد وجدت نفسي مرة في العهد الراهن عضوا بارزا في حزب الاتحاد من أجل نهب جنازة الجمهورية، وعجبت مني أنادى عضوا في شيء لست منه، وسألوني القاء محاضرة عن إنجازات الرئيس، فقلت: من أنا هنا؟ وماذا سأقول؟ ونصحني رئيسي الذي لا يعرفني، ولا أعرفه بأن لا افعل شيئا يذكر، وأن لا أقول شيئا يذكر، وسأجد نفسي في الأعلى، يا لها من مسخرة، ادعيت أني محموم، وتخلصت من الورطة.
كل الوزارات وكل الصفقات وكل الكليات والجزئيات بالوساطة، والقرابة، تابع عزيزي، وسترى بالعين أبالسة الجحيم يتراكضون إليك، ويضجون فرحا بمقدمك، وسننتزع ذهبنا وحديدنا وقصورنا وكرامتنا ووجودنا من سفر حكايتك.
إن الشباب يعي حجم الفراغ من حوله، يعي أن الوزارات ومنها وزارته مرقومة لمن يجد اتصالا، من لائحة المائة التي نهبت الوطن في عهدكم، فثمة عالم الدنس، وأخطبوط من الشبكات الآثمة، يعلق فيه كل من لا يجد وسيطا، وكل من لا يجد خدا أسيلا، يشتري منه العشاق طهارته بالثمرات المحرمة، المنهوبة من مال الشعب.
يئس الشباب وحق له ذلك، وهو يرى رسو مزادات المدارس على واجهة السيدة الأولى، على أشهر سماسرتها، وازداد الشباب حنقا لما طالعه الإعلام المحلي على خبر مليارات السيدة، التي انشأت هيئة الرحمة-النقمة من أجل إنقاذها، واستجلابها من فرنسا، وكم كان الشباب مستاء، وهو يطالع في الأخبار قصة صراع أمراء الظل، حيث يقوم القصر بقص أجنحة ابن الخالة، من أجل إنبات ريش الإبن، في مشهد سادي عادي ومألوف، مشهد من صراع محتدم على نهب الفقراء، وكم استاء الشباب، وهو يطالع العدالة الأجنبية تستمع لمقربين من رأس النظام، حول كوارث فساد، صارت تكتسي طابع العالمية، واستاء لما رأى وزارة العدل يتهاوى عدلها تحت سنابك خيل مافيا المخدرات، لكن الفقراء يفهمون لماذا يستطيع المال في عهدكم هزم المبادئ والشرف والأيمان المغلظة؟ ... أو ليست وزارة العدل نفسها مسرحا من رأسها إلى أخمص قدميها للوساطات "والأقربية" .. من واصل عن طريقكم، وواصل عن طريق صهركم؟ ...
لكن الشباب المستاء فرح بعزوف المتقاعدين عن حرب اليمن لما طالع النبأ، وأعجبه تبريرهم لعزوفهم بأنهم لا يريدون أن يستشهدوا في بلاد لا يعرفون تضاريسها، ولا يريدون أن يسقطوا شهداء من أجل عافية جيوب المسؤولين الكبار .. المسؤولين الكبار!
بالمقابل، لا يعجب الشباب من هجمات المعارضة على قلاعكم، ولا يستغرب من نقد العقيد أعل محمد فال اللاذع لجنابكم، كما لا يفهم وسم "البلد ينزف" على أنه تغريد خارج السرب، وسيكون أغبى قرار تتخذه المعارضة في تاريخها هو قرار التحاور والتجاور معكم، فبه ستشرعن فسادكم، وتنقلب على مكاسبها الداخلية والخارجية من مقاطعة مسرحيات الإصلاح.
وأغلب الظن أن شعار شباب الرئيس، سيشهد انقلابا كبيرا في المفاهيم، وهذا حال كل أمور عزيز، فأين بعماتو عزيز؟ وأين الشيخ ولد حرمه عزيز؟ وأين أولاد لبلاد عزيز؟ وأين بعض أبرز جنرالات عزيز؟ وأين شباب أنتم الأمل؟ وأين المصانع والجسور؟ وأين حل مشاكل اسنيم؟ وأين القضاء التام بل الناقص على منابع الفساد؟ وأين المصالحات الوطنية الكبرى؟ ....