لمواجهة حملة التشكيك في البنوك الإسلامية بعد إفلاس موريس بانك / باب سيد أحمد سيداتي

لقد كان لأزمة موريس بانك  أثر سلبي كبير على القطاع المصرفي الموريتاني عامة و قطاع البنوك الإسلامية الوليد خاصة، إذ أدت صدمة إعلان إفلاس البنك إلى تباطؤ في تحول بعض البنوك إلى المالية الإسلامية أو حتى التخلي عنه، و إلى فتور شديد في نشاط و عمل هذه البنوك لدرجة وقف بعضها

 لإعطاء قروض جديدة، كما تراجع حماس المواطنين للتوجه إليها، بل وصل الأمر حد  مغادرة عدد من زبنائها و سحب أموالهم لإعادة إيداعها في البنوك التقليدية القائمة على الفوائد الربوية، و قد ترافق كل ذلك مع حملة تشكيك شبه منظمة في قدرة هذا النمط من البنوك على البقاء،  و تصويره باعتباره نوعا من التحايل على المواطنين باسم الدين و الدين منه براء.
وقد أدى عدم الشفافية و قلة المعلومات المتوفرة للعامة عن أسباب أزمة و إفلاس البنك المذكور،  و ضعف الثقافة القانونية و المصرفية و الشرعية ، و عدم قيام البنوك الإسلامية القائمة بأي حملات إعلامية مضادة إلى شيوع هذه الدعاية،  و هكذا خرج أعداء المالية الإسلامية  و المشككون في وجودها من جحورهم معلنين أن لا وجود لبنوك غير ربوية و أن المالية الإسلامية ليست إلا آلية للتحايل على المتدينين و إقناعهم بتعاملات ظاهرها الشريعة و باطنها الربا.
لا أريد هنا أن أعود للتأكيد على تميز البنوك الإسلامية و شرعية تعاملاتها،  إذا روعيت فيها الضوابط الشرعية التي حددتها المجامع الفقهية و كبار العلماء، كما أنني لن أتعب القارئ الكريم باعترافات كبار الاقتصاديين و الخبراء المصرفيين في العالم بأهمية المصرفية الإسلامية و كونها بديلا ذا جدوائية للمصرفية التقليدية السائدة،   التي زعزعت الأزمات المتتالية بنيانها، فيمكن للقراء الكرام أن يقرءوا ما شاءوا من هذه الاعترافات أو أن يشاهدوها بالصوت و الصورة باستخدام أحد محركات البحث على الشبكة الدولية للمعلومات الإنترنت. أريد فقط أن ألفت انتباه القراء إلى أن ما يلاحظونه من فتور في حماس الجمهور و تراجع في نشاط البنوك الإسلامية في بلادنا،  ليس له مبرر و لا صلة له بواقع المصرفية الإسلامية في العالم، فالعالم يزداد قناعة بصلاحيتها و جدوائيتها لحل مشاكله و تفادي أزماته المالية و الاقتصادية، و بضرورة إدخال المالية الإسلامية في كل المنظومات المالية في العالم و الاستفادة من آلياتها، كما أن المالية الإسلامية تستمر في زيادة حصتها من المحفظة العالمية بشكل متسارع و بنسب غير مسبوقة، و يتواصل انتشارها في العالم بديناميكية سريعة جدا و خارج أسواقها التقليدية في آسيا و الشرق الأوسط و شمال إفريقيا، فيتوالي فتح فروع و تأسيس مصارف إسلامية في إفريقيا و معظم دول غرب و شرق أوربا بما فيها روسيا. و قد دعا وزير مالية ألمانيا في شهر سبتمبر الفائت أمام وزراء مالية ومحافظي البنوك المركزية بـمجموعة العشرين إلى إدماج المصرفية الإسلامية في النظام المالي العالمي و الاستفادة منها قائلا :  "تزداد أهمية التمويل الإسلامي في الاقتصاد العالمي، ولذلك فإن من المهم  للمؤسسات المالية الدولية أن تدرس المسائل المرتبطة بكيفية اندماج التمويل الإسلامي في النظام المالي العالمي"، فيما أكدت تركيا أنها ستكرس رئاستها الحالية لمجموعة العشرين للترويج للتمويل الإسلامي في العالم.
بودي أن أقول للذين يشككون في المصرفية الإسلامية و يطلقون شائعات انحسار مدها إن  انتشار المالية الإسلامية يزداد يوما بعد يوم، وهو ما تؤكده التقارير الاقتصادية المتخصصة،  إذ يتوقع أحد آخر التقارير الاقتصادية العالمية صدر في نهاية أغشت الماضي أن تنمو قيمة أصول قطاع التمويل الإسلامي في العالم بنسبة 80%، خلال السنوات الخمس القادمة، لتصل إلى 3.24 تريليون دولار بحلول العام 2020، منها 2.6 تريليون دولار، حصة قطاع الخدمات المصرفية الإسلامية. و بالتالي فإن هذه البنوك قد تجاوزت بنجاح و ثقة مرحلة التشكيك و إثبات المصداقية، و باتت محاولات النيل منها من هذه الزاوية مردودة على أصحابها :
كَنَاطِحٍ صَخرَةً يَوْماً ليوهنها.... فَلَمْ يَضِرْها وَأوْهَى قَرْنَهُ الوَعِلُ
غير أن ذلك لا يعفي البنوك الإسلامية الموريتانية من مسؤولياتها،  إذ  يتحتم عليها أن تدافع عن أسلوبها في العمل و منهجيتها، و أن تحسن خدماتها و تحرص على انسجامها مع قواعد المصرفية الإسلامية المنضبطة بقواعد الشريعة الغراء، بما يقنع الزبناء و يطمئنهم ، و يدحض حجج المشككين و يشل دعاياتهم المغرضة، و هو أمر سيحتاج منها العمل على واجهات عدة و بشكل منسق و مدروس :
أولا :   واجهة عمل البنوك الإسلامية على أن تفرض على سلطة الوصاية ممثلة في البنك المركزي الموريتاني،  سرعة إصدار قانون خاص و بمضامين واضحة تمكن البنوك الإسلامية من المنافسة و ممارسة أعمالها دون أن تكون مجبرة -كما هو الحال الآن- على التعامل مع البنك المركزي وفق مساطر و تعاملات ربوية تناقض الأسس التي تقوم عليها،  مما يضعف تنافسيتها و يقلل من مصداقيتها. و يقتضى نجاح العمل على هذه الواجهة خلق بنية لتنسيق جهود هذه البنوك كاتحاد أو رابطة  لتمثيلها و طرح مقترحاتها بشأن الإطار القانوني المرتقب على جهة الوصاية، و يجدر بالبنية التنسيقية هذه أن تطالب بإشراكها في لجنة صياغة القانون و أن تنتدب لذلك خبراء أكفاء يجمعون بين معرفة آليات و مساطر البنوك التقليدية و معرفة أسس عمل و ضوابط المصرفية الإسلامية.
ثانيا :   أن تلتزم بقواعد المصرفية الإسلامية بشكل دقيق و تلزم موظفيها بالتقيد بالأخلاق الإسلامية الحميدة، و تكونهم تكوينا مكثفا على فقه المعاملات و قواعد المالية الإسلامية المستنبطة منه، و على أسس المصرفية المقارنة بما يجعلهم مقتنعين و قادرين على إقناع الزبناء بشرعية المنتجات و أهميتها و فاعليتها لحل الإشكالات المالية و الاقتصادية و الحياتية التي يواجهونها في انسجام تام مع الشريعة الإسلامية،  و دون أن يضعوا أنفسهم في حرب مفتوحة مع الله و رسوله، آذن بها المتعاملين بالربا بقوله جل من قائل : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ).
ثالثا :   أن تحرص على  استخدام أدوات مصرفية إسلامية غير المرابحة للآمر بالشراء كالمشاركة و السلم و الإستصناع و المضاربة.....، و ذلك لإبعاد تهمة الصورية و التحايل على الربا عنها، و للتميز  عن البنوك التقليدية التي باتت تقدم لزبنائها قرض المرابحة للآمر بالشراء. و هكذا فإن تنويع أدوات المالية الإسلامية المستخدمة و ابتكار صيغ جديدة تستجيب للسوق و لحاجيات الموريتانيين المختلفة يشكل أولوية و أداة لا غنى عنها لتثبيت مكانة البنوك الإسلامية و ضمان حصتها  و لملا تفوقها في السوق المصرفية المحلية،  و يساعد في حل مشكلة فائض السيولة عند بعض المصارف التي لا تعرف أين يمكن أن تستثمره و عجزها الذي يظهر بسبب انتشار صيغ التمويل القائمة على أساس الدين وانعدام التمويل عن طريق تقاسم الأرباح،  وهي أمور ستقوى هذه البنوك و ترسخ مصداقيتها و جاذبيتها للزبناء.
رابعا :   يجب على البنوك الإسلامية أن تضغط جماعيا على البنك المركزي و لجنة إعداد قانون البنوك الإسلامية من أجل تأسيس لجنة شرعية مركزية من كبار العلماء و المختصين في الصيرفة الإسلامية توكل إليها مهمة إعطاء الرأي الشرعي في كل منتج و لكل بنك، على أن تتمتع هذه اللجنة بالاستقلالية المالية و الإدارية تحت وصاية البنك المركزي، و يمكن أن تقتطع ميزانية تسييرها و تعويضات أعضائها من مساهمات تدفعها البنوك الإسلامية. فوجود هذه اللجنة المركزية المستقلة يمنح فتاويها مصداقية و يخلصها من تهمة التبعية للبنوك، كما يجنبنا تناقض أو تضارب الآراء الشرعية و الفتاوى الذي تعاني منه بعض البلدان الإسلامية  نتيجة تعدد اللجان الشرعية فيها، و هذه التجربة مطبقة و بنجاح في ماليزيا عملاق المصرفية الإسلامية و مركزها المالي الكبير.
خامسا :   على البنوك الإسلامية الموريتانية أن تزيد من رؤوس أموالها عن طريق اكتتابات أو جلب مساهمين أجانب كبار أو الاندماج بين عدد منها، و هو ما سيقوى مركزها المالي و يزيد سيولتها،  و يمكنها من تنفيذ العمليات المصرفية بقدرة و فعالية و اطمئنان. فالاتجاه العام في المصرفية الإسلامية عالميا هو اتجاه الاندماجات و تأسيس البنوك القوية، و في هذا السياق يدخل  إنشاء البنك العملاق في ماليزيا مثلا برأسمال أساسي يتجاوز المليار دولار بعد اندماج ثلاثة بنوك إسلامية ماليزية كبيرة، و فيه تدخل أيضا سلسلة الإستحواذات و الاندماجات على مستوى دول الخليج و بقية مراكز المالية الإسلامية في العالم.
سادسا :   أن تستخدم الإعلام و مدرجات الجامعات للترويج لمنتجاتها و لإقناع المترددين و المشككين بشرعية تعاملاتها و قدرتها على أن تكون بديلا ماليا فعالا و منافسا ذو مصداقية للمصرفية التقليدية عالميا. كما يمكنها أن تساهم في تمويل و تجهيز أقسام المالية الإسلامية في الجامعات و المعاهد، و الدراسات المتعلقة بها في مكاتب الخبرة و مراكز الدراسات و البحوث.
سابعا :   خلق شراكات مع البنوك الإسلامية الكبرى في العالم بما يقوى مراكزها المالية و يمكنها من الاستفادة من خبرة هذه البنوك المتراكمة،  و يحسن قدرتها على الاستجابة لحاجات و متطلبات زبنائها، و يزيد قدرتها على منافسة البنوك التقليدية عبر منتجات إسلامية مبتكرة و مصممة خصيصا للسوق الموريتاني بإكراهاته المعروفة.
ثامنا :  العناية بالزكاة و الحرص على إخراجها عن أصول المصارف و حث الزبناء على إخراجها، تزكية لأموالهم و نشرا لفضيلة التكافل التي تعتبر أحد أهم مرتكزات الاقتصاد الإسلامي، كما يجب على البنوك الإسلامية أن تركز على الأعمال الخيرية لتشرك في عائداتها و أرباحها الفقراء و الأيتام و المساجد و المحاظر......إلخ.

 

26. أكتوبر 2015 - 15:39

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا