إن كل مجتمع يدين بعقيدة معينة، له نظريته التربوية الخاصة به ، فالتربية لا تستعار ولا تستورد؛ بل هي ذات صلة وثيقة بعقيدة المجتمع ومبادئه التي يؤمن بها، ولا يستطيع أي مجتمع أن يتبني النظرية التربوية لمجتمع آخر دون أن يتخلى عن جزء من عقيدته ومبادئه .
لذلك نخشى أن يكون قدرا كبيرا من التشوه قد لحق حياتنا الفكرية والثقافية،
ومنظومتنا التعليمية بسبب التربية المستعارة ، ومن ثم التردد والإرتباك على مستوى الأغراض والاختيارات التي تنظم مسار التعليم في مختلف الشعب والمراحل ،وهو ما يؤكد أن أزمة التربية أضحت معضلة، تستأثر بالاهتمام،وتدعو الى تأمل عميق لاشكالياتها المتشعبة .
ولأجل الارتقاء بمستوى القدرات العلمية وتجاوز ما نعانيه اليوم من سطحية وضيق أفق، كان لابد من تطوير طرق التربية التي أصبح يقال عنها أنها استثمار في البشر، لتشمل النواحي النفسية، والاجتماعية، والجسمية، للمتعلم ، لأن من أهم الأهداف التي تسعى التربية الى تحقيقها هو تكوين أجيال ونخب تستجيب للمتطلبات الوطنية والقومية ، وهذا لايمكن تحقيقه اذا لم تتشبع منظومتنا التربوية من الروافد المستمدة من ديننا الاسلامي الحنيف، لأن الرجوع الى الفكر العربي الاسلامي الاصيل في بناء الفلسفة التربوية يشكل صمام أمان في وجه موجة إفساد عقول الشباب، والغزو الفكري والثقافي ،والتفكير بعقلية الغرب الدخيلة تحت مظلة العولمة وحرية الاديان وإتاحة المغريات وثورة المعلومات ، التي فتحت الباب على مصراعيه للانحراف والاستلاب العقدي والأخلاقي بدون ضابط ولاحياء
ومن هنا تأتي أهمية التربية الإسلامية التي تحتل مكانة خاصة في العملية التربوية ،كونها الوسيلة العملية الوحيدة في بناء وتكوين أفراد المجتمع، ،وذلك من خلال ما تتضمنه من أبعاد روحية وأخلاقية تجعل المتعلم يعيش في ظلها حياة ملؤها السعادة والاطمئنان ، و يشعر بالراحة النفسية والاجتماعية، لأن الإسلام دين يقوم على العقيدة الراسخة والعبادة الخالصة لله الواحد الأحد، وهو دين يدعو الى التفكير والنظر ،ويحث على الأخلاق الكريمة والعلم والعمل.
أما الإنسان الذي أعرض عن التعاليم الدينية ،أوتم حجبها عنه لأي سبب ، فسيشعر بالإحباط والقلق والتوتر والاضطراب النفسي والفراغ الروحي والاكتئاب ، ويكون معرضا أكثر من غيره للانتحار والهروب والإختطاف والعقوق والإدمان على المخدرات والمستجدات التافهة ،والفساد الخلقي والاجتماعي .
لذلك أولى الإسلام رعاية كبيرة، وعناية بالغة بالشباب؛ من حيث تربيته وتنشئته على الخير والصلاح، وحمايته ووقايته من الشر والفساد ، واستجابة لهذا التوجه فإن المتعلم الذي اهتم بدينه الحنيف حري به أن يعرف قيمة الدنيا، و يعلم أنها مطية الآخرة وأن ما عمله فيها سوف يجده ويحاسب عليه ، كما أنه يدرك أن التربية الإسلامية هي التي تنظم حياة المسلم وتحقق له السعادة في الحياة الدنيا والآخرة، لأن المضامين المعرفية لهذه المادة تكتسي صيغة تعليمية قابلة للتحول الى أنشطة تساهم في تشكيل ذات المتعلم وشخصيته المستقبلية .
ومع ذلك تمتازمادة التربية الإسلامية بعدة خصائص من أبرزها جملة أنها:
ـ ربانية المصدر: وهذه الخاصية لها أهمية كبرى حيث يثق المتعلم بالتربية الإسلامية، لأنها من عند الله، الذي خلق الإنسان ويعلم ما ينفعه وما يضره ، ويترتب على ذلك بناء تصور فكري سليم عن الكون والحياة ،لأن التربية الإسلامية يقينية العلم، منزهة عن الخطأ البشري.
ـ ثابتة الأسس: لأن مصدرها ثابت غير خاضع للتحريف والتغيير والتبديل،، وليس معنى ذلك أنها تتصف بالجمود ، أي أن الثبات فيما يخلد ويبقى والمرونة فيما يخلد ويتطور ،
ـ الشمول: تتصف التربية الإسلامية بالشمول،لأنها تشمل الإنسان والكون والحياة،حيث لم تغفل النصوص الشرعية رعاية أي جانب من جوانب الشخصية الانسانية سواء كانت دينية أو دنيوية
ـ التكامل: إن ميادين التربية الإسلامية لا تقتصر على مكان دون آخر فهي تتم في المدرسة والمسجد والبيت والشارع .
ـ الإيجابية: إن التربية الإسلامية تعطي المتعلم شعورا بأنه مخلوق مكرم استخلفه الله لعمارة الأرض ،وهذا يدفعه إلى الفاعلية والايجابية السوية
ـ التوازن: وهو التزام الاعتدال والتوسط فلا افراط ولا تفريط.
ـ الإنسانية : تتسم التربية الإسلامية بالنزعة الإنسانية، لأن الإسلام دين عالمي لم يفرق بين أسود وأبيض إلا بالتقوى.
ـ إلزامية التطبيق : من أهم غايات العلم في الاسلام،هو ربط الايمان بالعمل ، فالتربية في الاسلام جزء رئيسي من الواجبات الدينية ،يؤاخد الفرد على تركها كما يثاب على فعلها.
ـ علمية واقعية: لانها تحث على العلم ، والتفكير وترفع من شأن العلماء ،أما أبرز دلائل الواقعية في الشريعة الاسلامية فهي قاعدة :التيسير ورفع الحرج .
ورغم أهمية هذه الخصائص والمميزات فلازالت مادة التربية الاسلامية في بلادنا تعاني من التهميش والتبخيس الذي يطال موقعها ضمن المنظومة التربوية مما يجعلها معطلة الأهداف والمحتوى .
إن واقع تدريس مادة التربية الاسلامية ،التي أصرت الأدبيات على تسميتها بأم المواد لارتباطها بوجدان المجتمع الموريتاني ومرجعيته الحضارية والثقافية ،يؤكد تحجيم دورها على مستوى التنشئة ، ومن العوامل التي تكرس هذا الوضع نجد:
ان مادة التربية الإسلامية محدودة بساعات قليلة في الاسبوع ولها حيز زماني هزيل مما يعطي انطباعا سلبيا لدى التلاميذ أن هذه المادة ليست مهمة ، لأنها تختفي تماما من جدول مواقيت امتحان الباكالوريا في جميع الشعب ، عدى عن شعبة الآداب الأصلية ، خلافا لمادة الرياضة البدنية التي توجد في هذا الجدول ولدى كل شعبه ، وكأنها أهم من التربية الإسلامية ضمن منظومتنا التربوية.
كذلك فإن ضعف المعامل بالنسبة لمادة يعتمد عليها في الصياغة الاخلاقية ، ليعد من أكبر الاختلالات على مستوى هندسة البرامج ونظام المعايير المتحكمة في الامتحانات ، فكلنا يعلم أن نسبة المعامل تعتبر محفزا نحو الدفع بالتلاميذ الى الاهتمام بالمادة إذا كان هذا المعامل قويا، أما إذاكان ضعيفا أومعدوما في أي مادة فإن ذلك يعتيرسببا لعدم اهتمام المتعلم بتلك المادة ، وهذا هو الحاصل عندنا للأسف مع مادة التربية الاسلامية التي لازال معاملها صفرا في سنة الباكالوريا حتى الآن ، وبذلك يتضح أن تعميم إدارة التعليم الثانوي المتعلق بهذا الموضوع ، والصادربتاريخ : 22/10/2014 لم يكن كافيا ، بل إن الجهة التي عممته كانت تخاف من أن يستفيد الموريتانون من استعدادهم الفطري لتقبل مادة التربية الإسلامية على حساب المواد الأخرى في امتحنات الثانوية العامة.
من جهة أخرى فإن اسناد أقسام كثيرة الى أستاذ واحد للتربية الاسلامية ليس له نصيب في التكوين المستمر للأساتذة ، وتتعمد إدارته غالبا أن يكون مسنا ، يحول عملية التدريس هذه الى قضية عبثية، ترهق الأستاذ وتحد من جودة مردوديته، إضافة إلى ذلك فقد تكلف المؤسسات التعليمية من حين لآخر بعض الأساتذة ممن ليسوا على المستوى المطلوب بتدريس مادة التربية الاسلامية حتى ولوكانت تخصصاتهم الرياضة البدنية.
وفي هذه الأثناء نجد مواد أخرى تقدم محتويات تعاكس بشكل سافر القيم والمفاهيم التي تقدمها مادة التربية الاسلامية ، ولعل أبرز مثال على ذلك يتجلى في وحدة اللغة الأجنبية ،التي لايمكن الفصل بينها وبين ثقافتها لما تضمنه اللغة من مفاهيم ومصطلحات تكون في العادة وليدة لبيئتها ومحيطها ،ولذلك يحتاج المربون الى بذل مجهودات كبيرة لملاءمة اللغة الوافدة مع الثقافة الأصلية ،وفي الغالب لا يبذل هذا المجهود فتنقل اللغة وحمولتها الثقافية الى المتعلم ،وهو ليس قادرا بعد على فهم الأبعاد الحقيقية للاختلاف ، في الوقت الذي افتقد فيه التلميذ جانب القدوة الصحيحة في المجتمع،سواء في البيت ،أو في المدرسة ،أو المحيط ،وبالتالي نكون أمام معادلة البناء من خلال مادة التربية الاسلامية المهمشة أصلا من طرف نظامنا التربوي ، والهدم عن طريق باقي المواد الاخرى ، مع استهزاء الافرنكفونيون بالقيم الاسلامية، ومحاربتها وتصويرها أنها سبب التخلف والانحطاط ،وان سبيل التقدم هو في اتباع الغرب ومنهجه العلمي والمدني فحسب .