2015 سنة تأليم التعليم! / د.دداه محمد الأمين الهادي

في عز شباب سنة 2015 تم إعلانها سنة تعليم، وحينها كتبنا مقالا بعنوان "الأستاذ والمعلم حكاية بؤس بلا نهاية"، تضامنا مع جوهر العملية التعليمية، ومع الكوادر البشرية في القطاع المتهالك، وتوقع المحللون في خضم كتابات مشابهة عن الحدث بداية ربيع التعليم، وثورته على ماضيه،

وانقلابه على التخلف، ووقوفه شامخا على رجليه، مستويا على سوقه، غير أن ثلة كبيرة من عارفي فن الشعارات، المتفننين في معرفة الواقع وإشكالاته، تنبؤوا بعام كلاسيكي في الميدان، لا جديد فيه غير الشعارات البراقة، والوعود الكاذبة.
وكيف سينهض التعليم؟ أنى تتلاشى عتمات الظلام عن سمائه السوداء؟ وكيف سيعمم على العموم في الدساكر والعساكر والصوامع والأكواخ؟ ألا يحتاج تعليمنا إلى رؤية جديدة؟ أم هو أحوج إلى الضمائر المعطوفة إليه من كل شيء؟
ونحن على عتبات وداع السنة وقريبون من عيد استقلالنا الوطني، لا يزال تعليمنا في حالة يرثى لها، ولعل أبرز مظاهر بؤس تعليمنا في سنة تأليمه، هو بيع المدارس العمومية في مزادات موجعة للوطنيين، مزادات يرى كثير من المراقبين أنها تكرس مظاهر الجشع والطمع، وتنقل ما هو عمومي إلى يد الطرابلسية أو "التكبرية".
أضف أن مؤشرا عالميا يهتم بالتعليم وضعنا أسفل سافلين، ونحن الذين شمرنا حسب شعاراتنا لنكون في أعلى عليين، ما يوحي بأن التشمير عن سواعد الجد، لم يكن إلا وعدا كاذبا، ودما على قميص يوسف، دما يراد به باطل.
ويطالعنا أحد المواقع بأن لعصابة –مثلا- تفتتح سنتها الدراسية بلا قاعات دروس، بلا مدارس، وبلا بنى تحتية في المجال، ما يعني أن التجهيل غالب، والمواطن بطبيعة الحال مغلوب على أمره إن اراد تنشئة أبنائه على العلم، وتسليحهم بالمعارف اللازمة لمواجهة حياة العولمة.
ولكن لا بأس، فليربي أبناءه على الصعلكة، وليعلمهم الجريمة، وأن يكونوا شحاذين، فبناة النهضة الموريتانية إن اعتبرت نهضة لم يطيلوا المكوث على مقاعد الدرس، ظلوا في الشوارع حت انتشلتهم الأيدي التي لا تخاف الله، ووضعتهم فوق الرؤوس بالوساطة والمحسوبية والرشوة، وما العجز عن الوطنية والمواطنة الصالحة إلا نتاج منطقي لتحكم الجهلاء والأميين في مسيرة التنمية الوطنية.
وفي الوقت الذي يجلس فيه أبناء الفقراء في الأقسام، ويراجعون في ظروف مزرية دروسهم، لا ينشغل معظم أبناء النخبة المتحكمة إلا في رياضة السيارات، وتدخين السجائر، والنوم المتواصل ليلا ونهارا، والتضاحك في الليالي الماجنة على العابرين، وفي النهاية تصدر المراسيم بتعيينهم، وترقيتهم، ويتقدمون بخطى ثابتة مسيرة البلد الراجل، بل المتوقف.
سنة التعليم هي سنة تأليم التعليم بلغة المجاز، وحقيقة هي سنة انبطح فيها المعلم والأستاذ زيادة على انبطاحاتهم السابقة برغم النضال المتواصل لنقابات التعليم، كما لمس الفقراء الراغبون بتغيير حياتهم بالعلم، وتنويرها بأنهم حالمون فاتهم القطار، بل لم يقفوا على السكة أصلا، وسيبقى تعليم المحاظر إن وجد مهم لهؤلاء، حتى يعلموا يقينا أنهم في أمان، وفي رغد من العيش، ما داموا لم يصيبوا دما حراما، ولم يغرقوا في الغلول، وارتكاب المعاصي، فالرحلة المهمة لا تفوت أحدا، كلنا نولد في قطار الحياة، وكلنا نهبط منه في حفرة مظلمة، وكلنا راع ومسؤول عن رعيته.
لقد كان طبيعيا أمر الفشل في مجال التمدرس، فللدولة جيب واحد، تشتغل به ماكينتها من أجل الرعية، وهو الجيب الذي أفرغ في غزوات فساد الخزينة، ومغامرات المغرب، وقمار إيطاليا، وجمعيات الفيافي السوافي، و"الأقربية" و"الطرابلسية" المحيطة بآمون العظيم.
ولا ننسى كيف تم إغلاق مدارس كثيرة بلا تراخيص للمصلحة العامة، وكيف كثر الحديث عن افتتاح بعض تلك المدارس بالوساطة للمصلحة الخاصة، وكيف أن الرقابة على المحتوى تضعف، وطبعا يتحدث كثيرون عن دخول الأقربية والطرابلسية عالم التعليم الحر الخصوصي، وتضييقهم للخناق على منافسيهم من أجل ذواتهم النفعية.
ويبقى تصنيف موريتانيا في المجموعة الأخيرة في جودة التعليم، طبقًا لأحدث تقرير صادر عن التنافسية العالمية (GCI) لعام 2015 أكبر دليل على أن عامنا المتأهب للرحيل كان عاديا، بل سيئا في مؤازرة التعيلم، خاصة إذا ما علمنا أن المؤشر المذكور شمل تصنيف 140 دولة، حلت فيها موريتانيا في الصفوف ما قبل الجدار الأخير بالمركز134 .
ولم يكن الأمر ليقف في الحد المحدد سلفا، بل وصل حد زيادة منسوب الفضائح بفضيحة جديدة، حيث حطت مفتشية الدولة رحالها بوزارة التهذيب الوطني، بأوامر سامية، نظرا لأن الوزارة صارت "مرصت التبتابه"، من يدفع يحظى بتحويل من ... وإلى ... داخليا وخارجيا، بالإضافة إلى احتمال وجود فساد كبير في الميزانية المخصصة للتعليم، وفي الشفافية بالمسابقات المتعلقة بالميدان.
وكانت الوزارة قد اكتشفت سرقات كبيرة، وتلاعبات من العيار الثقيل في المقاعد التي تخصصها الوزارة لقاعات الدروس والأقسام المدرسية، إذ تنشط مجموعات من المرتزقة والمفسدين في مجال بيع الطبشور والطاولة والسبورة والقسم، والكتب المدرسية، وتظل المحاسبة سياسية، حيث يتم التغاضي عن الموالين، والمطبلين، والمنافقين.
وفي النهاية لم يبق للمواطن إلا أن يحمد الله على أن السنة كانت سنة التعليم، ولم تكن سنة الوطن، فلأنها سنة التعليم بيعت المدارس والطباشير والمقاعد والطاولات، والتحويلات والتعيينات وترقيات طواقم العملية العلمية، ومعظم الاساتذة سكتوا لحكمة، ربما هي الخوف من أن يطالهم البيع والشراء!
عمليات البيع السابقة لم تزد المعلم إلا هما وحسرة، وخبالا ووبالا، فأجره زهيد، وواقعه من الواقع المثالي بعيد، وهو غير سعيد.
ولو كانت سنة الوطن خمنوا ماذا كان سيحدث؟ 

30. أكتوبر 2015 - 16:30

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا