في ذكرى مكتبة "السلام"، وفي ذكرى صاحبها الخلوق "أحمد ولد مناه" رحمه الله، وفي ذكرى البطلين المُلهمَيْن "أدهم صبري" و"نور الدين محمود"، أكتب هذه الخاطرة التي استعنت فيها بمقدمة عن الكاتب الموهوب الدكتور نبيل فاروق وجدتها على الإنترنت (بتصرف)، أضفت إليها ما وافق وجهة
نظري، وصببت جام غضبي على بعض المقدسات الروائية التي يعبدها الكثيرون..
والمقال إهداء مني لكل رواد المكتبة السابقة من أهل ذلك الزمن الجميل..
كانت البداية بنا نحن جيل التسعينات المحب للمطالعة، خصوصا مطالعة القصص المصرية للجيب في ذلك الوقت.. من منا لا يعرف في الثمانينات مكتبة "المنير" الواقعة شرق سوق العاصمة، وسلاسل الألغاز، والبطلين الصغيرين "تختخ" عن المغامرين الخمسة، والعبقرية "هدى" عن المغامرين الثلاثة، لقد كنت – وصديق لي - نقطع المسافة بينها وبين السبخة ماشيين على الأقدام لشراء الأعداد الممتعة، فمن يعيد تلك الأيام الخوالي، أيام الصدق والبراءة والسلامة من هموم الحياة التي تسود الوجوه والقلوب ؟..
من منا لا يعرف سلستي "رجل المستحيل" و"ملف المستقبل" الشهيرتين، وكاتبهما المبدع الدكتور نبيل فاروق، الطبيب الذي تخلى عن مهنته (المربحة) ليتفرغ للكتابة (الأكثر ربحا!)، فهل الكتابة للمراهقين أكثر ربحية منها للمثقلين بالذنوب من ذوي الوجوه الكالحة التي يحمل أصحابها هم الحياة وذنوبها على ظهورهم؟
ولد الدكتور نبيل فاروق في 9 فبراير 1956، ويعتبر أشهر روائي عربي في أدب الجاسوسية والخيال العلمي، له مجموعة ضخمة من القصص الموجهة أساسًا للشباب، يقرأ له الكثير من الشباب العرب، ويقدم عدة سلاسل قصصية من أشهرها ملف المستقبل، ورجل المستحيل، وكوكتيل 2000.
ومنذ بداياتي مع قصصه، جذبتني سلسلة "ملف المستقبل" التي لا زلت مقتنعا بأنها أفضل ما قدم لما فيها من تشويق وخيال علمي مستغرب في كتاباتنا العربية، وإن كانت موجهة للشباب فأفكارها في منتهى الإبداع والتجديد (إن لم يكن أكثرها مقتبس من الغرب).. وكم دخلت في نقاشات حادة مع بعض المفضلين لسلسلة رجل المستحيل، فأي السلسلتين تفضل أنت يا ترى؟
لعل الأذواق تختلف، لكني أقول للذين لا يحبون الخيال، والخيال العلمي بالتحديد: "لم تستمتعوا كثيرا بما قرأتم فقد حرمتكم أنفسكم من عالم فسيح ممتع"، ومما يدعم رأيي في أفضلية ملف المستقبل، أن أول ما كتب الدكتور نبيل فاروق قبل تخرجه من كلية الطب بعام واحد في عام 1979 وعن عمر ناهز 23 عامًا هو قصته الأولى "النبوءة"، والتي كانت الأولى في سلسلة كوكتيل 2000 التي ظهرت فيما بعد، وحصل بها على جائزة من قصر ثقافة طنطا، وهي قصة خيالية من النوع الغامض. فحصل بواسطة هذه القصة الخيالية الغامضة التي تثير اشمئزاز الأدبيين المتزمتين على أول تقدير له، ثم لعبت الأقدار لعبتها فكانت بداية التحول الجذري في مجرى حياته وحياة أبطاله، وفي مسيرته الأدبية ككل، وذلك في عام 1984، عندما قرأ إعلاناً في مجلة (عالم الكتب) تطلب فيه المؤسسة العربية الحديثة كاتبي قصص للخيال العلمي، فأرسل لهم رواية (أشعة الموت)، وفاز بها من بين أكثر من 160 متسابقاً، فنشرت في العام التالي كأول رواية في سلسلة ملف المستقبل الشهيرة ولم يتجاوز عمره آنذاك الثلاثين عاماً. كانت أولى قصص ملف المستقبل هي الباب الذي ولج منه الدكتور نبيل فاروق إلى مستقبله كقاص مبدع، وكاتب رابح ومربح، وكما هو معروف فإن السلسلة البكر تشبه الولد البكر، لابد أن يكون لها مكان خاص في القلب، وأعتقد أن انشغاله في بدايات كتاباته كان بالخيال الغريب على وطنه وعلى الأمة العربية جمعاء، فاهتم بالقصص العلمي الذي لا يتطلب تلك العبارات الأدبية المتكلفة الثقيلة التي يملأ بها كبار الأدباء رواياتهم، ولكن.. في تلك الفترة أيضاً، توطدت علاقة الدكتور نبيل فاروق بإدارة المخابرات المصرية، فكان الحدث الجذري الثاني في حياته، خصوصا عندما قابل السيد "أ.ص"، الشخصية الأسطورية في جهاز المخابرات المصري، والبطل الذي كان يبحث عنه، والذي استوحى واقتبس منه شخصية (أدهم صبري) في سلسلة رجل المستحيل، السلسلة التي سلبت كيان وقلوب الشباب والشابات، فحطمت الأرقام القياسية في المبيعات وعرفت نجاحاً منقطع النظير من الخليج إلى المحيط.
كانت البداية بالملف، لكن المستحيل حطم كل الأرقام القياسية. هكذا يقولون.. لكن يبقى السؤال: أي السلسلتين أقوى، بعيدا عن اعتبار المتلقي المراهق الحالم الذي يتخيل نفسه "أدهم صبري" في كل ليلة يأوي فيها إلى فراشه الدافئ بعد يوم طويل من اللهو واللعب؟
وإذا كان أدهم صبري يتسم بالقوة وسرعة تحطيم أجزاء الثانية، فإن الرائد نور الدين بطل الملف يتمتع بالرزانة والهدوء وعمق التفكير، وإذا كانت قصص أدهم عبارة عن معارك طاحنة تأخذ بخناق القارئ إلى ساحاتها الملتهبة وقد يحس بآثار لكماتها على قفاه، فإن قصص نور عبارة عن ألغاز ممتعة تشد التفكير، وعوالم ومخلوقات غريبة تنسي القارئ عالمه الكئيب..
وفي عام 1985، اقترن الدكتور نبيل فاروق بالدكتورة ميرفت راغب، وأنجب منها أطفاله الثلاثة: شريف، ريهام، ونورهان. وبعد النجاح الساحق الذي حققته سلسلتا رجل المستحيل وملف المستقبل، بالإضافة إلى السلاسل الأخرى فيما بعد، اعتزل الدكتور نبيل فاروق مهنة الطب ليتفرغ كلياً للكتابة كمهنته الرئيسية.
لقد عرف الدكتور نبيل فاروق والدار التي استخدمته، كيف يغزوان جيوب وعقول الشباب العربي المتعطش لقراءة ما يشده من مغامرات شبيهة بالأفلام الأمريكية التي بدأت تغزوه بدورها، بعيدا عن ترهات الأدباء الحياتية ومجونهم المفضوح، والذين لا يستريح الواحد منهم فيها إلا بعد أن يصف في روايته الطويلة كيف يخلو الإنسان بنفسه في المرحاض أو بزوجته بعيدا عن كل الأعين ما عدى عيني الروائي المتلصصتين، حتى اصبحت البذاءة بالنسبة لهم هي الأدب (يجسدونها في كتبهم وفي أفلامهم التافهة)، سكتت الحياة عن أمور كثيرة وسترتها بستار الحشمة والأخلاق، فجاءوا هم ليعروها بأقلامهم الخبيثة حتى فضحوها ! ولم أقرأ يوما رواية تجسد علاقة العبد بربه، وتنفع المتلقي، فنبيل فاروق - في رأي الشباب على الأقل - أفضل منهم لأنه على الأقل لم يتعرض للأخلاق بما يسوء، كما لم يحاول التأثير على عقول قرائه الصغار بأفكار ماسونية الهدف منها مسخ الأمة الإسلامية، وسلخ حيائها ودينها، يعتمدها معظم فجرة الأدباء الذين هم في حقيقة الأمر بلا دين، والذين ركزوا جهودهم في نشر الفجور والخلاعة والإلحاد وحرية الرأي السخيفة، وكان كل همهم قلب أفكار المسلمين رأسا على عقب، وإشغال غرائزهم ..
وسيحاكمهم التاريخ، ويرمي بهم وبرواياتهم التافهة في مزابل النسيان. والدكتور نبيل فاروق أفضل منهم، فهو على الأقل ذكر قرائه بعبارات التوكل على الله، وشجعهم على معالي الأخلاق، وقص عليهم بهدف تسليتهم لا التأثير عليهم، وإن اعتبر البعض قصصه للمراهقين، إلا أنها في رأيي أنجح من الكثير من الروايات الأدبية الموجهة إلى الفجار والماجنين والتي نالت رضا الأبالسة وجوائزهم..
لقد نجا الدكتور من ذلك المطب الكفري - في رأيي، ونجح لأن قصصه المبتدعة تم توجيهها دون تغليف إلى شباب متعطش للقراءة واكتشاف المجهول، ولعل المعلومات العلمية التي كان يذيل قصصه بها أكبر دليل على صدق نيته، لهذا أعتبره كاتبا ناجحا أكثر من غيره من المشوهين الذين كتبوا بحرص على الإفساد، وشح بالصلاح، وشوهوا الأمة برواياتهم التافهة التي يا ويل من سار على خطاها الشيطانية من الكتاب والشعراء..
وسواء اعتبروا ما يكتب دون المستوى أو فوقه، فقد كتب بصدق وإخلاص لمهنته (ولا أهتم كثيرا لمصدر معلوماته وقصصه)، وشغل بال الملايين من الشباب والكهول المتصابين، وكان من بين أوائل من كتبوا في الخيال والخيال العلمي، إن لم يكن أولهم، بعكس تلك الروايات البغيضة المليئة بعفن السكر والتدخين والحشيش، ووقاحة العهر والتشبه بالكفار، وإن كتبها من كتبها، فهو لنكرة تلبس قبعة، إذ لم يكن له من دور إلا شغل المسلمين بما لا ينفعهم..
ولعل أقرب تمثيل للمقارنة بين ما تحبه النخبة الأدبية من كفر وعهر ومجون وفلسفة، وما يحبه السواد الأعظم من الشباب وغيرهم، هو المقارنة بين أفلام الجوائز وأفلام شباك التذاكر المربحة، فأفلام الجوائز الثقيلة لا يحتملها إلا مجنون كالذي يقف 24 ساعة أمام لوحة غامضة بلا معنى ليستخرج منها ما يوحيه إليه شيطانه من خوعبلات لا علاقة للوحة بها (وليعذرني أهل هذا الفن)..
تلك النوعية من الأفلام تقام لها المهرجانات، وتحتفي بها النخبة المجنونة، ومعظم ما يتقدم إليها من عالمنا العربي لابد أن يشتمل على ركنين أساسيين هما العهر والكفر (الذي يسمونه تحررا) لكي يحصل على جوائزها الغير مباركة، وآخر تلك الأفلام فلمنا الموريتاني "تمبكتو" الذي لم أشاهده، لكني أجزم بأنه يحوي ما يُرضي القوم، خصوصا أن موضوعه الإسلام كالعادة فلا يطربهم اكثر من التعرض له من باب وجهة نظرهم الحاقدة، وقد احتفى به زنادقة السينما في أمريكا (وتلك ليست مصادفة)، وقد يفوز بالأوسكار تشجيعا لصاحبه، كما فازت رواية نجيب محفوظ "الحرافيش" التي جسد فيها رب العالمين - عياذا بالله! - بجائزة نوبل، والتي ما كان ليشم رائحتها لو لم يكتبها.
فهذه النوعية المشئومة من الأعمال المميزة عندهم، لا وقت لأمثالنا من محبي القصص لمشاهدتها، ولا لتحليلها، ولا للتأثر بها، فنحن نشاهد الفيلم لنستمتع بقصته وأحداثه أولا، أما أن يتم التركيز على إثارة اشمئزازنا بعكس كآبة الحياة وفجورها، فهذا يكفينا منه ما تفعله الحياة الواقعية، فهي التي تستحق أعظم الجوائز في هذا المجال.
ولما تقدم فيلم "avatar" القوي إلى الأوسكار كأكثر الأفلام مشاهدة ودخلا، وكأقوى أفلام الخيال العلمي في عامه، أسقطته اللجنة المشرفة على الجائزة لأنه دافع عن المظلومين ضد الإحتلال الأمريكي الذي حاول استغلالهم، وقدمت عليه فيلما لزوجة مخرجه تدور قصته حول مآسي جنود أمريكا المحتلين في العراق !..
ونفس الشيء يقال عند مقارنة قصص الدكتور نبيل فاروق مع قصص غيره من متصيدي الشبهات والشهوات، الذين قد تناقش قصصهم عهر مومس في أكثر من 600 صفحة لتخرج بنتيجة مفادها أن مكان المرأة المسلمة هو الشارع!..
هذا هو الفرق بين قصص وأفلام الجوائز، وقصص وأفلام المتعة ذات الشعبية الكبيرة لدى العامة الذين هم أكثرية، فأفلام البوكس أوفيس، والحركة الصينة الممتعة، والأفلام الهندية، لا يحتاج أصحابها إلى كل تلك المطولات لينجزوا عملا ناجحا بمعاير جودة القصة، ونسبة المشاهدة، والدخل الأسبوعي المربح، ومعلوم أن فيلم الحركة والخيال يكلف أضعاف تكلفة فيلم الكآبة والفن المتفسخ (التونسي والمغربي والمصري)، لا مقارنة بينهما، ولو وُجدت لما استطاع فيلم تمبكتو الموريتاني المصور بإمكانيات تلفزيونية أن يتقدم إلى الأوسكار، في وقت لا يستطيع فيه فيلم "حراس المجرة" أن يتقدم إليها، وشتان ما بين إمكانيات الفيلمين..
وكذلك نجح نبيل فاروق لأنه عرف كيف يجذب إلى ما يكتبه ملايين المعجبين والقراء، وهم أكثر بأضعاف من قراء تلك الروايات الثقيلة التي لا يصبر عليها عاقل، وهذا عن تجربة شخصية (إن كان المغيبون يرونني عاقلا.. هههه)..
وهنا بالمناسبة أطلب من كل من يقرأ هذا المقال أن يدعو للمرحوم أحمد ولد مناه، صاحب مكتبة السلام، أشهر مكتبة عند شباب العاصمة في حينها، ذلك الكشك الصغير الذي كان مكان تجمع الباحثين عن الكتب بشتى أنواعها.. كان يستقبل زبائنه بلثامه وحركاته الخجولة المرحبة، ويتساهل مع المفلسين منهم، وكان "فيسات" يمضون النهار كله مستظلين بغلاف رواية أو قصة في مكتبته الصغيرة المظلمة، محتلين أرضيتها الثمينة، وربما اختلسوا كتابا أو اثنين دون أن يحس بهم، ولم أره يعترض على ذلك..
كان رحمه الله نعم الرجل الخلوق، وكان يقدرني، ويتعامل معي بأحسن الطرق مثلما كنت أتعامل معه، ولطالما أوصاني بأن أجلب له بعض القصص من المغرب حيث كنت أدرس، فكنت أفعل بكل أريحية كلما تيسر لي ذلك..
كانت أياما جميلة لا تنسى، أسعد ما فيها تلك الجولة على الأقدام من منزلنا القريب إلى مكتبته، ثم العودة بخبز ساخن، وقصص أسخن لإنهاء المغامرة، وكان يستقبلنا بوجه بشوش، فرحمه الله تعالى رحمة واسعة، وهذا حال الدنيا، الموت فيها هو المصير، فليستعد الموجودون منا لأول ليلة يمضونها في قبر مظلم لا يعرفون حتى أين يكون..
إن من حق أولئك الأموات علينا الدعاء، والصدقة عنهم، ويا ليتها كانت صدقات جارية كالمشاركة في بناء مسجد أو بيت علم أو مساعدة أسرة فقيرة، تنفعهم يوم القيامة وتسقط عنا حقهم.. يموت الأب والأم والجد والقريب والصديق، فيرمى في قبر النسيان، وهو في أمس الحاجة إلى أعمال محبيه الصالحة، بدء بالدعاء وحتى بذل الجهد والمال في سبيل ضمان ترجيح كفة حسناته يوم لا ينفع المرء إلا ما قدمت يداه، أو عمل صالح يقدمه له الأوفياء له..
ومن الأعمال الأخرى التي كتبها الدكتور نبيل فاروق نذكر رباعية "أرزاق" وهي ملحمة مصرية درامية مؤثرة في أربعة أجزاء كاملة، حققت نجاحاً منقطع النظير لدرجة دفعت بالمنتجين إلى تحويلها إلى مسلسل تلفزيوني. كما كتب سلسلة الأعداد الخاصة، التي هي امتداد لسلسلتي رجل المستحيل وملف المستقبل وسلسلة كوكتيل 2000، والأخيرة هي السلسلة الأحب إلى قلبه لأنها وكما ذكر شخصياً تمنحه الحرية لكتابة ما يرغب فيه من أفكار وخواطر وروايات بوليسية وعلمية واجتماعية وحتى مسرحية، وكل ذلك في كتاب واحد. كما كتب الدكتور نبيل فاروق سلاسل فارس الأندلس، سيف العدالة، مغامرات ع×2، وزووم، والأخيرة تعد من أصعب السلاسل التي كتب، وذلك للجهد الكبير في جمع مادتها وتصنيفها وصياغتها بأسلوب مبسط وجذاب.
كما شارك في سلسلة زهور فكتب عدة أعداد قبل أن يتوقف، كما أخرج 7 أعداد من سلسلة بانوراما التي توقفت بعد ذلك، كما ساهم أيضاً بالمشاركة في سلسلة روايات عالمية للجيب. وللدكتور نبيل فاروق أيضاً مشاركات مثيرة للإهتمام في أكثر من مجلة ودورية عربية، نذكر منها مجلة (الأسرة العصرية) ومجلة (الشباب) وملحق (صبيان وبنات) الذي يصدر مع صحيفة (أخبار اليوم)، ومجلة (باسم). وتتنوع هذه المشاركات ما بين الحلقات المسلسلة لخفايا عالم المخابرات وقصصه الحقيقية، وصولاً إلى المقالات العلمية بشتى مجالاتها، لكنها جميعاً تشترك في أسلوب الكاتب المشوق وصياغته المتقنة لها، والتي تجذب الكبير والصغير على حد السواء. وللدكتور أيضاً مجموعة كبيرة من الكتب المتنوعة التي يمكن الإطلاع عليها وشراؤها من موقع "مجانين"، وهو المجلة التي أنشأها شخصياً بالتعاون مع مجموعة من الشباب الموهوبين في الكتابة.
إنه كاتب موهوب سال قلمه بهذا الكم الهائل من القصص، وأمتع حتى الزهور.. من من الزهور لم تقرأ في تلك المرحلة، سلسلة "زهور" العاطفية؟ شخصيا أعرف زهورا كثيرة أدمنت قراءتها..
لقد أجاب كاتب المقدمة على السؤال السابق: أي السلسلتين أفضل؟ بقوله: إن الدكتور نبيل فاروق يفضل "كوكتيل" على السلسلتين. لكن إن أردنا أن نكون واقعيين فإن السلسلتين أهم بكثير من كوكتيل، وهما حقا عقد كتاباته المضيء، ترافقت أعدادهما حتى آخر حبة، وكانتا كحصانين في مضمار سباق، ولعل سلسلة رجل المستحيل أشهر عند الشباب لسبب جوهري هو أن أغلبهم في ذلك العهد لم يكن يحب الخيال، وخصوصا العلمي منه، وكنت أعزو ذلك إلى جهله به، فمن لم يبدأ بأفلام أمريكا الخيالية وأفلام الرعب في الثمانينات مثلي، من الصعب عليه أن يستسيغ ذلك الخيال، فكانوا يفضلون القصص الواقعية التي هي أثقل شيء علينا نحن أهل الخيال، لكني أكاد أجزم اليوم بأن الخيال العلمي ينتصر على الواقعية في معاركهما المستمرة، لما فيه من غموض ومتاهات وعوالم غير مألوفة تنسي الواحد منا عالم الكد الذي يحيا فيه، ولعلنا نلاحظ ذلك في السينما الأمريكية، فرغم ضعف الإمكانات في الخمسينات والستينات فقد اشتهرت أفلام خيالية، فلم يهمل القوم تلك الصناعة بحجة العجز كما فعل العرب، بل طوروا أنفسهم تدريجيا حتى وصلوا إلى ما هم عليه اليوم من إبهار.
واليوم تعد أفلام الخيال العلمي والخيال عموما، من أنجح الأفلام العالمية وأحبها إلى القلوب وهي التي تفرق بين الفيلم الذي له إمكانيات ضخمة والفيلم الشبيه بالمسرحية، وللأسف معظم أفلامنا نحن العرب لا زالت مسرحية لا تتطلب سوى نصا سيئا وممثلين عباقرة (ولضعف الخيال الأمريكي والتكرار تشهد أفلام الخيال ترديا عند القوم في هذه الأيام).
وهم عندهم قاعدة ضخمة من الروايات الخيالية بعكس قاعدة العهر والسكر التي عندنا، ولعل الدكتور نبيل تأثر في بداياته بالأفلام الأمريكية، خصوصا أفلام الرعب والخيال العلمي، أو بقصصهم الكثيرة، وأرجح شخصيا تأثره بالأفلام أكثر..
لقد دفعني شغفي بتلك النوعية من الأفلام والقصص إلى الرغبة في الكتابة الخيالية، فكتبت رواية شبابية في نهاية التسعينات تحت العنوان "الأقاليم السبعة"، تقوم فكرتها على سفر مجموعة من الأصدقاء عبر الزمن إلى عوالم غريبة، ليعيشوا فيها الفروسية وحياة الأبطال، ويتعرضوا لسخريتي اللاذعة، ولعلي تأثرت فيها بقصص لا يعدها أدباء العري شيئا، كقصص فيروز شاه، وحمزة البهلوان، وعنترة والأميرة ذات الهمة.. وهي قصص خيالية طويلة، ضعيفة الحبك، لكن يكفيها أنها أمتعتنا كثيرا في زمانها..
ثم كتبت روايتي الثانية والثالثة،لكن حرصي الشديد على نفع المسلمين والكتابة فيما ينفع، حال بيني وبين الهمة في نشرها ..
اعتقد أن الكثيرين ممن قرؤوا للدكتور نبيل فاروق قادرون على الكتابة في هذا المجال الممتع، وعلينا جميعا أن نسهم في إثراء عالمنا العربي بما ينفعه أو على الأقل بما يسليه في أوقات فراغه، والمهم هو أن يقرأ لنا الآخرون كما قرؤوا للذين يعدون رؤوسا في فن الرواية، وهم إمعات بكل ما تحمله الكلمة من معنى، في رأيي على الأقل..
لقد اختصر أحد مشجعي سلسلة رجل المستحيل النقاش الذي جرى بيني وبينه أثناء كتابة هذا المقال، فقال لي: لا تتعب نفسك فالسلسلتين في درجة واحدة، وهما أهم ما كتب الدكتور، والمستحيل أشهر عند شباب المستحيل العربي..
إنها مرحلة من حياتنا لا نملك إلا الفرح بذكر أيامها وتخليدها، لهذا كتبت هذا المقال، وكما قال المجنون:
أمر على الديار ديار ليلى ... أقبل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حب الديار شغفن قلبي .. ولكن حب من سكن الديارا
وفي شهر أكتوبر من عام 1998، فاز الدكتور نبيل فاروق بالجائزة الأولى في مهرجان ذكرى حرب أكتوبر عن قصته (جاسوس سيناء: أصغر جاسوس في العالم). ومؤخراً، قام قسم دراسات الشرق الأوسط في جامعة فرجينيا الأمريكية بإنشاء موقع خاص للدكتور نبيل فاروق والذي اعتبره المتخصصون أحد أفضل الكتاب في الشرق الأوسط.
يهوى الدكتور نبيل فاروق رياضة تنس الطاولة، كما يشاهد الكثير من الأفلام السينمائية العربية والأجنبية، مفضلاً أفلام الخيال العلمي الراقية، وتلك التي تحمل نظرة فلسفية خاصة أو نظرة اجتماعية صادقة. وفي كثير من الأحيان تقفز فكرة ما في رأسه، فيسارع إلى تدوينها فوراً على ورق أو بتسجيلها على جهاز تسجيل صغير في جيبه.
يمتاز الدكتور نبيل فاروق بالتواضع، وشخصيته الطيبة المحبوبة، مما أدى إلى اكتسابه العديد من الأصدقاء والعلاقات، سواء في إدارة المخابرات المصرية أو غيرها من المؤسسات الحكومية والطبية والعلمية والأدبية.
واليوم وعن عمر لم يتجاوز بعد الستون عاماً يعتبر الدكتور نبيل فاروق أفضل وأشهر كاتب للخيال العلمي والحركة في الوطن العربي على الإطلاق، وبات أسلوبه الشيق والمميز علامة فارقة في تاريخ الأدب العربي الحديث. وبرغم مرور أكثر من 20 عاماً على صدور أولى رواياته، ونشوء جيل كامل على سلاسله، تبقى روايات وقصص الدكتور نبيل فاروق تحفة فنية رائعة تستمتع بقراءتها جميع الأجيال، وستظل كذلك مدى العمر بإذن الله.
واليوم، دعونا نتذكر بجدية أكبر، أن أساس هذه الحياة هو الله سبحانه وتعالى، وأن الفائز الحقيقي بالتقدير فيها، والمستمتع الحقيقي بها، هو من دارت أعماله في فلك طاعته عز وجل، وجعله أساس حركاته وسكناته، وجعل أعماله كلها مبذولةفي نصرة دينه.. ذلك فقط هو العمل الذي يستحق التقدير والبقاء..
رحم الله صاحب مكتبة السلام وأسكنه فسيح جنانه.. اللهم آمين.