وباء البطالة / محمد ولد عبد الله ولد محمد جدو

البطالة، أحدُ أهمِ مشاكلِ الشبابِ اليوم ، رُغمَ ذلك علينا الإيمانُ بأنّ لكل مشكلةٍ حل ، ولكلّ حدثٍ سبب ، ولكلّ داءٍ دواءْ.
سبب البطالة الرئيسي متعلقٌ بالشخصِ العاطلِ عن العمل ، و لا أُزيحُ بذلكَ مسؤوليةَ استفحال البطالة بين شباب  الوطن عن كاهل المسؤولين أصحاب المناصب الحكومية ، إلّا أنّ الشخص 

المُنتَظِرِ للوظيفةِ هو المسؤول الأول .
إن حقيقة ما يدور في واقع الشاب ، سيره بطريق مَنْ سبقوه ، مغمِضَ العينينِ معميّ القلب ، بغض النظرِ عن سلامة هذا الطريق . يتعلّم في العادة اثنا عشر عاما في المدرسة  ويتخرّج منها مهرولاً صوبَ الجامعة للتسجيلِ في تخصصٍ يرغب  فيه ، وأنا على يقين هنا بأنّه لا يمتلكُ الحدّ الأدنى من المعلومات الكافية الصحيحة عن تفاصيلِ التخصص المقتحم عنوة له . ماذا يحدثُ بعدَ ذلك ؟
عندما تكبر أحلامنا معنا..
وحين تبلغ طور بلوغها نظن أننا وصلنا أخيرا ... نفكر نفرح نحلم نخطط نشعر بأن القدر قد ابتسم لنا وان الحياة أشرقت من جديد وبأننا سنحقق كل ما فاتنا وندفن الحرمان كله ونعوض أنفسنا ونعوض كل من يهمنا أمره معنا .. اجتهدنا تعبنا سهرنا بذلنا كل ما في وسعنا لكي نعمل ونرتقي .. أحلامنا كبيره لا تقف عند أي حد وكنا نظن بأنه لن يحول بيننا وبينها شئ .

رفعنا بكفوفنا شهادات التفوق والتميز برؤوس مرفوعة وصلت قمم الجبال فهذا نتاج سنين مضنيه وفرحه أعمارنا انتهينا من سنوات الدراسة .. نعم انتهينا.

والآن سنذهب بكل فرحتنا الممزوجة بدمعات الغبطة والفرحة والسرور لنعمل عملا يوازي ذلك التعب وتلك السنوات الطويلة.
..  ونتفاجأ بشلال من الفشل وجدران متينة من الخيبة وجبال شاهقة من الاكتئاب،  فليس هنالك وظائف وسنبدأ بسنين طويلة أخرى في الصفوف فلا مجال لنا للعمل في وطننا.
لتبدأ رحله الشتات لتلعب بنا وتذهب بكل أحلامنا مع الريح تتناثر تناثرا ولا احد يأبه فتذهب سنين الدراسة في مهب الريح  وتصبح الآمال في العمل والزواج والبيت والعائلة والأطفال  موقوفة إلى إشعار أخر.

(فنبدأ بالبحث عن العمل البديل إلى أن تأتي الوظيفة التي نصبو إليها فلا نجد إلا أبواب المحلات  التجارية أو ما شابهها .. نعمل فيها ونتعب ونكدح .. وابتسامات القهر لا تكاد تفارق شفاهنا لنتقاضى في أخر الشهر القليل من (الأوقيات) التي قد لا تكفي أجرة الطريق وبعض المصاريف البسيطة ونار الألم تكاد تحرقنا فقد تحملنا ما لا طاقه لنا به .)
إن معظم الجامعات  تؤهّل خرّيجيها للعمل في القطاعِ الحكومي ( العام ) ، وواقع حياتنا يتحدث عن نفسه ، بأنه من أسوأ القطاعات ، كونه القطاع المُمتلئ بالفساد المالي والإداري ، والتوظيف فيه قائم على أساسِ المحسوبياتِ لا الكفاءات ، ووضع الشخص في المكان الغير مناسب له .. و مع استمرار الدولة في تصوير التعليم للناس على أنه حل لمشكلة البطالة، والنتيجة أن كثيرا من الفقراء وأبناء الطبقات الدنيا في المجتمع دفعوا بأبنائهم إلى المؤسسات التعليمية ليضمنوا لهم وظيفة سهلة، وبدأت الجامعات تعمل دون خطة لتخرج كل عام آلاف الخريجين في تخصصات لا يحتاج المجتمع إليها، واستمرت الدولة ملتزمة بتوظيفهم في تخصصات لا علاقة لهم بها، ولا قدرة لهم على إفادة المجتمع من خلالها.
ما حاجة مجتمعنا  -على سبيل المثال- للآلاف من خريجي الاقتصاد في بلد يعاني من كساد وأزمة اقتصادية مزمنة؟
وما الحاجة المجتمع للآلاف سنويا من خريجي كليات الآداب والقانون  والمعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية...  في حين لا يجد الواحد من هؤلاء شركة أو مؤسسة تحتاج إلى تخصصه؟
ببساطة شديدة نحن -الشباب- نحتاج إلى خطة فورية لمواجهة البطالة تركز بصورة أساسية على ركيزتين:
· الأولى: وضع سياسة واضحة ورشيدة للتعليم تضمن أن تخرج الجامعات للمجتمع الكوادر التي يحتاج إليها في التخصصات المطلوبة وبالأعداد المطلوبة.
· الثانية: أن تبدأ الدولة فورا بخطة "للتدريب التحويلي"، وهي خطة تهدف إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه، عن طريق تدريب شباب الخريجين على مهارات وتخصصات جديدة تحتاج إليها مجتمعاتهم لتسهل لهم الحصول على فرصة عمل..
وبغير ذلك فإن الشباب سيبقى كما هو الآن..
لتظل البطالة الوباء الحاضر الذي يهدد شبابنا وعوائلنا بالفقر والتشرد والضياع و الخطوة الأولى للكثير من الشباب في طريق الانحراف.
 

1. نوفمبر 2015 - 22:24

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا