رغم أن السلطات بصورة عامة، لا يستبعد إدراكها لخطورة مشاركة بعض جنودنا في المستنقع اليمني، إلا أن رأس النظام غير كاره للدراهم-حسب ما هو متواتر-. ويخاف على المصلحة العليا للبلد من هذا الوجه، من الدخول في مقايضة على الموقف الوطني في هذا الصدد.
يستند بعض أنصار المشاركة، ولو خارج مسرحنا السياسي بأن تأمين اليمن، تأمين للحرمين، من حوثيين، غير مؤتمنين تماما على المقدسات، بسبب البعد الطائفي واحتمال تحول النفوذ الإيراني إلى تلك الربوع الحساسة، وهذا وجيه لدى البعض. ولكن تفوق الجانب السعودي وحلفائه عسكريا، مؤشر عدم حاجة لجنودنا المساكين على الأقل، وعدم جرهم لميدان دموي شائك مقابل امتيازات لنظام استبدادي شره.
إن جر مؤسستنا العسكرية للانخراط في الحرب اليمنية، خطوة بعيدة من البراءة، لما يجري من حديث عن الصفقات والإستقبالات السعودية فوق المعتاد لولد عبد العزيز، لإيقاعه ربما في أتون الحرب. ورغم أهمية علاقاتنا مع الأشقاء العرب عموما والسعودية بشكل خاص، إلا أن هذا لا يعني قبول دخولنا في حرب خطرة بهذا الحجم، دون مسوغات مقنعة أخلاقيا، بالدرجة الأولى.
ثم إن حل الخلافات بطرق سلمية، مع أقل المعارك والجهد العسكري، أفضل وأجدى للجميع. وأين القضية الفلسطينية من مستوى الاهتمام اللائق بها، فلماذا هذا الحشر إلى الساحة اليمنية المعتمة، على حساب القضية المركزية.
ثم إن انتداب جنود العرب الفقراء، للموت في اليمن، مقابل إحجام -ولو نسبيا- بعض قوات الخليج، وتفضيل إنابة غيرهم عنهم، على أن يبقى الشباب الخليجي مرفها بعيدا عن ساحات الوغى، أمر غير مقبول البتة.
وباختصار لا ينبغي قبول خروج جندي واحد، إلى اليمن في الوقت الراهن. تلك حربهم في المقام الأول، ولا ناقة لنا فيه ولا جمل، حتى الآن على الأقل، لأن الحرمين بعيدة عن مستوى الخطر، وطبيعة المساومات الجارية، شبه الصريحة، ذات طابع نفعي ضيق، وصفقات مشبوهة، قبل أن تكون مرتبطة بمفهوم الواجب والمبدأ الجامع.
والأولى والأحرى الابتعاد كليا عن هذه الهاوية، حتى لا نفقد بعض جنودنا دون وجه حق مفحم مريح. ومن الخطر أن تطلق يد الرئيس إلى هذا الحد، ليقرر في شأن السلم والحرب، دون الرجوع للأمة بإستفتاء شامل، أو عن طريق ممثليها في البرلمان، مهما كانت نواقصه وعيوبه. فقليل الشورى والنظر والتحري، أفضل من إتخاذ القرارات الكبرى أحاديا.
ثم إن إسهام المؤسسات الدولية المالية، في تنمية وطننا –للأسف البالغ- أكثر من إسهام العرب الأغنياء. فلماذا محدودية الدعم وقت عدم الحاجة إلينا، والتلويح بدعم بلدنا بسخاء، حين يتعلق الأمر بموضوع حرب طاحنة.
فهل جيشنا الباسل مجرد مرتزقة للإيجار، حسب الدفع، وربما لجيوب خاصة بحد ذاتها؟ إننا نرجو من الله من صميم قلوبنا، أن لا تسبب هذه الحرب اليمنية المدمرة، أي خطر على حرمات بيت الله وضريح رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن ينتصر فيها من كان في نصره مصلحة اليمن والمنطقة والإسلام والمسلمين.
وإنه لجدير بالمسلمين أن يثقوا بأنفسهم ويبعدوا ملفاتهم عن تحكيم الغرب والشرق على السواء. فالإعتماد على النفس أكثر فائدة وجدوى. وبحروف مختصرة مباشرة، أقول، لا مصلحة لنا للمشاركة في حروب مدفوعة الثمن، دون أن تكون المشاركة على أساس الندية والموافقة الوطنية الشفافة المدروسة، رسميا وشعبيا.
وما عدا ذلك، بداية تطبيق قاعدة الحرب مقابل الدعم، على مستوى مؤسستنا العسكرية. ومن وجه آخر، من واجب ولد عبد العزيز أن لا يغامر في هذا الاتجاه. فليس من السهل أن يقبل الرأي العام الولوج في النفق اليمني، دون ردات فعل، وربما من المستبعد مباركة الجيش لخطوة كهذه، دون انعكاسات ما. وعموما الدخول في الحرب، أسهل من الخروج منها.