و أي قطاع في حل من الانهيار على الرؤوس؟ / الولي ولد سيدي هيبه

هي موريتانيا تدور رحى طحنها لكل مقومات كيانها بسائل الـ" سيبة " الشديد الاحتراق والقوي الدفع بسرعة اشتعاله إلى أبعد مسافات النأي بها عن "مفهوم الدولة"، ذلك المفهوم النبيل الذي أذكى منه الاستعمار ذات مرة شُويهِبا بالكاد أضاء أول طريق البلد المعتم قبل أن ينكفئ على عقبه و ينطفئ

وهجه لتضرب السيبة من جديد أخماس أفعالها في أسداس نواياها و أعشار حربائيتها.
فلا عجب عندئذ أن كل قطاع بالذي فيه ينضح، فتشاهد كل قوي فيه يربح، و كل مريب يصدح حتى يرى قصعة من الكعك له تُمتَح، و أن كل مهزوز المكانة من ضعف أو غبن أو إقصاء ملغي و مهمش، و كل من لم يصانع يضرس بأنياب و يوطأ بمنسم.
و في كل قطاع يبدأ تغير التوليفة الإدارية و التشكيلة التسييرية و التركيبة السياسية مع مَقدم كل وزير جديد حتى تأخذ الأمور وضعية طارئة تلائم المستجد.
و بالطبع فإن الأحوال و موازين القوى تأخذ بذاك الحراك أنساقا أخرى تلائم الوضع فتغير مسارات النفوذ بتبديل الأقفال و المفاتيح "السيزامية" بغيرها جديدة و بأياد غير التي كانت و بقبضة تزيدها قوة مرارةُ غُبن كان.
كما يشهد القطاع تدريجيا تحولا جِهويا و معاملاتيا بحكم كل المقاربات التي تستجد و تأخذ كل مقوماتها و أبعادها و منهجيتها و أهدافها من مرجعية "السيبة"، و لا يطول الأمد على العادة باستتباب الأمر للحالة الجديدة و إن لأجل غير بعيد. و لكن ريثما يحصل ذلك فإن نسقا جديدا من المعارضة يأخذ في التشكل إلى ذلك داخل القطاع لتبدأ هذه المعارضة في لعب دورها الجديد و عمرها المحدود.
و  في منهجية خالية من قواعد الحداثة تبدأ الفاعلية القبلية في التحرك على مستوى ما ينظر إلى أنه كان تحالفات تاريخية تضمن الحفاظ على المصالح المشتركة و تحقق الصمود في وجه التكتلات المعادية لاستواء العود و تبوء المراتب العالية؛ منهجية قوامها القبيلة و مستوى قوتها في السلم الترتيبي و مكانة الأفراد في السلم التراتبي و النهج التعاملي في سلم التوجهات.
و هي المقاييس التي تتحول عمليا إلى تقاسم الحضور و النفوذ في القطاع و المعلومات فيه ومن حوله، و التخندقات و المواقف الاجتماعية المشتركة في دائرة الأخرى السياسية الجامعة، و التحصيلية و الانتفاعية في دائرة التسيير المالي للقطاع.
فأي قطاع بهذا المنطق الساري لا يقع على رؤوس أصحابه؟
·        أهو قطاع النفط الذي لا يجيب عن سؤال كيف يدار و من هم أصحاب النفوذ فيه ومن أين يأتون وعلى أي معيار يختارون و أين يذهب ريعه و  و توجه موارده و مدخولاته؟
·        أم قطاع الصحة الذي يعاني من الحمى المزمنة و النزيف الباطني، و من هم المتنفذون فيه مرحليا و كيف يسيرون أموره؟
·        أم قطاع السياحة في غيابها من حيث الشكل الملائم للمتطلبات العالمية و المضمون الذي يؤهل البلاد للمكانة التي تليق بها و تحسن استغلالها و جني وافر الثمار منها.
·        أم هو قطاع التجارة و ما أدراك ما التجارة في البلد؟ و منهم روادها و موجهو دفة سياستها؟ أليسوا قلة من الأولين و قلة من الآخرين يمرحون في رحاب مضمارها الضيق و يحتكرون وسائلها و يجنون وحدهم فوائدها.
·        أم هو قطاع الداخلية الذي يعين، في كل حلة جديدة، ولاته و حكامه؟ و بأي مزاج يفعل؟ و إلى أي وجهة و قصد؟
·        أم هو قطاع الثقافة الذي يقف حائرا أمام غلبة تجاذباته الداخلية، الوافدة من كل جهة و المتخذة كل شكل و توجه و مدرسة، في شبه عجز بذلك عن تسوية المشاكل الجمة التي تتراكم في فسيفساء من التناقضات و الكوابح؟
و لتقاس على ذلك النحو الموحد الإشكال و المنهاج كلُ القطاعات الأخرى حتى يحصل الإنصاف و تنجلي الحقيقة، حقيقة أن مقاييس التعيين على رأس القطاعات لم تزل بإملاءات عرفية متحكمة خاضعة لفرضيات عقلية "السيبة" و بنيتها، و أن تبادل الأدوار و التمتع بالمقام الدوري و النفع اللحظي ما زال هو كذلك من وحي تلك الاملاءات التي تحفظ ديمومتها في قالب تصدق فيه قولة "يوم ماه لك زُوزُ" بل و المثل الذي يقول " الحرب سجال يوم لك و يوم عليك".

2. نوفمبر 2015 - 18:52

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا