لن أتوقف كثيرا، في هذا المقال القصير، عند أهمية دور الشباب في إصلاح وبناء المجتمعات، فمن المعروف أن الشباب يشكل ركيزة اساسية في أي عملية تنموية، لكني سأتناول باختصار دور الشباب الموريتاني في الإصلاح والتغيير في ظل واقع سياسي يطبعه غياب مشاريع مجتمعية لدى رجال السياسة
في موريتانيا، ولا أحاشي من الأقوام أحدا. وتركيزي على الشباب لا يعني التقليل من أهمية الدور الذي يمكن أن تقوم به باقي فئات المجتمع في التغيير المنشود. لكن لا غنى لأي تغيير عن طاقة الشباب وطموحه، وأعتقد أن الشباب الموريتاني في أغلبه أصبح يدرك يوما بعد يوم حتمية تغيير النظام السياسي، لأنه مصدر المآسي التي يعيشها الشعب الموريتاني.
يعاني الشباب الموريتاني معاناة كبرى، يمكن تلخيصها في الفرق الكبير بين واقعه الصعب وبين ما يطمح إليه. ومن ابرز مظاهر هذه المعاناة انعدام فرص التشغيل العادلة بسبب غياب تكافؤ الفرص وسيادة الزبونية والتسيير الأحادي والشخصي لمرافق الدولة، والقليل من فرص الشغل في الوظيفة العمومية لا يتيح العيش الكريم بسبب الرواتب الضعيفة. ولا يوجد عمليا قطاع خاص يمكنه أن يوفر فرص عمل محترم، لعدة أسباب منها ما هو بنيوي يتعلق بالحالة الاقتصادية المزرية للبلد وضعف القوة الشرائية للمواطنين، ومنها ما يعود إلى التضييق على رجال الأعمال من أجل سيطرة رجال أعمال مقربين من الرئيس ومن محيطه العائلي على السوق الاقتصادية.
هذا الوضع يؤدي إلى انسداد الأفق أمام الشباب الطامحين إلى حياة كريمة، ولا سبيل إلى تغييره إلا بتغيير النظام السياسي القائم على حكم الفرد وغياب المسؤولية والشفافية وغياب أي قواعد يمكن الاحتكام إليها، حتى أصبحت الدولة، التي من أبسط تعاريفها انها ملك عام (Bien public )، في قبضة شخص واحد يسيرها وفقا لأهوائه ورغباته.
ولا خيار أمام الشباب الموريتاني اليوم إلا أن يسعى إلى التغيير بنضال سلمي فعال، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا إذا كان الشباب مثالا للتضحية وللفهم العميق للواقع السياسي القائم، من أجل فضحه للرأي العام، والعمل على تغييره لإرساء واقع سياسي أفضل.
هذه الروح الإيجابية يمثلها اليوم شباب يقومون بدور الطليعة في المجتمع، فيتابعون ما يجري ويفضحون ممارسات الإدارة، ويقفون إلى جانب المواطن البسيط المظلوم المسحوق الذي نهبت ثرواته ولا يتمتع بأبسط حقوقه في ظل نظام يظن أنه يستطيع ان يفعل ما يشاء، وغير معني إطلاقا بتقديم حساب للشعب الموريتاني، الذي يفترض أن يكون صاحب السيادة الفعلية والكلمة الأخيرة وفقا لمقتضيات الدستور. وقد أصبح هؤلاء الشباب المناضلون يضايقون النظام الحالي، فرأينا كيف كانت ردة فعله المتشنجة تجاههم، عندما رفعوا قبل أسابيع شعار "بلد ينزف"، وهم على حق في ذلك، فالبلد ينزف، ليس فقط بسبب الحمى، ولكن أيضا بسبب الفساد والاستبداد.
مقابل هذه الصورة المشرقة للشباب المحتجين، هناك صورة قاتمة لشباب مدجنين يبحثون عن بعض المصالح الشخصية الضيقة، يستقتطبهم النظام للإيحاء بأنه مهتم بقضايا الشباب، وكان أكبر دليل على أنهم لا يمثلون الشباب الموريتاني هو أنهم لم ينددوا بما حصل من اعتقال لمن يفترض أن يساندوهم في حمل الهم الوطني.
ومن المفارقة أن هؤلاء الشباب لم يعينوا في المجلس الأعلى للشباب وغيره إلا بفضل نضال أولئك، ذلك أن هذا المجلس أنشئ لأهداف مشبوهة محاولة لتفريق الصف الشبابي حتى لا يشكل كتلة ضغط يمكنها أن تهدد بقاء النظام الحاكم، بعد أن بدأ الشباب ينزل إلى الساحات العامة ويقوم بمظاهرات منددة بالفساد والاستبداد، إلا ان لعبة النظام أصبحت مكشوفة ولن تنطلي على الشباب المتطلعين إلى التغيير. قد يسعى إلى الاستفادة منها بعض الباحثين عن تعيين، وهؤلاء على أي حال لا يعول عليهم في الثبات على طريق النضال الشاق. إلا أن هذه المقاربة تثبت مرة أخرى قصر نظر النظام الحاكم. فبدل إنفاق الأموال في مشاريع نافعة للمجتمع، والقيام بإصلاحات جوهرية في ممارسة الحكم، نجده ينفق المال العام في إنشاء هيئات لا قيمة لها عمليا وإذا أسندت لها مهام فإنها تكون متقاطعة مع مهام هيئات أخرى وهو ما يشكل تبذيرا للمال العام لشعب هو في أمس الحاجة لكل اوقية تصرف على غير مستحقها. وقد دأبت الأنظمة الاستبدادية على استقطاب من يبحث عن المصالح الضيقة وجره إلى صفها ثم رميه بعد أن يؤدي غرض هذه الأنظمة. حدث ذلك مع حزب تواصل الذي فضل الحصول على مقاعد في برلمان كرتوني هزيل على الالتزام الأدبي والعهد الضمني الذي جمعه بأحزاب المعارضة، فقدم للنظام هدية تتمثل في شق صف المعارضة، وإظهار النظام بمظهر الحريص على التعددية السياسية، فكانت "المكافأة" حل "جمعية المستقبل"، مما هو معروف لدى القارئ الكريم.
على الشباب اليوم، وقد أتاحت له وسائل التواصل الاجتماعي كثيرا من إمكانيات التعبئة، أن يوظف كل وسائل النضال السلمية المشروعة، وأن يتحلى بيقظة عالية وينزل إلى الميدان من أجل فضح كل شبهة فساد، بوقفات احتجاجية واعتصامات وتنديد بكل صفقة مشبوهة يعقدها هذا النظام وإدارته الفاسدة وبكل محاباة في التعيين والتوظيف، وتبذير للمال العام. فالعمل النضالي عمل تراكمي، وكل محطة من محطاته تشكل إضعافا للنظام القائم، مهما حاول البعض أن يقلل من قيمة ذلك.
ويجب أن يتوج كل ذلك بالوقوف ضد أي محاولة لتغيير الدستور والالتفاف على إرادة الشعب الموريتاني في الاستحقاقات الرئاسية المقبلة التي يمنع الدستور الرئيس الحالي من الترشح لها، وسيتعزز هذا النضال بجهود أحزاب المعارضة التي بدأت، منذ مقاطعتها لمسرحية الانتخابات البرلمانية والبلدية، تتلمس طريق النضال الصحيح، وعندما ننجح في تنظيم انتخابات رئاسية تحترم الدستور والقوانين نكون قد وضعنا أول لبنة في بناء دولة الحق والقانون التي يعول كثيرا على الشباب الموريتاني في إرساء دعائمها.