موريتانيا والمسار التأسيسي / باب ولد سيد أحمد لعلي

حل شهر التحرر والانعتاق ، الشهر الذي وُلدت فيه الدولة وتحررت من قبضة الهيمنة الفرنسية على الأقل ولو شكليا ، ولا شك أن لهذا الشهر طابع خاص ومكان مميز عند كل موريتاني ، ويشعره حلوله بالولادة بالوجود بالتحرر بالقفز من درك الجهل والضياع إلى النور الذي يصاحب البناء والتحضر ...،

إننا أمة وُلدت مما يشبه العدم رغم كل الأحاديث عن ماضي بلاد شنقيط وعن عظمة رجالها وسرعة بديهيتهم ، وسيّرنا المستعمر بعد أن أنشأنا مما يشبه العدم على درب ارتضاه لنا وجند به طلاب الجامعات الفرنسية و المتخرجين المنتمين إلى هذا الوطن أو إلى ربوعه ، وعلى ذلك الأساس وتبعا لمعطيات دولية أخرى ساعدت على فرض الاستقلال ، وجدت فرنسا الأرضية خصبة لتسليم زمام الأمور للذين نهلوا من ثقافتها ، فسلمت لهم جهاز السلطة وساعدتهم كثيرا في مجال الأمن والدفاع ، والحق الحق لفرنسا يعود الفضل في قيام الدولة وتجاوز غياهب السيبة تلك التي أشار إليها الشيخ محمد المامي في كتابه البادية في دعوة صريحة وملحة منه إلى ضرورة تجاوز الوضع الكارثي ولن يتجاوز طبعا إلى بتواجد جهاز سلطوي يحمي الأفراد ويدافع عن الاسم والحدود وكان قدرا أن يتواجد ذلك الجهاز مع فرنسا ويبقى بعد ذهابها ، ولم يكن ذلك لسواد عيون الموريتانيين ، بل إن تواجد سلطة تحفظ وتحرس مصالح فرنسا كان هو الهدف من السعي في قيام الدولة وفي الإبقاء عليها بعد الرحيل.
وقد أنشأت الدولة والحمد باسم أجنبي موريتانيا فأصبح الإسم الذي حمل المغامر اكزافى كبولاني من قصر الإيلزى سنة 1898 تحت ورقة موقعة بإطلاقه على هذه الناحية هو اسما لنا يعبر عن وحدتنا وولادتنا وطبعا لم نكن نعي في ذلك الوقت أن هذا الاسم أطلق لتَذكر الوجود الروماني قبل الإسلام في ما بات يعرف بالمغرب الإسلامي حيث أنه كانت توجد في بدايات القرن الميلادي إقليم موريتانيا تابعا للإمبراطورية الرومانية قام الإمبراطور "كلاوديوس " بتقسيمه في سنة 42م إلى موريتانيا الطنجية في المغرب و عاصمتها مدينة طنجة وموريتانيا القيصرية في الجزائر عاصمتها مدينة تشرشل .
وطبعا عند قدوم المستعمر إلى المغرب والجزائر حاول إبدال أسمائهم بنفس الاسم "موريتانيا" لكن ما منعه وجود سلطة في هذه البلدان ومهمة السلطة هو الدفاع عن الاسم والحدود وهو ما كان بالفعل فوجد المستعمر اللعبة هينة في هذه الصحراء القاحلة الخالية من جهاز سلطوي يحمي الاسم والحدود ويدافع عنهم ، فركّب الاسم وجمع عليه فتاة المتناحرين والمتقاتلين والمتفرقين في هذه الصحراء الذين يتبعون الكلأ والمرعى شعوبا وقبائلا و إلا كان أهون علينا استخدام أي من الأسماء االتي عُرفت بها البلاد قبل تواجد المستعمر ، مثل بلاد التكرور ، أو الملثمين او شنقيط ...فأصبح ذلك الاسم الذي يُذكر بالوجود الروماني ما بعد الميلاد بسنوات يُعبر عن هويتنا ووحدتنا في نفس الوقت الذي يذكر فيه بالتاريخ الروماني في المنطقة.
ولم يكن كما هو معروف للمستعمر أهمية كبيرة بالبلاد وإنما الهدف كان الربط بين مسعمراته وبذلك كان الجزء الغربي من البلاد يُدار من السنغال والجزء الشرقي يُدار من مالي ، لذلك لم يقم منشآت إدارية ولم يهتم بالبلد بقدر اهتمامه بالبلدان الأخرى ، وأكيد هذا يفسر أسباب التأخر المعماري كما هو معروف ، لكن هل البلاد كما هي هي تركها ..؟ أم إنها شطرت وقُسمت بإراته أو دونها ...؟
يعتبر بعض المؤرخين في محاولة إزالتهم اللبس عن اسم موريتانيا تعني أرض البيظان ، كما يعتبر أن الاسم يعود إلى قبائل الموركسين التي كانت تتواجد بالأندلس ... وما إلى ذلك من التفسيرات . وإن كانت موريتانيا تعني أرض البيضان فإن أرض البيظان ليست بهذه الحدود التي حزنا بل تمتد على امتداد هذه الصحراء من الساقية الحمراء وواد الذهب إلى أزواد وقد عرفت هذه البلاد أيضا تسميات قبل اسمها الحالي مثل بلاد المغافرة نسبة إلى سيطرة قبائل بني حسان المهاجرة سياسيا على المنطقة ، وبلال التكرور، وشنقيط وهو الاسم الأوسع صيتا وشهرة للمنطقة تلك المدينة التي أسست مرتين مرة على يد المرابطين وعُرفت بآبيي ومرة على يد قبلتيْ "لغلال وإيدوعل" على بعد 45 كلم من الأولى ، وسبب طلق اسم المدينة على كافة البلاد هو أنه حسب المؤرخين أن الحجاج من إقليم أزواد إلى واد الذهب كانوا يتوافدون على مدينة شنقيط لينطلق الركب من هناك فعرفوا في المشرق ببلاد شنقيط أو حجاج الشنقيط المدينة التي أطلقوا منها ...
فلماذا يبقى الاسم لنا دون أزواد وواد الذهب ..؟
ولا يمكن أن يفسر ذلك إلا بعجزنا على  بناء دولة لنا كما يُذكر بالمأزق الذي وضعنا فيه المستعمر الغريب الذي أورثنا الدولة بقطعه أجزاء منّا ، فلماذا لا نسعى بعد قيام الدولة وبلورة الوعي الوطني في النفوس والمشاعر العامة للمواطنين إلى إكمال النواقص كي نبين أن هناك في الوطن المحتفل بعيده بصمة خير من صنعنا ومن بناة أفكارنا وجهودنا الخاصة ...؟ بسيط لأننا دولة ينهشها الخصوم في الوقت الذي يحتقرها الجار ويعرف حقيقتها التي نسيت أن تكملها لنفسها أو عجزت إن صحّ التعبير، لم نفكر في هذا المنحى مطلقا باستثناء قرار المختار الأب المؤسس الذي دفع ثمنه بهزيمة الجيش وانقضاضه على السلطة بدل الخصم والعدو ..
المهم أن استقلال هذي الأرض حلّت ذكراه فيجب علينا أن لا نسى حقيقة التشكل المُجزءِ الذي وضعنا فيه المستعمر وحقيقة ما حفر وزرع فينا ليجني ثمره بعد ذهابه ، وحقيقة تبعيتنا الفكرية والسياسية له ، وحقيقة سعنا في إرضاءه ولو على حساب مقدساتنا  ، وأن عي ذلك ونحاول أن نكمل النواقص كلها بحكمة دهاء.
     

10. نوفمبر 2015 - 8:24

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا