جناية أن يكون المعلم الذي يربي النشأ؛ لا يتجاوز رصيده العلمي شهادة ختم الدروس الابتدائية؛ وهذا مما احترزت الدولة من الوقوع فيه؛ فاشترطت فيه شهادة ختم الدروس الإعدادية في مرحلة معيّنة من عمرها؛ وعندما انتشرت ظاهرة ضعف المستوى بين أهل الشهادات ؛ احتاطت الدولة بعد ذالك
من أجل حسن اختياره؛حتى يظهر المربي في المستوى ألائق به؛ من أجل تأدية ما نيط به على أمثل وجه؛ فاحتاطت الوزارة في قبوله من جديد باشتراط شهادة ختم الدروس الثانوية.
لكنّ هذه الحيطة والحذر مع المعلم؛ تتلاشى رويدا رويدا مع أستاذ المرحلة الثانوية؛ فقد طفقت الدولة في اكتتاب أساتذة لا يملكون سوى شهادة ختم الدروس الثانوية مع شهادة المرحلة الأولى الجامعية؛ تكتتبهم بدعوى انتدابهم للمرحلة الإعدادية ؛ وقبل أن يجفّ حبر اكتتابهم؛ يزحفون إلى تدريس المراحل الأخيرة من الثانوية؛ ليملئوا الفراغ الحاصل من نقص الأساتذة ؛ فيلجون فنونا قريحتهم أحجمت عن ذوقها ؛ وبعضهم بحكم الشهادة متطفل عليها.
فيشعر الطالب أنّ قامة الأستاذ العلمية التي تدرّسه؛ لا تتجاوز قامته إلا بقيد أنملة؛ أو أقلّ؛ فيصير في نظره آلة سحب تسحب من الكتاب على وجه السبورة لا أكثر؛فهي عاجزة أن تشرح أو توضح أو تتصرف فيما نسخت؛ وفاقد الشيء لا يعطيه؛ وخاصة من يريد أن يتسلّق مواد علمية بحتة كالرياضيات.
فالقوانين الرياضية السهلة السلسلة التي تجعل هذا النوع من الأساتذة في أريحية مع دروسه وتمارينه وبين طلابه؛ غائبة عنه؛ وفي أحسن الأحوال طالعها في مواقع الكترونية؛ من دون أن يستوعبها؛ فمن هذه القوانين على سبيل المثال قاعدة التسلسل في الاشتقاق ؛ وطريقة أولير لحلّ المعادلات التفاضلية؛وطرق التكامل وخاصة طريقة التعويض؛ والتي تستخدم في إزالة عدم التعيين في النهايات أيضا؛وهي عصى سحرية في جميع فنون الرياضيات ؛ وقاعدة لوبيتال ... والقائمة تطول؛ صدق معي أو لا تصدق جلّهم لم يسمع ببعض هذه الطرق والقوانين الرياضية.
قد يحاججني شخص بأنّ تلك الطرق والقوانين التي ذكرت؛ هي خارجة عن دائرة مقرر الوزارة؛ وهذا صحيح ؛ لكنني أجزم أنّ أيّ أستاذ لا يتقن تلك الطرق والقوانين؛لن يمسك بزمام ناصية المقرر في الرياضيات؛ ولا يستطيع بأيّ حال أن يقف أمام طلاب الثانوية ليشرح لهم بأريحية درسه؛ فمثله كمثل معلم عربية أغوته علاوة في تدريس اللغة الثانية؛ويا لها من لغة.
سبب تغوّل مادة الرياضيات على طلابنا يرجع أساسا إلى سببين اثنين حسب ما اعتقد: فالأول الأستاذ الذي ذكرنا آنفا ؛أنّه يحتاج إلى زاد علمي يعينه على رحلة التدريس مع هذه المادة؛ وإن كان فيهم من له كفاءة وخبرة؛ لكنّ التعليم الحر استبدّ به.
والثاني يتجسد في طلابنا ؛ الذين يباشرون هذه المرحلة من دون أساس علمي صلب ومتين؛فقد كان لزاما عليهم تحصيله وهضمه في المرحلة الأساسية والإعدادية؛كالعمليات الأربع ووحدات الطول والتفكيك والاختزال ونظرية بيتاكورس وحساب المثلثات على سبيل المثال.
فيبقى الطالب في شغف طيلة كدّه في الثانوية العامة؛ من دون أن يجد فكرة عامة تعطيه و لو جرعة بسيطة عن هذا الفنّ ؛وتأثيره في الحياة؛ وإنّما ينال تعريفات عامة مضطربة ومشوشة ؛ لا تشفي غليله ؛ الذي يشرأب إلى معرفة قوانين تطوّع له مسائل الحياة اليومية؛ وتكوّن له زندا في قاعة الامتحان؛ وخيطا يعينه في مساره العلمي.