بعد أن تمكنت المملكة العربية السعودية بفضل حكمة وصرامة قيادتها من كبح جماح المشروع الفارسي التوسعي ولجم طموحات ايران في الهيمنة على المنطقة، بدأت لبروباجاندا الإعلامية لهذا المشروع المفلس تحاول النيل من المملكة ومن اشقائها العرب الذين تصد
وا معها بقوة وحزم للتحرك لعسكري الايراني سواء في اليمن او البحرين اوسوريا و غيرها من بلدان المنطقة . وفي الآونة الأخيرة لاحظنا وجود حملة دعائية عدائية مغرضة تتزعمها بعض المنابر الإعلامية المأجورة عبر نشر مقالات ومقابلات مع أشخاص يحاولون إنكار وطمس تاريخ المملكة العربية السعودية المشرف في نصرة القضايا العربية،وخصوصا القضية المركزية قضية فلسطين .
بيد أن هذه المحاولة الإعلامية الهزيلة التي تمدها ايران بالمال سرا وعلانية تبدو كمن يحاول تغطية الشمس بغربال ، فالمملكة العربية السعودية عرفت عبر تاريخها بنصرة القضايا الإسلامية والعربية ومنها القضية الفلسطينية ، وإذا أردنا أن نقدم الدلائل والبراهين على ذلك فإن مقالة كهذه لا تكفي للإحاطة بكل مواقف المملكة من القضية الفلسطينية ، ولكن حري بنا أن نقدم بعض الأمثلة الدامغة القادرة على إخراس الأبواق المأجورة والأقلام الرخيصة المدفوعة الثمن.
الملك عبد العزيز : مواقف مشرفة حفظها التاريخ من قضية فلسطين
إن التاريخ يسجل بجدارة أنه على مدى أكثر من نصف قرن من الزمان والمملكة لعربية السعودية قيادة وشعباً يقدمون في كل يوم الدعم والمساندة للقضية الفلسطينية، فالمملكة تعتبرها قضية مركزية وهي محور سياستها الخارجية وعلاقتها الدولية وقد وقفت المملكة العربية السعودية وهي في طور التأسيس والنشأة بقيادة ملكها المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود موقف المؤيد والمناصر للشعب الفلسطيني ضد الاستعمار البريطاني والصهيونية العالمية.
ففي عام 1926 رفض الملك عبد العزيز رحمه الله أن يعترف للبريطانيين بشرعية وجودهم في فلسطين كما رفض الاعتراف بوعد بلفور ، وذلك بعد أن ساومه الانجليز على ذلك أثناء المفاوضات التي تمت بينه معهم في اجتماعات وادي العقيق. معتبرا رحمه الله أن الحقوق الثابتة للأمة لا يجوز التنازل عنها.
وفي عام 1935م قرر الملك عبد العزيز إرسال ولي عهده الأمير سعود إلى فلسطين للوقوف على أحوال الشعب الفلسطيني والتعبير لهم عن تضامن المملكة التام ودعمها لتحركهم من اجل نيل حقوقهم المشروعة.
وفي عام 1937م: وقف الملك عبد العزيز رحمه الله بقوة ضد قرار تقسيم فلسطين ، وخاطب الانجليز من موقف قوة محذرا إياهم من المضي قدما في تنفيذ القرار الجائر، وكلف الملك عبد العزيز ابنه الأمير فيصل بتكوين لجان شعبية في أنحاء المملكة العربية السعودية لجمع التبرعات للفلسطينيين .
وفي عام 1939 أمر الملك عبد العزيز بتقديم الدعم العسكري للفلسطينيين . وقرر رحمه الله شراء الأسلحة وإرسالها إليهم رغم الظروف السياسية والاقتصادية التي تمر بها المنطقة العربية آنذاك.
الملك فيصل: استخدام إمكانات الأمة لدرء العدوان الصهيوني
وعلى درب الملك عبد العزيز سار المغفور له الملك فيصل حيث كانت مواقف وخطابات مشهودة حول القدس وقضية فلسطين وكان لهذه الموقف تأثير كبير على مستوى العالم وتسجل صفحات التاريخ العربي والإسلامي أن الملك فيصل صاحب الفضل في إقامة صرح الجبهة العربية الموحدة التي وقفت بالمرصاد أمام زحف الصهيونية العالمية وتمددها في أرجاء العالم العربي والإسلامي، ومن ثم فهناك شبه إجماع من المؤرخين على أن فيصل أسهم بمواقفه الصلبة والداعمة للحق العربي في كسب مساندة العديد من الدول الأوربية والأمريكية، إضافة إلى دول عدم الانحياز ودول العالم الثالث بصفة عامة.
ولقد جسد الحظر البترولي الذي فرضته المملكة في عهد الملك فيصل على عدد من القوى الدولية المؤثرة، والذي صاحب حرب أكتوبر لعام 1973 م (1393هـ) موقفا عربيا غير مسبوق ، كانت تطالب به الجماهير العربية والإسلامية في مواجهتها للاستعمار والهجمة الصهيونية على فلسطين وباقي الأقطار العربية الأخرى.
وظلت سياسة المملكة العربية السعودية ثابتة منذ حرب يونيو 1967م حتى حرب رمضان أكتوبر 1973م تجاه مسألة الاستخدام الإيجابي للنفط في تنفيذ التزاماتها بدعم دول الصمود من عائدات النفط. وعندما نشبت حرب رمضان أكتوبر 1973م تطور موقف المملكة العربية السعودية باتجاه استخدام النفط في المعركة بصورة أكثر تأثيرا في الدول المستهلكة للنفط. فقد بدأت المملكة على ضوء سياسة الملك فيصل النفطية بتقليص إنتاج النفط إلى 10%، وبالإضافة إلى هذه الخطوة صرح وزير النفط السعودي للولايات المتحدة الأمريكية أن المملكة العربية السعودية لن تزيد إنتاجها الحالي من النفط، ما لم تبدل واشنطن موقفها المؤيد لإسرائيل . وأشارت صحيفة واشنطن بوست التي نشرت الخبر إلى أن هذه هي أول مرة تربط فيها السعودية علنا بين تصدير نفطها إلى الولايات المتحدة الأمريكية وبين سياسة واشنطن في الشرق الأوسط.
ومن مواقف الملك فيصل– شهيد فلسطين رحمه الله تجاه القضية الفلسطينية، ـ ـ, أسوقه لكم ما أورده الدواليبي في مذكراته".
، كان اللقاء بين الفيصل وديجول في باريس قبل الخامس من (حزيران) 1967، في قصر الإليزية، وكان مع الملك فيصل الأمير سلطان والدكتور رشاد فرعون. وطلع فوراً إلى اللقاء، رأساً لــرأس، ولا يـوجد معهما سوى مترجم من عند ديجول. قال ديجول: يتحدث الناس بلهجة متعالية أنكم يا جلالة الملك تريدون أن تقذفوا بإسرائيل إلى البحر. إسرائيل هذه أصبحت أمراً واقعاً، ولا يقبل أحد في العالم رفع هذا الأمر الواقع. فأجابه فيصل: يا فخامة الرئيس، أنا أستغرب كلامك; إن هتلر احتل باريس وأصبح احتلاله أمراً واقعاً، وكل فرنسا استسلمت إلا أنت! فانسحبت مع الجيش الإنجليزي، وبقيت تعمل لمقاومة الأمر الواقع حتى تغلّبتَ عليه. وألمانيا تنتهز الفرصة من وقت لآخر لخلافها معكم على منطقة الألزاس. كلما احتلتها وقف الشعب الفرنسي ينتظر حرباً عالمية ليستعيدها، فلا أنت رضخت للأمر الواقع ولا شعبك رضخ; فأنا أستغرب منك الآن أن تطلب مني أن أرضى بالأمر الواقع. والويل عندئذ يا فخامة الرئيس للضعيف من القوي إذا احتلّه القوي وراح يطالب بالقاعدة الذهبية للجنرال ديجول أن الاحتلال إذا أصبح واقعاً فقد أصبح مشروعاً. فدهش ديجول من سرعة البديهة والخلاصة المركّزة بهذا الشكل، وكان ديجول لم يستسلم ويتراجع، وإنما غيّر لهجته متأثراً بما سمع، وقال: يا جلالة الملك، لا تنسَ أن هؤلاء اليهود يقولون: إن فلسطين وطنهم الأصلي، وجدهم الأعلى إسرائيل وُلِد هناك. قال فيصل: فخامة الرئيس أنا من الأشخاص الذين يعجبون بك ويحترمونك; لأنك رجل متدين مؤمن بدينك، وأنا يسرني أن ألتقي بمن يخلص لدينه، وأنت بلا شك تقرأ الكتاب المقدس. أما قرأت أن اليهود جاءوا من مصر غزاة فاتحين، حرّقوا المدن وقتلوا الرجال والنساء والأطفال، ما تركوا مدينة إلا أحرقوها، فكيف تقول إن فلسطين بلدهم، وهي للكنعانيين العرب، واليهود مستعمرون. وأنت تريد أن تعيد الاستعمار الذي حققته إسرائيل منذ أربعة آلاف سنة، فلماذا لا تعيد استعمار روما لفرنسا الذي كان قبل ثلاثة آلاف سنة؟ أنصلح خريطة العالم لمصلحة اليهود، ولا نصلحها لمصلحة روما عندما كانت تحتل فرنسا البحر الأبيض كله وإنجلترا أيضاً؟ ونحن العرب أمضينا 200 سنة في جنوب فرنسا، في حين لم يمكث اليهود في فلسطين سوى 70 سنة ثم نفوا بعدها. وهذا مثال تاريخي أيضاً. قال ديجول: ولكنهم يقولون: في فلسطين وُلِد أبوهم. قال فيصل: غريب!! عندك الآن 150 دولة لها سفراء في باريس، وأكثر السفراء يولد لهم أولاد في باريس، أفلو رجع هؤلاء السفراء إلى بلادهم، ثم جاءت ظروف صار فيها هؤلاء السفراء رؤساء دول، وجاءوا يطالبونك باسم حق الولادة في باريس، فمسكينة باريس، لا أدري لمن ستكون؟!. هناك، سكت ديجول، وضرب الجرس مستدعياً بومبيدو، وكان جالساً مع الأمير سلطان والدكتور رشاد فرعون في الخارج، وقال له: الآن فهمت القضية الفلسطينية، أوقفوا السلاح المصدَّر لإسرائيل. وهكذا قُطع السلاح الفرنسي عن إسرائيل منذ ذلك اليوم من عام 1967 قبل الغزو الثلاثي لمصر بأربعة أيام
وتستمر قضية فلسطين قضية رئيسية لدى المملكة.
ولم تكن سياسة التضامن الإسلامي من أجل القضية الفلسطينية، والقضايا الإسلامية بصورة عامة، سياسة خاصة بالملك فيصل رحمه الله، وإنما كانت سياسة ثابتة للمملكة العربية السعودية وضع أسسها وإستراتيجيتها الملك عبد العزيز، واستمر في ممارستها جميع أبناء ه من بعده. فقد سار الملك خالد بن عبد العزيز - رحمه الله - ايضا على النهج نفسه، ودعا باستمرار وفي كل المناسبات إلى التضامن الإسلامي من أجل تحرير فلسطين، وإنقاذ المقدسات الإسلامية فيها، ودعم الشعب الفلسطيني في كفاحه وجهاده من أجل تحرير وطنه ومقدساته. كما كانت قضية فلسطين ايضا حاضرة في وجدان المغفور لهما الملك فهد ابن العزيز والملك عبد الله بن عبد العزيز اللذين حرصا على استمرار موقف المملكة الصارم ضد الاحتلال الصهيوني للأراضي العربية وعلى رأسها القدس الشريف وظلا يقدمان كافة أشكال الدعم السياسي والمادي للشعب الفلسطيني طيلة فترة توليهما للحكم. كما تواصل هذا الموقف بعد تولي الملك سلمان بن عبد العزيز سدة الحكم ، حيث استقبل بعد فترة قليلة من مبايعته خادما للحرمين الشريفين الرئيس الفلسطيني محمود عباس وأكد خلال اللقاء على المواقف الثابتة لبلاده تجاه القضية الفلسطينية والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في قيام دولته المستقلة وعاصمتها القدس، وتحقيق السلام العادل والدائم. ودعا الملك سلمان المجتمع الدولي إلى النهوض بمسؤولياته لتأمين حماية الشعب الفلسطيني من الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة.
وختاما
يمكن القول أخيرا أن ما تقوم به الأذرع الإعلامية الإيرانية من محاولات مكشوفة لتشويه وطمس للتاريخ السعودي المشرف من القضية الفلسطينية لا تعدو كونها أساليب بائسة لذر للرماد في العيون وذلك بعد أن عجزت الدولة الفارسية عن تحقيق مشاريعها الخبيثة بالمنطقة ، فعمدت إلى التاريخ لتغيير حقائقه ، وهذا السلوك إن دل على شيء فإنما يدل على أن إيران لا تزال غير مقتنعة بأن ما تقوم به مجرد محاولات عبثية لا طائل من ورائها وأن مشاريعها الاستفزازية في المنطقة بدأت تتحطم على صخرة الصمود العربي بقيادة المملكة العربية السعودية وكل المتضامنين معها في أنحاء العالم العربي والإسلامي من مؤسسات إعلامية ومنظمات مجتمع مدني .
بقلم محمد الامين بن محمد الحنفي
مدير وكالة الساحل ميديا
[email protected]