الخطاب الرجعي العنيف في مواجهة الخطاب الإسلامي الحضاري / د.محمدو ولد لمرابط

إن الإعتداء على الأبرياء العزل في باريس، يمثل مرحلة متطورة من مراحل الخطاب الرجعي الذي يحمل لغة التحدي والمواجهة تجاه الغرب، والنيل من القواسم المشتركة بين  العالم الإسلامي والغرب المسيحي، وهي قواسم يمكن معها إيجاد بساط من العيش والتعاون، انطلاقا من أن الخطاب الإسلامي 

الجاد يرى في علاقة المسلمين بالغرب أنها علاقة تدفعها الرغبة في العيش الكريم والسلام الشامل بين جميع الناس،سيما أن المسلمين يملكون حضارة هي في أساسها ومقوماتها حضارة إنسانية،ويشكل وجود الجاليات الإسلامية في الغرب عاملا يستحق حوارا حضاريا جادا،مما يؤدي إلى دمجها كعنصر فاعل في النسيج الاجتماعي الغربي،وذلك من خلال العمل على إشاعة روح المودة في المجتمع الذي يعيشون فيه، واحترام عقائد الآخرين وخصوصياتهم الثقافية.
واليوم فقد أصبح الخطاب الإسلامي "الحضاري" أكثر نضجاً وإدراكاً لحاجاته الحقيقية،وأكثر تفهُّماً للواقع الإسلامي والعالمي،وعنده من المرونة ما تجعله على استعداد لتقبل التجديد والتطوير،وهو ما انعكس على رؤيته للغرب التي نلمس فيها تطورا وتحسنا وتأكيدا على الحوار والتعايش السلمي بين الثقافات،بعيدا عن الإيديولوجيا الظلامية،التي اندحرت إلى الجبال وفي الجحور وأصبحت معزولة مقيدة بجهلها للأديان السماوية.
انطلاقا من أن الأديان لا تصنع الحروب،لأن الإسلام والمسيحية،وكل الديانات لم تدخل في صراع بأنماطها المقدسة أي بالنصوص الكتابية المنزلة،بل المؤسسات التي تمثلها،وهذه نقطة جوهرية يجب أن تكون محط الانتباه والتأكيد لأن الصدام الحضاري الذي يتحدث عنه البعض،ليس صداما حول المسيح (عليه السلام) أو محمد (صلى الله عليه وسلم)، بل هو صراع بالقوة على الثروة والنفوذ،وفي هذا المجال أدرك المسلمون طبيعة دينهم وعالمية رسالته،فقاموا يدعون الناس إلى هديه، فبدأ الحوار بين المسلمين ومشركي قريش،وسجل القرآن نماذج كثيرة من هذه الحوارات التي تولى فيها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم الرد على المشركين. وهذا أكبر دليل على أن الحضارة الإسلامية اتسمت بتعاملها الإيجابي مع التعدد والتنوع في الدولة الإسلامية، وعمل المسلمون على وحدة قائمة على التنوع والقبول به باعتباره فطرة انسانية.
لأن الدين الإسلامي اعتبر هذا التنوع والتعدد خلقة إلهية و"سنة" أزلية أبدية"،قد فطر الله عليها جميع المخلوقات،فلم ولن يكون الناس نمطًا واحدًا أو قالبًا فردًا، وإنما كانوا ولا يزالون مختلفين،قال تعالى:"وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ" ، والاختلاف هو التباين في الرأي والمغايرة في الطرح وقد ورد كثيراً في القرآن الكريم قال تعالى:"فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ" ، وقال تعالى:"فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ" ،وقال تعالى "فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" ،وقال تعالى: "وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ"
والاختلاف قد يوحي بشيء من التكامل والتناغم ،والتنوع الثقافي يدل على غنى العطاء الفكري للعقول البشرية على اختلاف ظروفها وبيئاتها كما في قوله تعالى: "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ"،صدق الله العظيم.


 

16. نوفمبر 2015 - 8:40

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا