الملاحدة الجدد بين الجهل والضياع الحلقة(38) / المرابط ولد محمد لخديم

ومرد ذالك إلى أن لكلمات هذا الكتاب المبين، رغم أنها كانت عربية لم تتجاوز حدود هذه اللغة وقاموسها، تمتاز في صياغتها وموقع كل منها مما قبلها وبعدها بجرس مطرب في الأذن لم يكن للعرب عهد به من قبل، هذا إلى أن كثيرا من الاشتقاقات والصيغ الواردة فيه، تكاد تكون جديدة في النطق 

العربي، وهي مع ذالك تحي بمعناها إلى الفطرة والطبع، قبل أن يهتدي السمع إليها بالمعرفة والدروس. فكان من أثر ذالك أن انصرفت الأذواق إلى الاستفادة من كلماته والجديد من صياغته، وهجرت تدريجيا ما استثقل وغلظ من الألفاظ والتراكيب".
        وبمقارنة بسيطة بين نص أدبي من العصر الجاهلي وآخر من العصر الإسلامي يتضح لك دور البلاغة القرآنية في كل من الأسلوب والجمل والكلمات.
        وكان للإسلام فضله على اللغة العربية أيضا بالإضافة إلى هذا كله في اشتراطه للتعبد بها. مما جعل الملايين من الشعوب الإسلامية حتى غير العربية تحاول أن تتعلم اللغة العربية, ولو بالقدر اليسير الذي يمكنها من قراءة الدعوات وبعض السور القصار من القرآن الكريم، وهذه الشعوب إن لم تجد اللغة العربية، فهي دائمة التشوق إليها من غيرها.. " فقد انتشرت في آسيا، وإفريقيا، وأوروبا، واقتبست لغات عدة نسبة عالية من مفرداتها، ولم يقف انتشارها عند ذالك الحد، بل إنها تزدهر اليوم في معظم بلدان العالم من خلال انتشار الإسلام فيها، وتطلع المسلمين إلى تعلم لغة القرآن الكريم، ليعرفوا دينهم ويتفقهوا فيه "(134)
      ولقد تقدم أن جميع المحاولات التي كانت تدار للقضاء على لغة القرآن باءت بالفشل الذريع، وتحطمت كل مساعيهم على صخرتها الصلبة حيث بقيت لغة كلام الله (135) وذالك كله راجع إلى كونها لغة القرآن ليس إلا. فقد حوربت من أعدائها لهذا السبب، وحوفظ عليها من أبنائها لنفس السبب أيضا لأنها لغة كلام الله، ولغة تأدية الشعائر الدينية، ولغة أهل الجنة.
ولعل هذا ما دفع بشيخ الإسلام ابن تيمية إلى القول بوجوب تعلم العربية على كل مسلم اعتمادا على قاعدة مفادها أن معرفة الإسلام مرتبطة بمعرفة اللغة العربية، وعليه فمعرفتها واجبة على كل مسلم بحجة أن مالا يتم الواجب إلا به يعتبر واجبا.
         فمن هذا المنطلق ـ إذن ـ يجب أن يلتقي الناطقون بالعربية وغير الناطقين بها من المسلمين في جميع أقطار العالم.
          فالإسلام إذن هو الذي أخرج العربية من جزيرتها لتنتشر في أقطار العالم العربي، الإسلامي، وجعل عباقرة الشعوب الإسلامية ينتجون الآثار الأدبية والفكرية الخالدة باللغة العربية ( في زمن قصير) وما كتب الرازي، وابن سينا والفارابي، والغزالي، والبيروني، وسيبويه، والطبري، والبخاري، إلا أمثلة على ذالك.
عالمية اللغة من عالمية الاسلام:
            إذن نخلص إلى أن عالمية اللغة العربية مستمدة من عالمية الإسلام وقدسيتها مستمدة من قدسية كتاب الله ولا أدل على ذالك من الشعوب الإسلامية التي تبنت العربية بعد إسلامها وأتقنت هذه اللغة وأنجبت أمراء البيان فيها.. وقد كانت من قبل شعوبا مختلفة اللسان من بابلية, وفينيقية, وقبطية ,وسواحيلية، وأمازيقية..
          مما سبق يتضح لنا أن كل دساتير الأرض حاضرا  ومستقبلا قابلة للتغيير والزوال، وكل الأنظمة السياسية يمكن أن تتبدل رأسا على عقب، ولكن مالا يمكن أن يتغير أبدا هو كلام الله ودستور السماء وطالما أن كلام الله أبدي فالعربية أبدية ملازمة له حيث ما سطع نوره على البلاد التي دخلها.. وإذا استطاع بعض الساسة في البلاد الإسلامية نتيجة الغزو اللغوي المبكر في هذا القرن أن يغيروا حروف لغاتهم، وينظفوها من الألفاظ العربية، ويستبدلوها بحروف لاتينية وألفاظ أوربية فإن القرآن في هذه البلاد (136) ما يزال يرتل بلسان عربي مبين ويكتب بحروفه العربية الأصلية، شأنه في ذالك شأن جميع البلاد الإسلامية في كل أقطار العالم، كما أن انتشار الإسلام في الوقت الحاضر في أي بلد من العالم أدى ويؤدى بكيفية تلقائية إلى انتشار مؤسسات التعليم للغة العربية سواء في إفريقيا أو أوروبا أو أمريكا، وحتى الصين الشعبية في المدة الأخيرة فإنها ما أعادت حكومتها الاعتبار إلى الإسلام حتى سمحت بفتح المدارس والمعاهد بجوار المساجد لتعليم اللغة العربية والفقه الإسلامي لأبناء المسلمين وهذا ما يؤكد سر بقاء اللغة العربية
            ولا يمكن أن يحفظ القرآن ويفهم وبالتالي يفهم الإسلام وينتشر ويسود بغير لغته الأصلية التي نزل بها والتي وصفت في آيات منه:
           ﴿وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه﴾(137)، ﴿لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين﴾(138)، ﴿إنا جعلناه قرآنا عربيا ﴾(139).
            إذن فالقرآن كله عربي ولو اشتمل على غير اللغة العربية لكان مخالفا لهذه الآيات، ويكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد أرسل بغير لسان قومه، والقرآن يطلق على مجموعه وعلى جزء منه، فلو كان جزء منه غير عربي لما كان من القرآن، وأيضا فإن الله تعالى يقول:
        ﴿ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته﴾(140) فنفي أن يكون أعجميا(141).
         وأما اشتمال القرآن على ألفاظ مأخوذة من اللغات الأخرى كاشتماله على لفظ "المشكاة" وهي لفظة هندية وقيل حبشية وهي الكوة، وعلى لفظ "القسطاس" وهي رومية ومعناها الميزان، وعلى لفظ الإستبرق" ومعناها الديباج الغليظ، وعلى لفظ (سجيل) ومعناها الحجر من الطين وهما لفظتان فارسيتان فإنه لا يكون بذالك مشتملا على كلمات غير عربية لأن هذه الألفاظ قد عربت فصارت معربة، فهو مشتمل على ألفاظ معربة لا على ألفاظ غير عربية. واللفظ المعرب عربي. كاللفظ الذي وضعته العرب سواء بسواء. والشعر الجاهلي قد اشتمل على ألفاظ من قبيل أن ينزل القرآن مثل كلمة (السجنجل) بمعنى المرآة في شعر امرئ ألقيس وغيرها من الكلمات عند كثير من شعراء الجاهلية. والعرب كانوا يعتبرون اللفظة المعربة عربية كاللفظة التي وضعوها سواء بسواء.
          فالتعريب هو صوغ لكلمة الأعجمية صياغة جديدة بالوزن والحروف حتى تصبح لفظة عربية في وزنها وحروفها.
         فهذا القرآن إذن أنزل بلسان عربي مبين ولا مجال إلى فهمه إلا من حيث يفهم الكلام العربي فأساليبه عربية، ومفرداته عربية، وألفاظه عربية.
         وهذا ما عبر عنه أبو إسحاق ألشاطبي بقوله:.........يتواصل....

16. نوفمبر 2015 - 8:49

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا