بِمَ أحتفل؟ / محمد الأمين ولد الفاضل

بِمَ أحتفل؟
هذا سؤال طرحته على نفسي أكثر من مرة، وربما يكون أكثركم قد طرحه على نفسه وهو يتابع الاستعدادات الجارية على قدم وساق للاحتفال بالذكرى الخامسة والخمسين للاستقلال الوطني، والتي يقال بأنها ـ أي الاحتفالات ـ  قد رُصدت لها المليارات من أموال الشعب الموريتاني في أيام الشدة هذه.

بم أحتفل؟
فهل أحتفل بهذه الذكرى لأن بلادنا وبعد خمس وخمسين سنة من "الجهود الجبارة" لا تزال هي الأولى عربياً من حيث انتشار الأمية؟ أم أحتفل بها لأنها وبعد خمس وخمسين سنة من "القفزات النوعية" وفي مختلف المجالات لا تزال هي الدولة الأولى إفريقياً من حيث تهميش الكفاءة وتفشي المحسوبية؟ أم أحتفل بهذه الذكرى لأن بلادنا ورغم مرور خمس وخمسين سنة من إعطاء "التوجيهات السامية" و"التعليمات النيرة" لا تزال تصنف على أنها الدولة الأكثر ممارسة للعبودية في العالم؟ أم أحتفل بفشلنا بعد خمسة عقود وخمس سنين في رسم ملامح واضحة للهوية الموريتانية؟ أم أحتفل بالتهميش المستمر للغتنا الرسمية وللغاتنا الوطنية لصالح لغة المستعمر؟ أم أحتفل لأن مجرد التفكير في تسمية مطار بمعركة من معارك المقاومة قد يدخلنا في جدال بلا أول ولا آخر؟ أم أحتفل لأن الانتماء للوطن أصبح أقوى عندنا من الانتماء للقبيلة وللجهة وللعرق وللشريحة وللايدولوجيا؟ أم أنه عليَّ أن أحتفل بتعليمنا المنهار،  وبعدالتنا العرجاء، وبديمقراطيتنا المتعثرة، وبخدماتنا الصحية المتردية، وبأفواج المرضى الذين يسافرون يوميا إلى بلدان أقل منا ثروات من أجل العلاج في مستشفياتها؟ أم أنه عليَّ أن أحتفل بنسبة البطالة المرتفعة، وبأفواج الشباب الذين يهاجرون يوميا إلى مشارق الأرض وإلى مغاربها طلبا للعيش الكريم؟ أم أحتفل بعاصمتنا العطشى المليئة بالقمامة والبعوض والغارقة في أغلب أوقاتها في ظلام دامس؟ أم أحتفل بها لأنها ربما تكون هي العاصمة الوحيدة  في العالم التي لا توجد بها شبكة للصرف الصحي في العام 2015؟ أم أنه عليَّ أن أحتفل بالانتصارات التي حققتها أنظمتنا المتعاقبة في حروبها "الطاحنة" و"الشرسة" على الفقر والأمية والسمنة والفساد والمستنقعات والأوساخ وأكياس البلاستيك؟
بكل تأكيد سأحتفل بالذكرى الخامسة والخمسين للاستقلال الوطني، سأحتفل بها لأنه لابد لي من أن أحتفل بها، سأحتفل بها كما يحتفل كل مواطن صالح  في هذا العالم بذكرى استقلال بلده، سأحتفل بهذه الذكرى ولكن دون أن أعرف لِمَ أحتفلتُ بها.
سأحتفل بهذه الذكرى، ولكني مع ذلك لن أتوقف عن طرح السؤال المشاكس، والذي يبدو أن سيظل يتجدد مع كل ذكرى: بِمَ أحتفل؟؟؟
سأحتفل بهذه الذكرى، وإن أزعجني السؤال أعلاه، فإني سأغمض عيني قليلا، وسأتخيل للحظة ـ ولمجرد لحظة ـ  بأني أعيش في موريتانيا أخرى، "موريتانيا جديدة"، موريتانيا التي تصدر الكهرباء إلى الدول المجاورة، و التي بها مصنع لتركيب الطائرات العسكرية، وسوق للأوراق المالية، ومصنع كبير للسكر، ومزارع شاسعة للموز، ومدينة رباط البحر، وجامع كبير يتسع لعشرات الآلاف من المصلين، ومصانع للألبان واللحوم، وتحيط بعاصمتها مليون شجرة، تلكم العاصمة الرائعة المليئة بالعمارات الشاهقة، وبالطرق السريعة، والتي تنساب فيها حركة السير بشكل لا يمكن تخيله.

حفظ الله موريتانيا..
 

19. نوفمبر 2015 - 23:28

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا