لا زال الجدل النخبوي و الشعبي قائما حول إمكانية "التعايش الإيجابي" بين اللغة العربية التي استعادت -نضالا و غِلاَبًا- مكانتها كلغة دستورية رسمية للبلد و اللغة الفرنسية التي ظلت فترة طويلة لغة رسمية دستوريا أحيانا و تطبيقيا أحيانا أخري.
واللغة الفرنسية لا زالت حتي الآن لغة عمل
و تعليم و تواصل و انفتاح جنبا إلي جنب مع اللغة العربية بالإضافة إلي إقبال تعليمي ملحوظ لِجِيلَيْ "العُمُرِ الثاني" الطموح و "العُمُرِ الأَوًلِ" الواعد علي اللغة الإنجليزية التي تُنْعَتُ دوليا بأنها " جواز السفر العالمي".
وكما بَيًنْتُ في مناسبات عديدة حديثا و كتابة فإن مسألة التعايش بين اللغة العربية التي هي اللغة الرسمية دستوريا حاضرا و مستقبلا لها البلد و اللغة الفرنسية التي هي اللغة الثانية "بقوة الشيئ المقضي به وَاقِعًا" يجب أن يخضع لقواعدَ وضوابطَ بعيدا عن المُنَاكَفَاتِ الإيديولوجية الساخنة ذات اللًبُوسِ العرقي.
تلك المناكفاتُ التي أثبتت حتي الآن فشلها في إدارة إيجابية للتعايش بين اللغتين تعايشا ينصف اللغة العربية و يعيد لها حقها و مكانتها و يُبْعِدُ عنا شُبُهَاتِ "الاستخدام العنصري و الاسْتِعْلاَئي" و لا يحرم من إيجابيات الاستفادة" المثلي" من اللغة الفرنسية.
و بخصوص " عدم إنصاف" اللغة العربية فقد شد انتباهي مؤخرا ملاحظة أن جميع " المناقصات الاستشارية" المعدة من طرف القطاعات المركزية للدولة و المؤسسات العمومية محررة باللغة الفرنسية وحدها غالبا.
و الأشد مرارة و حُرْقَةً تَضْطَرِمُ في الجوارح هو أن الكثير من الضوابط المرجعية لتلك المناقصات الاستشارية Les Termes de reference إما أن لا تشير إلي اللغة العربية مطلقا و إن أشارت إليها فبالقول إن معرفة اللغة الفرنسية فريضة و عمدة و معرفة اللغة العربية رَغِيبَةٌ و فضلة Le Français est obligatoire,l’Arabe est un atout\ French is a must,Arabic is an asset.
كما أن عدم إنصاف اللغة العربية واضح أَبْلَجٌ عند دراسة الشواهد المرجعية لاكتتاب الأطر بالنسبة للعديد من الهيآت و المشاريع و البرامج التنموية الموريتانية الممولة من طرف منظمات التمويل الغربية و كذا بالنسبة لشروط اكتتاب و انتقاء الموظفين المحليين العاملين بممثليات و وكالات و صناديق الأمم المتحدة المقيمة ببلادنا حيث لا يتم التبويب غالبا علي معرفة المترشح للغة العربية و كأنها ليست اللغة الرسمية الوحيدة للبلد و إحدي أبرز اللغات الرسمية لمنظمة الأمم المتحدة!!
و غير خافٍ أن هذا "التمييز السلبي" ضد اللغة العربية و المُكَوًنِينَ بها في بِلاَدٍ اللغةُ العربية لغتُها الرسمية يحمل في ثناياه حيفا صارخا و غَبْنًا واضحا و خروجا جليا علي القانون و يَحْرُمُ المرافق العمومية الوطنية من الاستفادة من خبراتٍ و كفاءاتٍ وطنيةٍ عاليةٍ مكونةٍ أساسا باللغة العربية و يحوز أغلبها حظا معلوما من اللغات الأخري.
ولو أن المتضررين من هذا الحيف لجأوا إلي المحاكم الوطنية المختصة لأنصفتهم و لصدعت بعدم قانونية كل مسابقة وظيفية أو استشارية لا تُبَوِبُ علي الأقل علي اشتراط معرفة المتأهلين لمستوي مقبول من اللغة العربية.
و سبيلا إلي تصحيح الخلل المتعلق بالمكانة الغائبة أو الهامشية للغة العربية في مسابقات انتقاء الاستشاريين المكلفين بإعداد الدراسات و التدقيقات و التقييمات عموما و مسابقات اكتتاب الأطر العاملين بالمشاريع و البرامج و الوكالات الممولة كليا أو جزئيا من طرف هيآت التمويل الأممية أو الغربية أحسب أنه يجدر بالسلطات العمومية إثراء التفكير حول التوصيات الثلاثة التالية:-
أولا: إصدار تعميم موقع من الوزير الأول -لضمان تَرْفِيعِ الحِجِيًةِ- يقضي بضرورة اعتماد معرفة اللغتين العربية و الفرنسية كشرط أهليةٍ للمشاركة في مسابقات الاستشارات و الدراسات و التقييمات و مسابقات اكتتاب الأطر بممثليات وكالات و صناديق و برامج الأمم المتحدة المقيمة ببلادنا و كذا المشاريع و البرامج و الوكالات الممولة من طرف بعض "خُلَطَاءِ التنمية"؛
ثانيا: اتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل إلزامية تقديم التقارير الختامية للدراسات و التدقيقات و التقييمات و "مُعِينَاتِ الذاكرة"Aides-memoireباللغتين العربية الفرنسية ابتغاء تعميم الفائدة و تسهيل نفاذ الجميع إلي المعلومات و خصوصا بعض الطلاب و الباحثين الجامعيين الذين "يرْسِفُونَ" في أغلال جهل أو نقص إتقان اللغات الأجنبية؛
ثالثا: تشجيع إنشاء "مِنَصًةِ تفكير و مُناصرة" تضم شخصيات وازنةً علميا و مهنيا و راجحة ًرصيدا نضاليا و معنويا تهدف إلي إعداد خطة عمل سياسية و مهنية و إعلامية من أجل ترقية ولوج و حضور و نفاذ اللغة العربية إلي الفضاءات الفنية كالقطاعات الجبائية و المالية و الاقتصادية و المنجمية و الزراعية بالإضافة إلي مجالات الشراكة مع المنظمات الدولية و هيآت التمويل و الدعم الفني الأجنبية،...