تعيير النشيد مطلب وطني (في ثوب نوفمبر) / باب ولد سيد أحمد لعلي

رغم كل الشيء ورغم ما يعجُّ به الماضي السحيق من شوائب تنعدم فيه نوايا تأسيس كيان دولاتي يحفظ الاسم والحدود في هذه المنطقة التي نعيش على أديم أرضها وتظلنا سماءها ، فإنه يجب أن نحمد الله أولا على نعمة الاستقلال والتأسيس ونشكره على تجاوزنا ذلك الماضي السحيق ، وأن نحتفل بهذا الشهر

 ونعظمه حق التعظيم بما يخبئ في ثناياه لنا من معاني ورموز يجب أن تثير فينا الفرحة الأبدية وحمد النعمة التي تحيطنا في ظل هذا الوطن ...
ولم لا نحتفل حق الاحتفال به ...؟ وهل يجب على غيرنا الاحتفال بأعيادهم الوطنية في الوقت الذي يجب علينا التشكيك في مصداقية هذا العيد وظروف حدوثه ...؟
ربما من نظر إلى الماضي السحيق في ثنايا كتب ودراسات تاريخ المنطقة القريب وبعد وفود قبائل بني حسان سيشعر بعظمة هذا العيد ونعمة تأسيس الدولة ... فلا يحق لسوانا الفرحة أكثر منا ، لما عانيناه وما تفشى فينا من عوائد سيئة قبل الاستقلال ونادرة ولم تشهد أي منطقة فوضى بالقدر الذي ظهرت فينا معالمها أيام دهر السيبة ، فمن ذلك المنطلق أتى العيد والتأسيس كبادرة خير تأسس لمشروع فتح جديد ربما لم يسبق لماضي المنطقة أن شهده ، خصوصا عندما نعلم أن حضارة المرابطين التي نفتخر بها لم تكن المنطقة غير انطلاقة لها وتأسيسها كان في المغرب والأندلس بعد ذلك ، فجاءت الدولة التي سعى المستعمر وبذل الغالي والنفيس في تأسيسها بمثابة فتح جديد يطوي صفحة جدُّ مظلمة من التاريخ الموريتاني لم يكن لها مثيل سوى حال العرب في شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام ...!
وفي البداية لم يأتي الاستقلال بالأفراح الخالدة بقدر ما كان الحصول عليه نافذة لإثارة الكثير من المشاكل لدولة مصطنعة وحكومة تدير الفراغ وشعب غائب تماما عن مجريات كل تلك الأمور ، ومن أهم المشاكل التي واجهت الحكومة تلك هو إمكانية إثبات الذات كدولة تستحق السيادة وكشعب يمتلك مقومات البقاء معتمدا على نفسه ـ طبعا يمكن للحكومة أن تتكلم عن الشعب وتتبنى ما شاءت في حقه دون علمه ـ في وقت يُطالب المغرب فيه بالإقليم المستقل وتعتبره جزءا منها وتسعى في سبيل ضمه دوليا وإقليميا ، وفي وقت تتنازل الحكومة فيه عن الأمن والعدالة والدفاع للمستعمر للذي منح الاستقلال وبدأ بالاستغلال (فرنسا)...
وقد تم بفضل الله تجاوز تلك العقبات كلها بفضل حنكة النظام وسداده فكان تأميم شركة ميفرما وسك العملة الوطنية في عام 1973م وانضمام موريتانيا للجامعة العربية في نفس العام بعد اعتراف المغرب بها سنة 1969 وتقديمه ملف ترشحها للانضمام للجامعة العربية بعد ما منعه سنوات .
فكان هذا العام هو العام الفعلي حسب الكثير من المهتمين الذي استقلت فيه الدولة وحققت مكاسب وطنية بنفسها لنفسها نتيجة لجهود مثمرة وذكية دولية وإقليمية .
لكن دعونا نبلور بعضا من الأفكار التي لا تزال تحتاج للمراجعة والتمحيص في نظري وفي نظر الكثيرين .
استقلت الدولة وتم إعلانها جمهورية إسلامية ومن الطبيعي وبعد استفتاء 1958 الذي تم من خلاله إعلان موريتانيا إقليما مستقلا تابعا لمستعمرات إفريقيا الغربية وتم تأسيس جمعية وطنية وعين المختار ولد داداه وزيرا أولا للبلاد ، ومنذ ذلك الوقت أخذت التجهيزات على قدم وساق نحو الاستقلال وتم الاتفاق على النظام الجمهوري والتواضع على العلم والتحضيرات لتلحين نشيد وطني ....
ربما في تلك الفترة لم يخطر على بال المسئولين غير هذا النشيد وإلا لكانوا بلوروه ، ولو افترضنا على أنهم نسوا أو تناسوا أو تجاهلوا عن قصد وعن غير قصد فلماذا نسكت نحن عن أمر يجب إعادة النظر فيه ألم يعد المختار ولد داداه النظر في المعاهدات التي أبرمت بين موريتانيا وفرنسا وتم بموجبها الاستقلال ..؟ فلماذا لا يعاد النظر في النشيد الوطني ..؟ بعد كل هذا الزمن ولو افترضنا أن معايير الوطنية لم تكن كاملة عند جيل التأسيس مع ما في الاعتبار من تزيف فربما كان أحرى بالجيل الذي تربى في الدولة أن يسوغ نشيدا يحمل وعيا وطنيا ويعبر عن الوطن في الوقت الذي يذكر تضحيات الأجداد والمقاومين أو المجاهدين الذي تم اعتبارهم مقاومين بعد تأسيس الدولة.
وبالتأكيد لا أقصد بذلك المس بكلمات النشيد وعميق معناهم الذي يحث على الخير وتجسيد الشرع والحث على الصدق والمعروف في ثوب ديننا الحنيف ، ولا من شخص صاحب الكلمات العلامة الفذ فخر زمانه .
وإنما على اعتبار أن هذه الأرض رغم ما كان في أنظمتها الأميرية من هشاشة ورغم ما كان سائدا من قيم التشظي والتناحر بين الأعيان والصراع على الامتيازات السياسية والعسكرية داخل البلد مع أبناء البلد ،وغياب رؤية وطنية تبلور فكرة وطن يلم الجميع بدل تفرقهم ، إلا أنه كان هناك زجر ورفض من الساكنة والأمراء المحتل الغاصب رغم ضعف الوسائل وانعدام الندية بين الفرقين فقدم الرجال أرواحهم في سبيل ذلك ـ ولا أقول في سبيل الوطن الذي تشكل بعد ذلك ـ بل في سبيل الدين والجهاد مع انعدام الفارق بين الاثنين في إقامة الحق ورفع الظلم فحاربوا وقتلوا وقُتلوا واستحقوا منا التقدير والاحترام ومحاولة الإقتداء بهم .
فإذا كانت الدولة الوطنية قد سمَّت أؤلائك الأبطال مقاومين بدل مجاهدين فلماذا تأخذ نص باب ولد الشيخ سديا الذي غيب مآثر هؤلاء الأبطال بحكم أنه عايشهم نفس العصر واختلف معهم في الرؤية والتوجه ..؟
لا أحب أن أثير اماكنية تمالي المستلمين للأمور ضد المقاومين في ذلك على اعتبار أن من سُلم الدولة نخبة من خريجي الجامعات الفرنسية ومن نفس المجموعة التي ينتمي لها العلامة باب ولد الشيخ سديا الذي ساند المستعمر أملا منه في تجاوز السيبة والجاهلية المظلمة التي عاشها الناس قبل الاستعمار ، فعاد المختار وأصحابه بنفس التوجه داعين للسعي للاستقلال الجزئي والبطيء من الدوائر الإقليمية الفرنسية وهو خطاب مخالف لخطاب حزب النهضة الذي شكله حرمة والذي دعا للاستقلال الفوري والتبعية للمغرب ، فتم استبعاد تأليف نص وطني وأخذ نص العلامة الذي ساند المستعمر قديما كي ترضى فرنسا ، عندما تُغيَبُ مآثر المجاهدين في حدث النشيد ويتم التركيز على أمور لا تمس كرمته كمستعمر أو يعتبرها ثانوية ... !
المهم وبعيدا عن المزايدات على النخبة السياسية الحاكمة وجميع هيئات المجتمع الناشطة أن تعيد النظر في النشيد الوطني وتذكر بطولات ومآثر الذي ماتوا في سبيل وطنٍ لم يخطر ببالهم لحظة ، وفي الوقت الذي تُذكر فيه قدسية الأرض وطهارتها وأولوية الوطن على القلبية والشريحة والفئة وغير ذلك من المرجعيات التي تتحكم فينا إلى حد الساعة. 

22. نوفمبر 2015 - 0:34

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا