هناك جملة من العبارات المخادعة ومن الأخطاء الشائعة التي ظهرت بشكل واضح في النقاشات الجارية حاليا بين بعض نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي المحسوبين على فسطاط المعارضة، ومن هذه الأخطاء الشائعة يمكنني أن أذكر:
1 ـ الحوار هو الخيار الأسوأ في ثلاثية الحوار والانقلاب والثورة
تبقى هذه الوسائل والأساليب الثلاثة (الحوار والانقلاب والثورة)، والمجربة جميعها من قبلُ، هي الأساليب المتاحة اليوم أمام المعارضة الموريتانية من أجل إحداث تغيير في هذه البلاد المتعطشة للتغيير، وعلى المعارضة أن تعيد اليوم تجريب واحدة من هذه الأساليب الثلاثة، وفي اعتقادي بأن الضغط من أجل إطلاق حوار جاد وشامل يبقى هو الأسلوب الأمثل والأنسب للمعارضة الموريتانية بتركيبتها الحالية، وخاصة في مثل هذه الظرفية، وسأخصص لتبيان ذلك مقالا منفردا إن شاء الله. إن ما أريد أن أبينه هنا هو أن بعض المدونين ينسى دائما بأننا كنا قد جربنا الانقلابات، وحاولنا مع الثورة، ولكن ذلك لم يمكن هو أيضا من إحداث تغيير، إنه ينسى كل ذلك، ولا يتذكر إلا أن المعارضة كانت قد جربت حوارين مع النظام القائم ولم تكسب شيئا من ذلك. أحد هؤلاء المدونين قال لي في نقاش سريع:
ـ ألم تجرب المعارضة حوارين مع "ولد عبد العزيز" فماذا استفادت؟ فلم يكن مني إلا أن قلتُ له: وجربت أيضا معه انقلابين فبماذا استفادت؟
2 ـ قرارات المنتدى لا تتخذ إلا بإجماع
هذه العبارة يتكرر استخدامها كثيرا في هذه الأيام من طرف بعض رافضي الحوار، وذلك للتأكيد بأن المنتدى لا يحق له أن يلبي دعوة الوزير الأمين العام للرئاسة ما دام هناك في المنتدى أي حزب يرفض تلبية تلك الدعوة. هذا كلام صحيح، فلا يحق للمنتدى أن يتخذ قرارا دون إجماع كل مكوناته، ولكن الصحيح أيضا، هو أن المنتدى إذا لم يسمح بأن يلتقي رئيسه بالوزير الأمين العام للرئاسة يكون بذلك قد رضخ لرأي الأقلية، وقد اتخذ قرارا لم تجمع عليه أيضا كل مكونات المنتدى.
إن الذين يرفضون أن يتخذ المنتدى قرارا بتلبية دعوة الوزير الأمين العام، بحجة غياب الإجماع، وذلك رغم موافقة ثلاثة أقطاب وأغلبية القطب الرابع على ذلك القرار، إنما يدفعون المنتدى لأن يتخذ قرارا آخر غير متفق عليه، ولا تتبناه إلا الأقلية، وهو القرار المتعلق برفض تلبية الدعوة. أتمنى أن يتم التوصل في المنتدى إلى قرار توافقي يرضي الجميع، وإذا لم يحصل ذلك، وإذا ما تمسك كل طرف بموقفه من دعوة الوزير الأمين العام للرئاسة، وإذا ما أصبح الخيار يقتصر على واحد من قرارين : إما تلبية الدعوة أو رفضها، فإنه في هذه الحالة يكون من الأفضل والأسلم أن يتبنى المنتدى القرار الذي أجمعت عليه أغلبيته، لأنه إن لم يفعل ذلك، فإنه يكون بذلك قد رفض دعوة الوزير الأمين العام للرئاسة، ويكون بذلك قد تبنى ـ وبشكل تلقائي ـ القرار الذي ترفضه ثلاثة أقطاب من المنتدى، وترفضه أيضا أغلبية القطب الرابع.
3 ـ تفكيك المنتدى خطوة في الاتجاه الصحيح
يروج بعض المدونين لموقف الأقلية في المنتدى، أي الموقف الرافض لتلبية دعوة الوزير الأمين العام للرئاسة، ويرى هؤلاء بأن في التمسك بذلك الموقف خدمة كبيرة للديمقراطية في موريتانيا، وخدمة كبيرة للمعارضة الموريتانية، حتى ولو أدى التمسك بذلك الموقف إلى تفكك المنتدى.
المؤسف هو أن الشباب المعارض الذي لم يستطع حتى الآن أن يجتمع تحت عنوان واحد، وهو الشيء الذي تمكنت منه أحزاب المعارضة التقليدية، يدعو البعض منه إلى ضرورة أن تتمسك الأقلية في المنتدى بموقفها، وأن ترفض موقف الأغلبية من قضية إجرائية ( اللقاء بالوزير الأمين العام للرئاسة) حتى ولو أدى ذلك إلى تفكك المنتدى. إن على أولئك الذين يرفعون راية المعارضة، ويروجون في نفس الوقت لتفكيك المنتدى، أن يعلموا بأنهم بذلك إنما يطعنون المعارضة بخنجر مسموم، وهو ما سيكون له بكل تأكيد الأثر السلبي على العمل المعارض في موريتانيا في السنوات القادمة.
إن من أهم الأسباب التي أدت إلى ضعف المعارضة الموريتانية، وإلى عدم فاعليتها، هو انعدام الثقة بين مكوناتها بفعل ما حصل لها من تفكك في أوقات سابقة. منذ عام ونصف استطاعت الأحزاب المعارضة، وفي وقت عصيب، أن تجتمع تحت خيمة المنتدى، ولقد استطاعت هذه الأحزاب ـ ولأول مرة في تاريخ نضالها ـ أن تضم إليها في هذا التجمع بعض المنظمات والنقابات والشخصيات المستقلة، ولذلك فعلى من سيعمل على تفكيك المنتدى أن يعلم بأنه سيوجه بذلك أخطر طعنة يمكن أن توجه في الوقت الحالي إلى المعارضة الموريتانية، وبأن هذه المعارضة قد لا تشفى من آثار تلك الطعنة في المستقبل المنظور، وقد لا تتمكن من بعد تفكك المنتدى بأن تجتمع من جديد تحت عنوان واحد. إن أي قرار أو أي موقف سيؤدي إلى تفكيك المنتدى، سيكون بمثابة أخطر طعنة يمكن أن نوجهها إلى المعارضة الموريتانية، حتى ولو أدى ذلك القرار أو الموقف إلى الاستقالة الفورية للرئيس عزيز، فلو استقال الرئيس عزيز أو تم إسقاطه في ظل معارضة مفككة، فإن ذلك لن يؤدي إلى أي تغيير. لا يمكننا أن نحلم بأي تغيير في هذه البلاد في ظل معارضة مفككة.
4 ـ الحوار سيشرع لمأمورية ثالثة
يحاول بعض المدونين أن يجعل من الاستجابة لدعوة الوزير الأمين العام للرئاسة وكأنها بداية للانطلاق الفعلي الحوار، وهذا غير صحيح، ويحاول البعض الآخر أن يقنعنا بأن الحوار لن يكون إلا مناسبة لتعديل الدستور وللسماح للرئيس عزيز بمأمورية ثالثة، وهذا أيضا غير صحيح.
إن المنتدى إن هو حاور، فإنه لن يقبل أبدا بأي تعديل للدستور من أجل مأمورية ثالثة، ولن يقبل بأي تغيير في طبيعة النظام السياسي، ولقد أكد ذلك في بيانات سابقة. إن الحوار ومخرجاته هو الذي سيحمي الدستور، وهو الذي سيحول دون مأمورية ثالثة، ودون تغيير النظام السياسي من نظام رئاسي إلى نظام برلماني. إن الحوار الذي يسعى إليه المنتدى هو ذلك الحوار الذي يمكن أن يفضي إلى انتخابات أقرب إلى الشفافية، وإن أي انتخابات شبه شفافة يتم تنظيمها في العام 2016 (العام المتوقع له أن يكون العام الأسوأ بالنسبة للسلطة الحاكمة) ستأتي بنتائج إيجابية للمعارضة الموريتانية، إن تمكنت هذه المعارضة من الدفع بمرشحين أكفاء ولهم ثقلهم الانتخابي، وإن استطاعت بالإضافة إلى ذلك أن تقدم لوائح مشتركة في بعض الدوائر الانتخابية، وأن تتحالف في دوائر أخرى. علينا أن نتذكر هنا بأن الترحال السياسي الذي تضررت منه المعارضة في الأزمنة الماضية لن يكون ممكنا في المستقبل. إن أي انتخابات ستجري بعد الحوار ستؤدي في أسوأ الأحوال إلى حصول المعارضة على نسبة هامة في البرلمان، وهي النسبة التي ستمكنها على الأقل من الوقوف في وجه أي تعديل للدستور عن طريق البرلمان، وهو ما يمكن أن يتم من خلال البرلمان الحالي. ثم إن هناك مسألة أخرى، وهي أنه إذا لم يتم تنظيم أي حوار يمكن أن يساهم في التخفيف من حدة الأزمات التي تتخبط فيها البلاد، وإذا ما ظلت السلطة تعمل على تفخيخ الوحدة الوطنية، فإن موريتانيا لا قدر الله قد تكون على موعد مع هزات عنيفة، وهو ما قد تستخدمه السلطة الحاكمة للإعلان عن حالة الطوارئ، وللتمديد لنفسها لأطول فترة ممكنة، وقد يساعدها في ذلك أن المواطن الموريتاني المسالم بطبعه، والذي تابع ما حدث في بعض الدول الشقيقة من فتن وحروب سيرحب بإعلان حالة الطوارئ، وبالتضحية بالديمقراطية إن أحس فعلا بأن ذلك هو ما سيحمي بلاده من التفكك ومن الحرب الأهلية.
5 ـ أحزاب المعارضة فشلت في الرحيل
من الأخطاء الشائعة هو قول البعض بأن الأحزاب المعارضة في موريتانيا قد فشلت في الرحيل وفي استنساخ الربيع العربي، والحقيقة ليست كذلك، فهذه الأحزاب هي من أفشل الثورة في موريتانيا، وهي من أفشل الرحيل. لا يمكن للأحزاب السياسية أن تقود ثورة، وكل الثورات في العالم العربي لم تقدها أحزاب، وإنما قادتها مجموعات شبابية تشكلت لذلك الغرض. إن نجاح أي ثورة لابد له من احتلال بقعة على الأرض (ميدان)، ولابد له أيضا من التضحية بأنفس بشرية، فلا يمكن لأي ثورة أن تنجح بدون إراقة دماء، ولا يمكن للأحزاب السياسية، ولا لقادتها أن يتخذوا قرارا يمكن أن يترتب عليه سقوط قتلى. هذا القرار لا يمكن أن تتخذه إلا مجموعات شبابية لا يجمعها إلا الميدان والثورة، ولذلك فإنه يمكننا القول بأن دخول الأحزاب السياسية على خط الثورة في موريتانيا، وتولي قادة تلك الأحزاب للاعتصامات المطالبة بالرحيل هو الذي أفشل الرحيل، وهو الذي أفشل النسخة الموريتانية من ثورات الربيع العربي. إن الأحزاب السياسية لا يمكن لها أن تخطط ولا أن تحدد موعدا للثورة، ولا يمكن لها أن تقود تلك الثورة إن هي انطلقت .إن الثورة لا يمكن أن يُخطط لها، وهي ليست من مهام الأحزاب السياسية، ولذلك فإنه ليس من الإنصاف أن نطلب من أحزاب سياسية أن ترفض الحوار وأن تتفرغ لصناعة الثورة!!
6 ـ رفض الحوار لا يحتاج إلى تبرير
إن الحوار الجدي والشامل هو مطلب أساسي للمنتدى، وهو خيار استراتيجي، ولذلك فإنه على المنتدى أن يضغط من أجل إطلاق مثل هذا الحوار الجدي والشامل، وعليه كذلك أن لا يضيع أي فرصة يمكن أن يتم استغلالها من أجل البدء في مثل هذا الحوار. هذا الكلام لا يعني ـ بأي حال من الأحوال ـ بأنه على المنتدى أن يقبل بالمشاركة في أي حوار عبثي، ولا أن يشارك في أي حوار لا يهدف إلا لتحقيق مكاسب آنية للسلطة القائمة. إن على المنتدى أن يرفض وبشكل قوي أي حوار من ذلك النوع، ولكن عليه في المقابل أن يقنع الموريتانيين بأنه لا يرفض الحوار الذي يمكن أن يحل الأزمات التي تتخبط فيها، وإنما يرفض المشاركة في الحوارات العبثية التي لن تحل الأزمات التي تتخبط فيها البلاد، وإنما ستزيدها تعقيدا وتجذرا. إن الشعب الموريتاني شعب مسالم، وميال بطبعه إلى الحوار، ولذلك فإنه على المنتدى عند رفض أي دعوة غير جدية للحوار تأتي من السلطة، أن يبين للشعب الموريتاني أن تلك الدعوة لم تكن جادة، ولم تكن تهدف إلى التخفيف من حدة الأزمات التي تتخبط فيها البلاد. على المنتدى أن لا يعطي الفرصة للسلطة القائمة أن تظهر للشعب الموريتاني وكأنها هي من يمد يده الحوار، وأن المنتدى هو من يرفض ذلك الحوار. على المنتدى أن لا يمنح للرئيس عزيز الفرصة لأن يخاطب الشعب الموريتاني بمناسبة الذكرى الخامسة والخمسين للاستقلال، وأن يقول له لقد قبلنا بأن نستأنف الحوار مع المنتدى من حيث توقف، ولقد وجه الوزير الأمين العام للرئاسة دعوة لرئيس المنتدى بذلك الخصوص، ولكن المنتدى رفض تلك الدعوة، ولم يقبل باستئناف الحوار من حيث انتهى.
7 ـ اختزال مشاكل موريتانيا في شخص الرئيس
لقد أخطأت المعارضة الموريتانية عندما اختزلت كل مشاكل موريتانيا في شخص ولد الطايع، ولقد أخطأت عندما اعتقدت بأن كل مشاكل موريتانيا سيتم حلها عندما يسقط ولد الطايع. لقد سقط ولد الطايع، ولقد مرت بنا منذ أشهر الذكرى العاشرة لسقوطه، ولكن ورغم ذلك فإن مشاكل موريتانيا لم تحل، وإنما ازدادت تعقيدا وتشعبا.
عندما أحس الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله بأن المشاكل تحاصره، وبأن أغلبيته الداعمة أصبحت تشكل خطرا عليه، فلم يكن منه حينها إلا أن استغاث بمعارضته، وطلب منها أن تشاركه في الحكومة التي سيشكلها، وذلك بمعدل وزير مقابل ثلاث نواب، وهو ما كان سيمكن المعارضة الموريتانية من أن تحصل تقريبا على نصف الحكومة. رفضت المعارضة أن تشارك في تلك الحكومة باستثناء حزبي تواصل واتحاد قوى التقدم. تصوروا مثلا لو أن المعارضة الموريتانية شاركت بكاملها في تلك الحكومة، فلو أنها فعلت ذلك لما كان نوابها في البرلمان في صف الكتيبة البرلمانية التي مهدت للانقلاب، ولو أن مثل ذلك تم لما كان انقلاب السادس من أغسطس، وحتى ولو حدث الانقلاب في وقته لكانت احتمالات فشله أكبر، لأن المعارضة وبكل أحزابها كانت ستقف ضد ذلك الانقلاب، وهو ما كان سيؤدي إلى فشله.
على بعض المعارضين أن لا يختزلوا مشاكل موريتانيا في شخص ولد عبد العزيز، ولو كان الأمر كذلك لكان يكفي لحل مشاكل موريتانيا أن يتم الانقلاب على ولد عبد العزيز، ولكان من واجب المعارضة في هذه الحالة أن ترفض أي حوار، وأن تعمل فقط على تأزيم الأوضاع وعلى تهيئة الظروف للتسريع بالانقلاب على ولد عبد العزيز.
إن مشاكل موريتانيا أشد تعقيدا من أن يتم حلها بانقلاب ضابط على ضابط، ولقد علمتنا التجارب بأن الضابط المنقلب (بكسر اللام) قد يكون أكثر فسادا وأشد دكتاتورية من الضابط الذي تم الانقلاب عليه.
حفظ الله موريتانيا..