حارِبُوا الشرَّ ولا تحارِبُوا الشِّرِّيرَ / إسلمو ولد سيدي أحمد

الشَّرُّ: السُّوءُ والفَسادُ. والشِّرِّيرُ: الكثِيرُ الشَّرِّ. وتعني هذه المقولة "حاربوا الشر ولا تحاربوا الشرير"-مِن بين ما تعنيه-أننا إذا حاربنا الشَّرَّ قضينا عليه، وإذا حاربنا الأشرارَ أصبحنا أشرارًا مثلهم.

وهذه المقولة التي تكاد تكون مطَّردة، يمكن تطبيقها على بعض القضايا الشائكة التي نشهدها اليومَ في واقعنا المَعِيش.
من هذه القضايا، على سبيل المثال، لا الحصر: الإرهاب، والفساد، والإجرام، والانقلابات العسكرية، إلخ.
-للقضاء على الإرهاب، ينبغي أن نحاربَ ظاهرة الإرهاب، بدلًا من التركيز على محاربة الإرهابيين، وذلك بالقضاء على الظاهرة من خلال تجفيف منابعها واجتثاث جذورها، إذْ إننا عندما نحارب الإرهابيين نصبح إرهابين مثلهم وبذلك تتسع دائرة الإرهاب. وتكمن الخطورة هنا في أنّ الإرهاب لم يعد يقتصر-في هذه الحالة-على الأفراد والجماعات،  بعد أن دخلت الدول "الإرهابية" على الخطّ. ولا شك أنّ "إرهاب" الدولة-بما تمتلكه من جيوش نظامية مدجّجَة بالأسلحة المتطورة-سيكون أشدّ فتكًا من إرهاب الأفراد والجماعات. وهذا ما يشهده العالم-للأسف الشديد-في الوقت الراهن. لقد أصبحنا نعيش في عالَم من "الإرهابيين" من كل صنف ونوع (من أفراد وجماعات ودول). والنتيجة واحدة: قتْل وتشريد ودمار وحروب مشتعلة في أنحاء المعمورة...
-وللقضاء على الفساد، ينبغي كذلك أن نحاربَ الفسادَ بدلًا من التركيز على محاربة المفسِدين. ويكون ذلك باتخاذ الإجراءات اللازمة-من قوانين وغيرها-لجعل الفساد-بأنواعه المختلفة-غير ممكن. وبذلك نجعل المفسدين في وضع لا يتيح لهم الاستمرار في الفساد. وعندما يتوقف الفساد، فمعنى ذلك أننا حاربنا المفسدين بطريقة غير مباشرة، وأتحنا لهم فرصة التوبة ليصبحوا مواطنين صالحين. ومَن تابَ تاب الله عليه. مع أننا لو حاربنا المفسدين بطريقة مباشرة وأبعدناهم عن الشأن العام، دون تجفيف منابع الفساد، سيأتي مفسدون آخرون ويستغلون المُناخ الملائم للفساد. وبذلك نظل في حلقة مفرغة: نحارب مفسدين ونرمي بهم خارج الميدان، ويأتي مفسدون-ربما أكثر حنكة في الفساد-ليحلّوا محلَّ المفسدين السابقين، ويكونون أفسدَ خلَف لأفسدِ سلَف.
-ولمحاربة الإجرام، فلا يجوز كذلك أن نخرج عن القاعدة السابقة التي تقضي بأن نحارب أسباب الإجرام ، بدلا من التركيز على محاربة المجرمين. ومن المعلوم أنّ محاربة المجرمين تتجسّد-بصفة عامة-في إلقاء القبض عليهم ومحاكمتهم والزجّ بهم في السجون لينالوا جزاء إجرامهم، لكن ذلك لن يجديَ نفعا إذا لم نعمل من أجل القضاء على أسباب الإجرام. ومن الملاحظ أنّ المجرمين بعد انتهاء الفترات التي يقضونها في السجون، يتخرّجون في المؤسسات السجنية وقد اكتسبوا خبرات جديدة في مجال الإجرام بفضل احتكاكهم وتعايشهم مع مجرمين كبار. والنتيجة هي أنهم يعودون إلى ممارسة إجرام من نوع جديد. وهنا كذلك نعود إلى الحلقة المفرغة، بحيث نسجنهم من جديد ونصل عاجلًا أو آجلًا إلى النتيجة نفسِها. والسبب في ذلك هو أننا حاربْنا المجرمين وبقيت أسباب انتشار الإجرام كما كانت.
-ونختم بإسقاط المَقولَة التي اخترناها عنوانًا لهذه الخواطر، على موضوع معالجة الانقلابات العسكرية التي أصبحت حجر عثرة في طريق النمو، وجعلتنا في وضع شاذ-لا نحسد عليه- بالنسبة إلى العالم الديمقراطيّ المتحضّر.
ولعل الأمثلة السابقة تغنينا عن التوسع في هذه القضية. ومع ذلك فلا بد من الإشارة إلى أنّ المطلوب هو محاربة الأسباب المفضية إلى الانقلابات، بدلا من محاربة الانقلابيين من خلال الانقلاب عليهم. ومن الواضح أننا عندما ننقلب على الانقلابيين سنصبح انقلابيين مثلهم، وسيأتي حتمًا آخَرون لينقلبوا علينا وندخل في الدوامة نفسِها.
ولعلّ الأمثلة المشار إليها، تؤكّد أنّ الحكمة تقتضي أن نركز على محاربة الأسباب أكثر-على الأقل-من تركيزنا على محاربة النتائج. والعاقل مَن استفاد من أفكار الآخرين وتجاربهم.

27. نوفمبر 2015 - 11:29

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا