في 25 نوفمبر حضرت المجموعات المدعوة لرفع العلم بعيد الجيش، وتمت مشاهدتها في الموريتانية، وهي تحضر بأوج زينتها، في حدث مهيب استعرض فيه وزير الداخلية واللامركزية كافة التشكيلات العسكرية والمدنية ذات الحضور المتميز في المشهد الوطني، لكن مجموعة من الجنرالات المتقاعدين
حديثا تفاجأت بعدم ظهورها في الشاشة الرسمية، رغم ما يعرف عنها من حرصها على إظهار الوجوه، ولو كانت وجوها سمتها الوحيدة هي "الزيدانية" نسبة لزيدان البوق.
الألوية المتقاعدون من الجيش هم الجنرال محمد/الهادي، والجنرال غلام/محمود، والجنرال افيليكس نيغري، والجنرال محمد/محمد الزناكي، وهؤلاء بينهم وبين التلفزة الوطنية حساب على ما يبدو، وإما أن يكون الحساب المشار له لا يتخطى كونه تخبط مصور غير محترف، علت كميراته ومصوراته عن رؤوس السادة، فتم نسيان حضورهم أو تناسيهم، في ظل تغطية شاملة لسواهم، في حين يرجح البعض أن الأمور أعمق من ذلك، فالمصور الرئيسي للحدث ومساعدوه حملوا معهم توصية قبل انطلاقهم من التلفزة الرسمية بأن يتجاهلوا كليا تواجد هذه المجموعة من الضباط الساميين المتقاعدة، وبقي تحليل آخر يرى أن سقوط هؤلاء من الحضور المتلفز كان نتيجة عمليات في المونتاج حرص أصحابها على أن يسقطوا هؤلاء، وما إسقاطهم إلا نتيجة لنوع جديد ومستحدث من ديكتاتورية الحزب الواحد، فهم قد تناقل عنهم الإعلام اهتماما بالسياسة قد يصل بهم حد الظهور في حزب سياسي، داعم للرئيس محمد/عبد العزيز، وهو ما اعتبره حزب الاتحاد، ورئيسه الأستاذ سيد محمد/محم خروجا على حزبه السياسي، وعلى المسار الواحد اللازم الملزوم، وبالتالي بدأت تلك المعركة في التجاهل، والطعن من هنا هناك.
التجاهل المشار له ظهر في باقي قنوات الإعلام المحلي، حيث غابت تلك الأسماء عن الكتابات والمقالات، وكأن يدا امتدت إليها لتسحبها خارج موريتانيا جسدا ومعنى، رغم أن متابعي الساحة لم ينبسوا بكلمة في الموضوع، ربما لعلة تتعلق بالاكتشاف من قبل البعض، حيث لم يكتشف الحدث ببساطة، في حين تواطأ آخرون مع التلفزة الرسمية في توجيهها للطعنة النسوية النسائية الناعمة الداعمة لمسار الحزب المسيطر الواحد.
حتى المبادرات الأهلية الداعمة للرئيس بدأت تتخذ مسار شبه معاد، إن لم يكن معاديا لهؤلاء، فمثلا مبادرة الأمل تجاهلت كليا الجنرال محمد/الهادي، وهي تكاد تكون أنشط مبادرة قبلية، وعند تأسيسها كانت تضم في إعلانها كلا من رجل الأعمال/ اشريف عبد الله، رجل الأعمال/ أحمد سالم، رجل الأعمال/ محمد انويكظ، والشاب الشيخ الهادي-نجل الجنرال-، والشيخ محمد يحي/ عبد القهار، لكن هذه المبادرة يبدو أنها صعدت لأسباب مجهولة ضد كل ما يمت للهادي بصلة عن كثب –ويجب التنبه لهذه الكلمة-، فلقد تم استبعاد الشيخ محمد الهادي من المشهد كلية، والمواقع التي نشرت أخبار المبادرة تجاهلت دور ولد الهادي فيها، فأصبح نضاله في المبادرة كالعدم، وهنا بدأت الغرف المهتمة بالسياسة تخض وتمج الحدث، فمن قائل أن رجل الأعمال الشهير اشريف عبد الله هو من يعود له ما حدث بصورة أو بأخرى، فهو لم يضع لولد الهادي حليفه القوي منذ دولة معاوية أي اعتبار، ومن قائل أن مكانة الرجل محفوظة عند ولد عبد الله لكن القائمين فعليا على المبادرة دخلوا في تضامن مع حزب الاتحاد المتوجس خيفة، وتآمروا كما تآمرت التلفزة الوطنية على ما يمت للجنرالات بصفة، علما أن اجماع جماعة الأمل المبادرة لم يسر وفق ما يروج له اعلاميا من توافق وتجانس، فالشيخ يحي/عبد القهار حضر بشكل يطبعه الكثير من الاستقلالية في انواذيبو، فلم يكن مصطفا في صفوف أمل، ومعه جماعة لا بأس بها من ساكنة أوجفت، استنقص كثيرون عددها ومددها، وشخصيا لم أقف لها على حقيقة ثابتة، غير أنها موجودة، ومستقلة نوعا ما، ولها مسار على ما يبدو غير راض عن استبداد أمل بالرأي والقرار في بعدها القبلي والأثني والسياسي، كما أن حضور محمد/انويكظ وتمثيله في انواذيبو ضمن صفوف المبادرة لم يكن بمستوى حضور حليفه، وصديق والده محمد عبد الله/عبد الله اشريف، علما أن حضور ولد سالم ظل قويا منذ التأسيس، رغم أنه حتى الساعة لا يزال غائبا عن المشاهد الحقيقية للمبادرة، لكن جماعة مؤثرة على غرار أحمد ولد الطايع، وعبدو ولد محم تحفظ مكانة كثيرين في المبادرة حتى ولو ناموا وقت هيجان الداعمين.
موقف مبادرة الأمل من أحد كبار منتسبيها ألغى ظلاله الكثيفة على المشهد الاجتماعي للمجموعة، واستبعد كثيرون أن يكون من موقف ولد انويكظ من ولد الهادي، لما يعرف عن ولد انويكظ من الوضوح، فحين يقف موقفا من شخص ما، لا يقوم بالمناورة ولا بالتلون في قضيته، فموقفه واضح صارم، ومنذ البداية يقف من الهادي/محمد موقفا واضحا، لكنه لا يزايد على موقفه، ولا يعمل بشكل سري ضد الرجل.
وللجنرال محمد كما للجنرالات أصدقاؤه المتلاعب بحقهم في الظهور بالاحتفلات الرسمية وزنهم الخاص، فهم كانوا إلى جانب الرئيس محمد ولد العزيز منذ اللحظة الأولى لدولته، فدعموه في مراحل حالكة، لو فشل فيها نظامه لذهب صوب المقصلة، وأغلب الظن أن ولد عبد العزيز يصون لهؤلاء العهد، ويعي حجم التضحيات المشتركة بينهم وبينه في فترة عارضه فيها كثير من الناس ماديا ومعنويا، وقادوا ضد دولته الكثير مما يمكن تسميته "فوبيا دولة عزيز"، أو الخوف من تحقق دولة عزيز.
الأمل التي لم تتضح دواعي تحاملها على ولد الهادي حد الساعة، أبقت ولد عبد القهار في مكانته منها، فرغم توجه مجموعة من منخرطي المبادرة للشيخ يحي شاكين له من أسلوب المبادرة في التهميش، وعلى رأس هذه المجموعة ولد الحاج المخطار، فإن المبادرة في تسريباتها للاعلام حرصت على أن تحفظ لمحمد يحي مكانته، في حين عصفت بولد الهادي، في تدخل آخر في صراع أوجفتي لا ينحسم، ولا تنسجم مكوناته في عقد واحد، فالصحراء التي نشرت أول احتفالات الأمل في انواذيبو أسقطت ولد الهادي، فيما يبدو أنه انقلاب من رؤوس أمل على الرجل، وهو ما لا يطمئن على مستوى التضامن القبلي، إذ من الراجح أن حالة مشابهة لتقاعد ولد الهادي ستكون ضربة فاصلة بين المصاب بها وبين مبادرة الأمل.
العارفون بولد الهادي بدأت أبصارهم تشخص صوب الاستقلال، لمعرفتهم بما يسمى "لعنة" تصيب عادة بحسب متتبعي مسيرة الجنرال كل من يمس به، وهكذا تغييب الجنرال المتعمد –حسب الرأي السائد- كانت له تبعات وخيمة، فعندما كان ولد العزيز يصل انواذيبو كان ولد الهادي وولد محمد ازناكي ونيغري وغلام يستعيدون مكانتهم تحت الأضواء، فيما كانت المواقع الاعلامية وعلى رأسها حرية ميديا وموقع الشرق تشن حملة لا هوادة فيها على تغيب ولد محم عن حضور مراسيم استقبال الرئيس بسبب المرض، وبسبب الحضور الباهت، وبسبب –حسب موقع تقدم- انزعاج الرئيس من الحملة السابقة لأوانها، والصور المكبرة التي تسبح في واد غير واد الاستقلال ولكن قد يكون وادي الذئاب، والله أعلم.
وفي المحصلة غاب ولد الهادي وأصدقاؤه عن حدث العسكر في 25 نوفمبر بالتجني والغمط، وحضرت الجماعة ذاتها بنياشينها المتلألئة في سماء انواذيبو لعل من سمع بتلك، يرى هذه، فيما تجنت مبادرة الأمل على حليفها وأحد أبرز مؤسسيها واضعة إشارة استفهام حول حقيقة ما تدعو له من وحدة وانسجام وتضامن، في انواكشوط كان بصورة، وفي انواذيبو انطبع بصورة أخرى، ولا شك ستناقش أسبابه بقوة حتى في صالون الزاهد العابد محمدن ولد محمودن الثقافي الأدبي العلمي، حيث تتواجد القامات العارفة بالسياسة والقانون والفن والتصوف قبل كل شئ، وبعده، وحيث لا يفصل بين الهادي ومحمودن غير جدار قصير، يحكي رسو سفينة الصلاح في محيط واحد أوحد عبر العصور، يحيلنا لقداسة الأثر القائل: "إن الله يستحي أن ينزع البركة من مكان قد جعلها فيه".